كانت أغنية الشعبي في القديم تسمى مديحا دينيا ومنها جاءت كلمة مدّاح، وهي في الأصل مستوحاة من الموسيقى الأندلسية بتأثيرات بربرية، وقد سميت بالشعبي سنة 1946 بقرار من الشيخ بودالي السفير الذي كان يعمل بالإذاعة الجزائرية إبان الإستعمار الفرنسي ليصبح بذلك الغناء الشعبي لونا موسيقيا هاما في الجزائر على غرار الأندلسي والقبائلي وكذا العصري، لكن سرعان ما توقف مطربو الشعبي عن الغناء إبان ثورة التحرير باستثناء عدد قليل منهم شاركوا في برنامج »بلادي« بالإذاعة مثل الحاج محمد العنقيس وغيرهم. وبعد اندلاع ثورة نوفمبر المجيدة كانت هناك صراعات سياسية بين الأحزاب فأصبحت أغنية الشعبي وسيلة للحوار والتعبير عن المواقف المختلفة بينما كان شعراء اللون الشعبي يخبّئون قصائدهم خوفا من المستعمر لأنها كانت تمجّد الثورة التحريرية، واستمرّ الوضع على حاله لغاية الإستقلال أين حظي الفن الشعبي بشعبية كبيرة بين المواطنين الجزائريين وهو سبب تسميته بهذا الإسم نظرا لإستعماله اللغة الدارجة المحلية في أشعاره، ليصبح هذا اللون منتشرا في الجزائر بشكل كبير وعبر ولايات الوطن لا سيما العاصمة ومستغانم. وقد كانت البداية الأولى لهذا الفن على يد موسيقيين معروفين أمثال الشيخ الناظور (1874 1926) وغيره من الشخصيات الفنية الأخرى على رأسهم الحاج محمد العنقى وهو مؤسس الفن الشعبي وصاحب الفضل في انتشاره على نطاق واسع، كما كان له الفضل في إدخال آلات جديدة عن غرار »البانجو« و»المندول« ، فأسموه بكروان أغنية الشعبي والرائد الأول دون منازع فهو صاحب »الحمام اللي ربّيتو مشا عليّ« و»سبحان الله يا لطيف« و»الحمد لله ما بقاش استعمار في بلادنا« وغيرها من الأغاني العريقة، إسمه الحقيقي آيت أوعراب محمد إيدير المعروف بمحمد العنقى ولد سنة 1907 في 20 ماي بالقصبة من عائلة بسيطة ترجع أصولها إلى بني جنّاد في تيزي وزو، وقد كان شيخ الناظور أول من اكتشف موهبته فضمّه إلى فرقته كضارب على آلة الدّف ليواصل مشواره بعدها أين تعلم على آلات موسيقية أخرى منها المندولين وأتقن استعمالها في مدة قصيرة مما جعل شيخه الناظور يطلق عليه لقب »العنقاء« وهم إسم طائر خرافي، وبعد وفاة شيخه سنة 1925 بدأ العنقى قيادة الفرقة وكان يحيي الحفلات في الساحات العمومية بالعاصمة والأعراس ثم التحق بمعهد سيدي عبد الرحمان للموسيقى الذي قضى فيه 5 سنوات من التكوين ليتم استدعاؤه للإذاعة إلى جانب فنانين آخرين منهم الحاج العربي بن صاري لتسجيل عشرات الأسطوانات وبعدها التحق العنقى بالفرقة الشعبية الأولى للإذاعة ثم كلف بتعليم موسيقى الشعبي، وفي سنة 1955 التحق بالمعهد البلدي الموسيقي، حيث تتلمذ على يده العديد من المطربين أمثال عمر العشاب وحسن السعيد ومهدي طماش وحسيسن وكمال بودريب وغيرهم، فهو الذي ربّى أجيالا عديدة دخلت عالم الشعبي من بوابة العنقى الذي كتب 350 أغنية وسجل ما يقارب 130منها لا زالت ذات شهرة واسعة. ولأن الفن الشعبي من أهم الفنون التراثية التي تحمي ثقافتنا الجزائرية فقد إرتأينا أن نقدم هذا الملف الأسبوعي لعشاق الموسيقى الشعبية حيث سلطنا الضوء على أهم الأعمدة التي صنعت هذا النوع من الموسيقى التراثية على غرار الهاشمي ڤروابي، ودحمان الحراشي وكذا محبوباتي والشيخ معزوز بوعجاج الذي لا زال يعطي من إبداعاته لجمهوره ولا زال حاضرا بفنه وأغانيه العريقة وكله ثقة أن يحمل رسالة فنية وما عليه سوى إيصالها لعشاق هذا الفن الشعبي. ومن جهة أخرى فقد كانت لنا وقفة خاصة عند الباحث والكاتب عبد القادر بن دعماش الذي أعطى الكثير للفن الشعبي من خلال تأسيسه للمهرجان الوطني لأغنية الشعبي وتأليفه للعديد من الكتب والمغلفات حول أعمدة الموسيقى الشعبية، كما خصصنا فضاء آخر لظاهرة »النّيو شعبي« التي إبتكرها بعض الشباب الذين حاولوا إدخال طابع العصرنة على هذه الموسيقى، وحتى يكون الملف متكاملا فقد سلطنا الضوء على مهرجان أغنية الشعبي ومدى أهميته في الحفاظ على هذا التراث العريق.