على إيقاعات الطنطن الإفريقي، وبألوان عكست ثقافة الحرية والسلام لدى شعب أحبهما وناضل في سبيلهما، لكنه لم يتذوق طعمهما إلا مؤخرا، أعطيت، أمس، الإشارة الرسمية لانطلاق فعاليات المهرجان الإفريقي الثاني بالجزائر، في عرض عاد بجمهوره أحقابا طويلة ليغوص بهم عميقا في تاريخ كفاح القارة السمراء ضد العبودية في سبيل الظفر بالحرية التي ينشدها كل إنسان. بعد إعلان عبد العزيز بلخادم وزير الدولة الممثل الشخصي لرئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة عن انطلاق فعاليات المهرجان، حظي جمهور القاعة البيضاوية على مدى ثلاث ساعات تقريبا بعرض أقل ما يقال عنه أنه كان بمستوى الحدث. العرض الذي صممه الكوريغرافي الجزائري ذو السمعة العالمية كمال والي، ونفذه جموع من الفنانين الأفارقة وعلى رأسهم نجوم الأغنية الإفريقية على غرار وردة الجزائرية ويوسوندور وسيزاريا ايفورا وأمازيغ كاتب، استطاع بفضل براعة منفذيه أن يوقظ روح الوحدة والانتماء إلى أم القارات، وحدة يعز تحقيقها في مجال آخر غير الثقافة، ومن خلال تنوع لوحات العرض الذي افتتح بلوحة بسيطة تعلوها خريطة إفريقيا، ويدور حولها رجل مسن مرفوق بطفل وهو يروي تاريخ القارة الطويل، ليتفاجأ المشاهدون بعد ذلك بدخول فرسان يرتادون بدلات تقليدية جزائرية، ليتلوها دخول دخل محاربين أفارقة على إيقاع الطنطن وصوت العود حيث امتزجت رقصة المحاربين التوارق الى جانب رقصات أخرى من أداء قبائل من دول غرب إفريقيا، هذه المشاهد التي عبرت عن تنوع وثراء الثقافة الإفريقية عكست من جهة أخرى الحياة التي كان ينعم بها الأفارقة قبل قدوم الاستعمار الذي عاث في القارة فسادا، ونكل بأهلها أشد تنكيل. وعكست بقية العروض التي بدأت بلوحة فنية عن دخول رجال يرتدون ببدلات بحرية ويحملون أعلاما الى القارة تحت أضواء حمراء في إشارة إلى كمية الدماء التي أراقوها بقدومهم، ثم جاء أكثر المشاهد تأثرا على الإطلاق وأثوابهم الرثة البالية أن يعبروا عنه، وقد لعبت الموسيقى في هذا المشهد الدور الكبير عندما بدأت نواة الحركات التحررية في إفريقيا تظهر، وموازاة مع ذلك صور مشهد آخر سوقا من أسواق شمال إفريقيا معلنة عن بداية احتلال هذا الجزء من القارة، وبين هذه المشاهد ظهرت الممثلة الفرنسية ذات الأصول الجزائرية "إزابيل عجاني" التي كانت ترتدي لونا أبيضا لتروي معاناة إفريقيا من ويلات الاستعمار. وكم كان رائعا مشهد الرجل الإفريقي الأعرج الذي كان يقاوم مستعمرا سليم الجسم قوي البنية، والذي لم يستسلم رغم الإعاقة وقوة الخصم إلى أن تمكن منه في الأخير واستطاع رميه من على الحافة، وقد كان المشهد كناية رائعة عن مقاومة سكان القارة السمراء للظلم الممارس عليهم رغم محدودية وسائلهم، كما أنه يدل أيضا على أن الظلم لا يمكن أن يستمر وإن طال أمده، أما في خلفية اللوحة فقد تعاقبت صور الكفاح المسلح في الجزائر وفي دول إفريقية أخرى التي تمكنت من كسر قيود الاستعمار بفضل تضحياتها، ومن جهة أخرى، تم تنفيذ رقصات على وقع موسيقي الجاز وأنواع موسيقية أخرى هزت العالم المعاصر، كما رافقتها رقصات تقليدية إفريقية . ومع اقتراب نهاية الحفل، ظهرت سيدة الطرب العربي وردة الجزائرية التي تغنت بالمحبة والسلام والحرية، متبوعة بالفنانين الإفريقيين هما يوسو ندور وسيزاريا ايفورا، واختتم العرض بلوحة فنية أخيرة ارتدى فيها الراقصون الألوان الوطنية للدول المشاركة في هذا المهرجان مرفوقين بموسيقى صاف من الغرب الجزائري.