بعد أن أصرّت على العودة من "حديقة صوفيا"، تألّقت إفريقيا في القاعة البيضوية للمركب الثقافي "محمد بوضياف" ركيزتها في ذلك إبداع مختلف أجيال فنانيها ونهلهم من تراث الأجداد وتمسّكهم بالعراقة والأصالة، فكان الافتتاح الرسمي للمهرجان الثقافي الإفريقي الثاني بالجزائر ترجمة لزخم القارة الأم وإصرارا على التفتّح على ثقافات الآخر والتجديد الدائم. هي إفريقيا العائدة إلى الجزائر، القلب الدافئ الذي كان بالأمس القريب محجّ الثوّار وقبلة الأحرار، وهي اليوم ملتقى لجمال ونفائس القارة كلّها وثرواتها، فالتقت أطياف الطبيعة على أرض الجزائر وحملت معها التميّز والفرحة والكثير من الإبداع لتكسي الدورة الثانية من المهرجان الإفريقي رداءً ثقافيا وفنيا امتزجت أنسجته في لوحات أبدع فيها كمال والي وقدّم لضيوف الجزائر، أصدقائها وأشقائها استعراضا فنيا ضمّنه رسائل حبّ وسلام مغلّفة بالروح الإفريقية والقيم الإنسانية الممتدّة في الزمان والمكان. بدأت فعاليات المهرجان الثقافي الإفريقي الثاني للجزائر رسميا أمس، الأحد، بعرض افتتاح ثري بالألوان والحركات النابعة من كلّ حنايا السمراء فخطّت الجميلات أبدع اللوحات الفنية ورسمت أروع البسمات على أرض الجزائر، وكانت كلّ خطوة عرسا أعاد لإفريقيا بريقها الأوّل، وأبرزت كلّ حركة تطلّعات وآمال الشعوب الإفريقية. وجاءت هدية الجزائر للقارة السمراء بألوان الأرض والسماء، ألوان إفريقيا الدافئة التي تجانست مع ألوان سمائها الصافية، فكانت الساعتان من عمر الاستعراض للاحتفاء بإفريقيا الثقافة، إفريقيا العطاء، إفريقيا البدء والانبعاث، إفريقيا البساطة، إفريقيا الروح، إفريقيا الصفاء والنقاء، إفريقيا المحبة والأخوة..إفريقيا الإنسان، وتعاقبت اللوحات الحاملة لرموز إفريقيا والإنسانية فارتسمت على الأرض التي كانت تتخذ مع كلّ لون من ألوان الطبيعة رموز الجزائرالبيضاء وإفريقيا السمراء. "عودة إفريقيا" عبّرت في حفلها الفني عن مسيرة إفريقيا الطويلة من أجل الحرية، من خلال لوحات كوريغرافية، أبرزت الأولى التاريخ الطويل لمهد الحضارة عبر رحلة شيخ إفريقي راح يسرد لحفيده هذا التاريخ الحافل بالانتكاسات والانتصارات، ليدخل الساحة فرسان ببدلات تقليدية جزائرية حاملين معهم قبسات من تاريخ نضالات البلدان الإفريقية، وعلى إيقاع الطمطم دخل المحاربون الأفارقة في إشارة إلى مصير إفريقيا القارة التي لطالما تعرضت لاعتداءات أجنبية، فقد دخل رجال ببدلات بحرية يحملون أعلاما جماعات تلو الأخرى، وكانت اللوحة الأكثر تأثيرا في هذا العرض تلك المعبرة عن العبودية حيث تميّزت بعنف ضار مرفوق بصرخات الألم التي كان يطلقها الراقصون، وصوّرت هذه اللوحة السخية بألوانها والملخصة لفترة من تاريخ القارة سوقا من أسواق شمال إفريقيا معلنة عن بداية احتلال هذا الجزء من إفريقيا، لتبرز لوحة أخرى كفاح السكان الأصليين للتحرّر من استعباد المستعمر، وكخلفية تعاقبت صور لكفاح المسلح في الجزائر وفي دول افريقية أخرى تمكّنت من كسر قيود الاستعمار بفضل تضحياتها. وإلى جانب هذه الرقصات التي تسرد الذاكرة الإفريقية، قدّمت لوحات كوريغرافية على إيقاع موسيقى الجاز وأنواع موسيقية أخرى هزت العالم المعاصر مرفوقة برقصات تقليدية افريقية تبرز الثراء الثقافي للقارة وعطائها السخي للموسيقى العصرية العالمية. السيدة وردة الجزائرية، السينغالي يوسو ندور، سيزارا إيفورا وغيرهم من أعلام الغناء الإفريقي أدلوا بدلوهم في هذا الحفل الذي اختتم على وقع أغنية "لو كان يديرو عليك باب حديد" وعرض للأزياء الإفريقية. حفل الافتتاح هذا حضره وزير الدولة الممثل الشخصي لرئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بلخادم وأعضاء في الحكومة ورئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي السيد جون بينغ وممثلون عن السلك الدبلوماسي المعتمد بالجزائر.