سأل صديق صديقه لماذا سكان الجنوب يقرؤون كثيرا ويكتبون كثيرا الشعر والرواية والفنون الأدبية المختلفة، فأجابه قائلا : إنه الفراغ .. ففي الصحراء لا تجد بما تملأ وقت فراغك غير القراءة والكتابة. تذكرت هذه القصة وأنا أقرأ تصريحا للسفير الفرنسي في الجزائر نشرته الصحافة الجزائرية أمس، يقول أن الجنرال الفرنسي الذي أعاد إثارة " مقتل الرهبان الفرنسيين السبعة في تيبحرين " عام 1996، هو تصريح لملء وقت الفراغ لجنرال متقاعد. وأضاف السفير أن الجنرالات المتقاعدين الذين يلجؤون للكتابة أضحت ظاهرة معهودة في فرنسا والغرب بصفة عامة، لكنها كتابات لا تلزم فرنسا الرسمية. من الناحية المنطقية ومن ناحية حق الرأي والتعبير المكفول في الأنظمة الغربية، من حق الجميع أن يكتبوا وأن يصرحوا، ومن حق فرنسا الرسمية أن تقول أن تلك الكتابات تمثل مجرد رأي شخصي. المشكل يحدث من جهة ، عندما يتبنى مسؤول رسمي بعض التصريحات أو الكتابات ، ومن جهة أخرى يمكن للمذكرات الشخصية أن تثير " الزوابع " إذا كانت صادرة عن شخصيات فر نسية كانت مسؤولة عن قضية معينة في الجزائر المستعمرة. فمذكرات الجنرال سواريس التي يعترف فيها بإعدام الشهيد العربي بن مهيدي، تستحق أن تثير النقاش سواء في فرنسا و في الجزائر أيضا. في بداية الأمر، تأسفت شخصيا لعدم وجود رد فعل رسمي جزائري، وأتأسف اليوم أيضا لعدم امتلاك مؤسساتنا الرسمية ناطقين رسميين يمكن لوسائل الإعلام المختلفة أن تلجأ إليهم للتوضيح والإستفسار، بدل ترك الصحافة الجزائرية من باب الغيرة تقوم بردود فعل من باب الإجتهاد .. أحيانا تصيب وأحيانا تخطأ. لكن بعد التراجع الذي حدث في فرنسا، عقب تصريحات ساركوزي التي تشير إلى عدم صدقية الدولة الجزائرية ، قلت الحمد لله أنه لم يكن هناك رد فعل رسمي متسرع. لأنه في نهاية المطاف .. باريس عطست ، وفرنسا أصيبت بالزكام. وليس هناك ملف واحد يستحق النقاش والجدل بين الدولتين وبين الشعبين وبين وسائل إعلام البلدين، وبين الجنود الفرنسيين والمجاهدين الجزائريين، وغيرهم كثير. فقرن ونصف ليس سهلا تسييره في مرحلة ما بعد الإستعمار. وهنا استذكر كلمة قالها السفير الفرنسي في الجزائر عقب حفل استقبال لتوديع بعض الدبلوماسيين الذين انتهت مهمتهم في الجزائر : " أن تكون سفيرا في الجزائر ليست سياحة ".. والواقع أنه ليس مستبعدا أن يكون في فرنسا لوبي معارض لبناء علاقات حسنة ومتكافئة بين الجزائروفرنسا ، دولة لدولة، وقد يكون متكونا من أولائك الذين لديهم حنين خاص للجزائر مثل الأقدام السوداء ، أو موقف خاص مثل الحركى، أو اليمين المتطرف أو غيرهم. وهذا اللوبي هو الذي يتسبب في ديمومة التوتر، مثل ما حدث مع قانون 23 فبراير 2005 الذي عصف باتفاقية الصداقة بين باريس والجزائر على الطريقة " الألمانية الفرنسية "، أو هذا التصريح الأخير بخصوص مقتل رهبان تيبحرين.