انتقد مناضلو حزب جبهة التحرير الوطني في نقاش مفتوح حول "التعددية في الجزائر، تجربة وآفاق" الممارسات الأحادية التي تعرفها بعض الأحزاب السياسية في عهد التعددية من خلال قمع مناضليها وتكريس مبدأ الزعامة الأبدية لشخصية معينة تتولى شؤون الحزب، فيما أكدوا أن التجربة الديمقراطية المبنية على التعددية السياسية والتعددية الحزبية ليست بالجديدة على الجزائر التي عرفتها قبل سنة 1954 في ظل الحركات الوطنية التي كانت تنشط في الساحة السياسية وتوحدت بعد ذلك تحت لواء جبهة التحرير الوطني لتحرير الجزائر من وطأة الاستعمار الفرنسي. استهل المناضل محمد صالح حرز الله مداخلته في النقاش الخاص بالتعددية في الجزائر بالتأكيد أنه لا يمكن أن تكون هناك تعديدية دون فصل حقيقي بين مختلف السلطات، وبالمقابل أشار إلى ضرورة أن تقوم كل سلطة بدورها الأساسي ونفس الشيء بالنسبة للمؤسسة العسكرية التي يجب أن تساهم بايجابية، خاصة وأن الحياة السياسية في الجزائر قد عرفت تدهورا كبيرا بسبب تداخل الصلاحيات، فهل نحن في مرحلة التعددية -يتساءل الأستاذ حرز الله-، أن نعيش مرحلة الحزب الواحد المتعدد في وقت طغى فيه مفهوم الزعامة الذي أصبح يسيطر على كل الأحزاب السياسية؟ محمود محمودي مناضل وأستاذ بمعهد العلوم السياسية والعلاقات الدولية اعتبر أن الحديث عن التعددية لا يكون إلا بالحديث عن الديمقراطية، كما أن المسار الديمقراطي الذي تعرفه الجزائر في المرحلة الراهنة لا يمكنه أن يتواصل على هذا المنوال، فنحن غير قادريين على العودة إلى الحزب الواحد وفي الوقت ذاته عاجزين على تكريس تعددية ديمقراطية ناضجة بكل أبعادها السياسية، حقيقة نحن في ورطة وعلينا التفكير بجدية في الحل. أما الأستاذ نذير بولقرون عضو الهيئة التنفيذية، فقد أشار في مداخلته أمام الحضور إلى أهمية الحديث عن إنجازات التعددية طيلة 20 سنة، ما هي إخفاقاتها، تطلعاتها، وآفاقها التي تسطرها لتكرس ممارسة ديمقراطية حقيقية، وفي رأي المتدخل كان من الأجدر الحديث عن النظام الأحادي، لأنه بعد إقرار دستور 1989 ظلت الأحادية متجذرة رغم بروز عديد الألوان السياسية. بولقرون قال إن التقسيم الإعلامي للأحزاب السياسية انطلاقا من تصنيفها الأحزاب الوطني، الإسلامية، المعارضة وغيرها من التسميات يجافي الحقيقة والواقع السياسي المعاش، وهذا ما يدعو إلى التساؤل عن تلك الخصوصيات التي تميز كل حزب في الجزائر عن غيره؟ واستطرد المتحدث قائلا "هناك تحذير من العودة إلى الأحادية، في حين تعامي أحزاب كثيرة من مشكل الأحادية في تسيير شؤونها الداخلية وإن كان الأفلان محل انتقاد واسع من طرف الآخرين، إلا أن الجميع يشهد بالتغييرات المتتالية التي مست قيادته، بالإضافة إلى عملية التجديد التي تعرفها هياكله في كل مرة، ويبقى في الأخير أن العودة إلى الأحادية غير ممكن رغم كل مساوئ التعددية. المناضل أحمد الإبراهيمي انتقد بعض الممارسات التي تشهدها التعددية الحزبية في الجزائر، حيث أشار إلى ظاهرة التجوال السياسي الناجم عن عدم وجود قناعات سياسية للمناضلين الذين أصبحوا يغيرون انتماءاتهم السياسية بين الاستحقاق والآخر بحثا عن مصالح شخصية ضيقة، ومن ثم تساءل الإبراهيمي إن كانت التعددية والأحزاب ككل وسائل في يد السلطة تفعل بها ما تشاء؟ بدوره مصباح مهناس، مناضل وأستاذ بمعهد العلوم السياسية والعلاقات الدولية قال عن التعددية ثقافة قبل أن تكون شيئا آخرا، وعليه يجب مراعاة عامل الزمن كمعيار أساسي لتقييم التجربة الديمقراطية في الجزائر التي لا تزال حسبه فتية، وفي هذا النقطة بالذات أشار المتحدث إلى أن الظاهرة الحزبية تتجه نحو التقلص، إما نحو الثلاثية أو نحو الحزبية، فبعد أن كانت الساحة السياسية تعج بالأحزاب، نراها اليوم تتقلص شيئا فشيئا وهو دليل على النضج السياسي الذي سيساهم في إرساء وضع سياسي أكثر استقرارا ينعكس لا محال على الاقتصاد الوطني من خلال دفع عجلة التنمية نحو الأمام. وفيما يتعلق بالخلط الموجود في المفاهيم المرتبطة بالتعددية، فقد تدخل الدكتور أحمد حمدي الذي أكد على ضرورة تحديد المصطلحات الخاصة بالتعددية السياسية في الجزائر وقال إن الجزائر عرفت التعددية السياسية منذ نهاية الحرب العالمية الأولى والتي تبلورت بعد الحرب العالمية الثانية وبرزت حينها أربعة اتجاهات على الأقل ذات مشارب سياسية وبرامج متعددة وجاءت جبهة التحرير الوطني لتحد من التعددية بالنظر إلى ظروف تلك المرحلة التي كانت تفرض توحيد كل القوى والجهود للتصدي إلى الاستعمار الفرنسي. وفي سياق متصل دعت المناضلة شلوش فتحية الأكاديميين إلى توضيح المفاهيم ودراسة مختلف البدائل السياسية التي تليق بالمجتمع الجزائري الذي يملك قوة عظيمة من الشباب متفتح على العالم، على جبهة التحرير الوطني -تقول السيدة شلوش- أن تفكر بدورها في البديل لتنتقل بقوة من الشرعية الثورية وتعتمد على الشرعية الدستورية من خلال تقديم مشاريع فعالة لإدماج الشباب وغرس روح الوطنية فيهم. المناضل عبد القادر حريشان أكد أن الحياة الديمقراطية في الجزائر غائبة بسبب غياب التداول داخل المجتمع وداخل الأحزاب السياسية نفسها ومن ثم اقترح التفكير من جديد في النمط الانتخابي المعتمد والذي يراه دون المستوى المطلوب، بدوره المناضل قاسة عيسى قال إن الجزائر تعيش مرحلة انتقالية وتساءل عن التعددية السياسية إن كانت مرحلة كباقي المراحل أم هي خيار فرض على الجزائر؟ عبد العالي رزاقي المناضل والأستاذ في معهد الإعلام تحدث عن غياب إحصائيات حول عدد المنخرطين في الأحزاب السياسية بالجزائر، كما اعتبر التحالفات الموجودة في الساحة السياسية خطأ كبير ومن العيب الحديث عن وجود أحزاب في ظل التحالفات التي تقضي على خصوصياتها، أما النائبة بالمجلس الشعبي الوطني عن حزب جبهة التحرير الوطني صليحة لرجام فقد أشارت بدورها إلى غياب التداول على مستوى الأحزاب السياسية نفسها، بالإضافة إلى تغييب دور المرأة في المجال السياسي، الأمر الذي يخل في رأيها بمبدأ التعددية والحرية والديمقراطية. ويشار إلى النقاش حول مفهموم التعددية السياسية قد سمح بتبادل عديد الأفكار بين مناضلي حزب جبهة التحرير الوطني والأكاديميين الذي قدموا محاضرات حول موضوع الديمقراطية والتعددية السياسية في الجزائر، مع العلم أن هذه الندوة السياسية التي نظمها الأفلان تدخل في إطار التحضير للمؤتمر التاسع للحزب الذي سيعقد بداية من العام المقبل، وفي هذا الإطار لم يتردد الأساتذة الباحثون في شرح مختلف المفاهيم المتعلقة بالتعددية، بالإضافة إلى الخوض في تفاصيل التجربة الجزائرية التي تعد من أعنف التجارب الديمقراطية على مستوى الوطن العربي.