تراجع مستوى الجدل حول نتائج التشريعيات خلال الأسبوع المنصرم، مع تراجع درجة الحماس لدى التيارات السياسية التي خرجت منهزمة في موقعة ال10 ماي المنصرم، رغم قرار المعارضة بما في ذلك حزب العمال والأفافاس مقاطعة هياكل الغرفة السفلى للبرلمان، فالمرحلة هي للتكهن بخصوص الحكومة الجديدة التي لم تر النور بعد، وعن موعد الإعلان عنها وعن طبيعة تركيبتها، وهل ستنكمش وينحصر تمثليها في تشكيليتين فقط هما الأفلان والأرندي، أم ستتوسع لتشمل الأحرار وربما عائلات سياسية أخرى خصوصا الإسلاميين؟. غطت امتحانات البكالوريا بشكل واضح على النقاش السياسي خلال أيام الأسبوع المنصرم، ولا يرتبط الأمر بأهمية هذا الحدث المصيري الذي يعني الآلاف من المترشحين ومن ورائهم آلاف العائلات، بل يرتبط أيضا بالإشاعات التي بثت بشكل غريب وجنوني حول مزاعم تتعلق بتسرب أسئلة الامتحانات، رغم التكذيب الرسمي المتواصل لهذه الشائعات التي أصبحت لصيقة بامتحانات البكالوريا، تعود كل سنة بشكل يوحي وكأن هناك جهات تصنعها وتطبخها جيدا لغرض في نفس يعقوب كما يقال، فلا شيء يبرر كل تلك الأكاذيب الجنونية التي عادة ما تنال من تركيز المترشحين، خاصة وأن هناك أكثر من موضوع يمكن أن يغني المشتغلين بالأزمات عن البكالوريا، فأوضاع الجامعات الجزائرية، وخصوصا أوضاع الأحياء الجامعية ومطاعمها التي تحولت إلى »محرقة للطلبة، خاصة بعد »مجزرة« تلمسان التي أودت بحياة طلبة وعمال تفحموا في انفجار مهول لم يكشف لحد الآن كل أسراره. رغم كل هذا تواصل الجدل الإعلامي طيلة الأسبوع حول الحكومة الجديدة، متى سترى النور، وبأي حلة ستطل على الجزائريين، هل ستكتفي بشكلها التقليدي مع رتوشات طفيفة على مستوى بعض الحقائب، أم ستعكس حقيقة نتائج التشريعيات وتلك الإرادة في التغيير التي طالما أكد عليها رئيس الجمهورية في خطاباته، قبيل وبعد حملة التشريعيات؟. ويبدو الجدل حول توقيت الإعلان عن الحكومة أكثر بروزا في الظرف الحالي، ففي الوقت الذي يترقب فيه الكثير من المراقبين أن يطل علينا رئيس الجمهورية بفريق حكومي جديد بين اللحظة والأخرى، ويراهن فيه البعض على أن المسألة تتعلق بأيام فقط بالنظر إلى الضرورات التي يفرضها ذلك، بحيث، حسب هذا الطرح، ليس هناك ما يبرر التأخر في الإعلان عن الحكومة الجديدة وتعطيل الكثير من الملفات التي يجري تسييرها حاليا بشكل مرحلي، وأحيانا من قبل وزراء أضيفت لهم قطاعات جديدة على قطاعاتهم الأصلية من دون أن يكون لهم الحق في الحسم في القضايا المصيرية، هناك طرح آخر يرى بأن الحكومة الجديدة لن تولد قبل الخامس من جويلية القادم، فالاحتفالات المخلدة لخمسينية الاستقلال تفرض على الرئيس الإبقاء على الطاقم الحكومي الحالي لضما استمرارية العمل وبنفس الجدية من أجل إنجاح الاحتفالات التي يراهن عليها الكثير داخليا، وحتى خارجيا لإبراز إشعاع الثورة الجزائرية، والرد على الأطروحات الاستعمارية، فضلا عن الدفاع على المكتسبات التي حققتها الجزائر طيلة خمسين سنة من الاستقلال، والتي يحاول البعض أن يصورها في شكل سوداوي قاتم يناقض الواقع والحقيقة. لكن أي لون سوف تتلون به الحكومة الجديدة، فالإشكالية الأولى ترتبط بالشخصية التي يراها رئيس الجمهورية أهلا لقيادة حكومة سيعهد لها بملفات ثقيلة سياسية واجتماعية واقتصادية هامة وخطيرة، وإذا كان البعض يرى بأن احتمال تجدد الثقة في أحمد أويحيى كرئيس للوزراء لضما وصول رسائل ايجابية على أن هناك رغبة في التغيير أمر وارد، فإن الإشكال يطرح حول الأسماء التي قد تعوض أويحيى هل سيختار بوتفليقة شخصية أفلانية ليكون منسجما مع الواقع ومع الأغلبية الساحقة التي منحها الجزائريون للحزب العتيد، أم سيفضل التنوع ومنح هذه الثقة لشخصية أخرى من خارج العائلة الوطنية، كتعيين شخصية مستقلة، أو حتى التوجه نحو شخصية إسلامية لا تكون بالضرورة تحظى بثقة التشكيلة السياسية التي تنتمي إليها، علما أن هناك بعض الأسماء الإسلامية التي يتم تداولها، رغم أنها تنتمي إلى أحزاب أعلنت رفضها المشاركة في الحكومة مثل حمس، وأخرى تناضل في إطار ما يسمى بجبهة الدفاع عن الديمقراطية. هذه الجبهة التي بدت وكأنها تائهة في خطاب عدمي، تشكيكي لا يلتفت إليه أحد داخليا أو خارجيا، فكل التحركات التي تقوم بها منذ الإعلان عن نتائج الانتخابات التشريعية، وحكاية التزوير التي تلوكها قياداتها التي لا يعرف الجزائريون الكثير منها، أضحت بمثابة شطحات مضحكة يتلهى بها البعض حتى ممن هجروا السياسة منذ أزمنة، والكل مقتنع بأن تصرفات الأحزاب ال 19 ليست إلا انعكاس لحالة نفسية صعبة من أناس اعتقدوا أو توهموا لحظة بأنهم قد أضحوا نوابا يتقاضون الملايين، ويحصدون الامتيازات الكثيرة، ويتمتعون بالحصانة التي تخول لهم حتى الوقوف في وجه وزير الداخلية دحو ولد قابلية الذي يتهمونه باهانتهم في إحدى تصريحاته الصحفية. ويبدو قرار مقاطعة هياكل الغرفة السفلى لبرلمان والذي اتخذته أحزاب المعارضة، خصوصا الأفافاس وحزب العمال غير مجدي ولا معنى له، حتى وإن اعتبرته الأحزاب المعنية طريقة من الطرق التي تستعملها لتكريس طابعها المعارض، والطعن حتى في نتائج التشريعيات، وفي النهاية فإن هذه الأحزاب سوف تخسر مناصب كثيرة ومنابر متعددة يمكن لها من خلالها أن تؤثر على العمل التشريعي، خصوصا على مستوى اللجان المختصة التي تغربل فيها مشاريع القوانين التي ترد من الجهاز التنفيذي. وبالتوازي مع ما سبق تتواصل حمى التصحيحيات والحروب الداخلية داخل الكثير من التشكيلات السياسية، ويبدو أن خسارة الانتخابات سوف تنسف كراسي العديد من الزعامات الحزبية على غرار موسى تواتي الذي يطالب معارضون بمؤتمر استثناني ، في حين تبدو الأزمة مؤجلة في حركة حمس إلى غاية دورة مجلسها الشوري المقرر في جويلية القادم، في ظل تعقد مهمة سلطاني أمام ما أصبح يصطلح عليها بقضية النائب عمار غول الرافض الامتثال لأوامر الحركة فيما يتصل بمقاطعة الحكومة المقبلة التي لم يدع إليها بعد، ولم تستثن هذه الظاهرة بطبيعة الحال الأرندي الذي يعاني زعيمه أحمد أويحيى من تحركات حفصي وجماعة بن حاصير..الخ ويعتبر الملف الأمني من الملفات التي شغلت الرأي العام خلال الأسبوع المنصرم، فالمواضيع الهامة التي تم التطرق إليها خلال الندوة حول الإرهاب التي احتضنتها العاصمة التركية اسطنبول في نهاية الأسبوع الماضي، تمثلت أساسا في فتح نقاش دولي ضم 30 دولة معنية مباشرو بما يسمى الحرب على الإرهاب، من بينها الجزائر، لامس عدة قضايا ولعل أهمها توسع نفوذ القاعدة في شمال مالي، وتجفيف منابع الإرهاب، خاصة عبر العمل المتواصل من اجل تجريم الفدية التي تدفع للمجموعات الإرهابية مقابل تحرير الرهائن. وبطبيعة الحال فإن »تفنن« كاتبة الدولة الأمريكية للخارجية هيلاري كلينتون في مدح الشراكة المثمرة مع الجزائر والتي أثنى عليها أيضا الوزير المنتدب المكلف بالشؤون المغاربية والإفريقية عبد القادر مساهل، لا يسقط عن دول الغرب، خصوصا أمريكا وفرنسا، المسؤولية عن الوضع القائم في شمال مالي الذي تحول إلى معقل حقيقي لتنظيم القاعدة بفعل سيطرة تنظيمات »جهادية« مقربة من تنظيم الظواهري، وهي أنصار الدين وحركة الجهاد والوحيد بغرب إفريقيا فضلا عن تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي على أهم المناطق في شمال مالي كغاو وكيدال وتومبوكتو، إلى جانب الحركة الوطني لتحرير أزواد التي تحاول عبثا التبرؤ من الاتفاقية التي أبرمتها مع أنصار الدين في 26 ماي الماضي للشروع في تطبيق الشريعة وإقامة »دولة إسلامية« في شمال مالي، »دولة« ، وتعتبر المعارك الشرسة التي دارت مؤخرا بين الحركة والتنظيمات الجهادية أحد عناوين لهذا الطلاق المعلن، وما يجري يعد في الحقيقة مجرد أداة فقط لجلب التدخل الأجنبي وإضفاء الشرعية على عساكر الغرب التي عبثت بأفغانستان، وها هي تبحث عن ساحة جديدة لحربها على القاعدة.