تضمنت تصريحات قائد »أفريكوم«، الفريق أول كارتر هام، خلال الزيارة التي قام بها للجزائر، اعترافا صريحا من واشنطن بجدية المخاوف التي عبرت عنها الجزائر حول خطر السلاح غير المراقب في ليبيا، ومساعي »القاعدة« للاستغلال المواجهات بهذا البلد، وقد يبدو هذا الموقف أهم بكثير من المساعدات التي وعدت بها الولاياتالمتحدةالأمريكية دول الساحل الصحراوي في حربهم على الإرهاب، مع أن ما يحدث في »جماهيرية القذافي« مسؤولية أمريكية بالدرجة الأولى. وضعت كلمة وزير الداخلية أمام ولاة الجمهورية النقاط على الكثير من الحروف التي كانت مبهمة بالنسبة للكثير من المتتبعين الذين لم يقدروا على الفصل بين طبيعة حركة الشارع في الجزائر وما يحدث من هرج ومرج في العديد من الدول العربية، لقد أكد ولد قابلية أن الحركات الاحتجاجية التي تجتاح الشارع الجزائري منذ أسابيع تترجم سوء فهم من الطرفين، ونقصا في التكفل ببعض الانشغالات الأساسية للمواطنين، وركز الوزير على مسألة الإنصاف في الحصول على بعض الحقوق الاجتماعية وعلى رأسها السكن والشغل، وهو ما يتطلب وضع سياسة جديدة في الحوار والاتصال بين الإدارة والمواطن. كلمة الوزير أمام الولاة عرفت بشكل دقيق طبيعة الاحتجاجات التي تعرفها الجزائر، وهي بالتأكيد مختلفة تماما عن تلك التي تشهدها بعض الدول العربية، فالمشكل المطروح في الجزائر يرتبط أساسا بمطالب اجتماعية بحتة، وإن كان ذلك لا يعني تجاهل الأبعاد غير المعلنة لبعض المطالب التي قد ترتبط بتوسيع الحريات والممارسة الديمقراطية، لكن المؤكد، كما سبق لأكثر من جهة أن أشارت إليه، أن الجزائر عاشت ثورتها الشبابية منذ سنوات، أي في أكتوبر 88، وانتقلت فعلا إلى جمهورية جديدة، ثم إن ما عاشته الجزائر بفعل إرهاصات الديمقراطية والانحرافات التي حصلت، خاصة مع اندلاع مسلسل الإرهاب قد حول العنف بالنسبة للمجتمع الجزائر إلى خط أحمر لا يجوز تجاوزه، مخافة من العودة مجددا إلى مستنقع الإرهاب الذي دفعت الجزائر ثمنه غاليا جدا. ولد قابلية استغل اللقاء لتوجيه بعض التعليمات لولاة الجمهورية، منها فتح الأبواب أمام المواطنين وتقريب الإدارة من المواطن، وجعلها تؤدي عملها كما يجب في التكفل بالانشغالات المستعجلة للمواطنين، كما دعا الولاة إلى تنفيذ تعليمات بوتفليقة فيما يتصل بتوزيع السكن الاجتماعي على المستفيدين قبل أوت المقبل، ويبدو أن أهمية اللقاء تكمن في كونه جاء بشكل متزامن مع تواصل الاحتجاجات في الشارع الجزائري، فلا تزال العديد من القطاعات تعيش غليانا متواصلا كما هو الحال في قطاع الصحة والبريد..الخ ومن جهة أخرى تتواصل مشاورات لجنة عبد القادر بن صالح التي استقبلت خلال الأسبوع المنصرم عددا من رؤساء الأحزاب وشخصيات وطنية منها رئيس الحكومة الأسبق إسماعيل حمداني الذي اقترح تجسيد نظام شبه رئاسي، فيما طالب البعض الآخر بنظام برلماني وحجتهم في ذلك الخروج من هيمنة الجهاز التنفيذي، فضلا عن كون النظام البرلماني هو ترجمة فعلية للإرادة الشعبية في الحكم. وبغض النظر عن الأسماء التي وصلتها الدعوة من لجنة عبد القادر بن صالح لتشارك في رسم معالم إصلاحات السياسية والدستورية التي وعد بها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، لا تزال لجنة بن صالح تواجه الانتقادات الشديدة من المعارضة الراديكالية التي تتهمها أحيانا بالافتقار إلى الشرعية وأحيانا أخرى بسعيها إلى تمييع الإصلاح من خلال دعوة »من هب ودب« للمشاركة في الحوار حول الإصلاحات المقبلة، ويطرح البعض تساؤلات جدية عن استعداد السلطة لتكريس الإصلاحات السياسية على أرض الواقع، فمراجعة الدستور، وباعتراف الجميع لن يكون قبل 2012، وهناك جدل فعلي هل يتوجب التعجيل بمراجعة القوانين مثل قانون الأحزاب وقانون الانتخابات أم التعجيل بتعديل الدستور؟ والظاهر أن جل الأحزاب لا تقيم وزنا لأهمية الإصلاحات المنتظرة، فعدا الأفلان الذي يعقد الدورة العادية للجنة المركزية، والأرندي الذي يعقد دورة لمجلسه الوطني، تبدو باقي التشكيلات السياسية بعيدة عن الحدث، مع هذا نسمع من حين لآخر تصريحات تثير الاشمئزاز لدى كل عارف بواقع الطبقة السياسية في الجزائر، ومسار بعض الشخصيات الحزبية التي كرست الفشل منذ عقود، فهل يعقل أن بعض هؤلاء أصبح يتجرا على المطالبة بإحالة جبهة التحرير على المتحف مع أن هؤلاء تحولوا إلى عنوان بارز للوصولية والانتهازية في أبشع صورها. لقد حركت الندوة الصحفية التي نشطها الوزير الأول أحمد أويحيى بداية الأسبوع المنصرم الكثير من السواكن وبعثت دما جديدا في الساحة السياسية فأويحيى استعمل أسلوبه لاستفزاز أكثر من طرف، ففتح النار صوب أصحاب الحاويات، ونفى وجود أي إجراء جديد للعفو عن المسلحين، وهو ما جعل الهاشمي سحنوني، أحد أبرز مؤسسي الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحلة يرد بقوة على أويحيى مجددا التأكيد بوجود جرعة جدية لتفعيل خيار المصالحة الوطنية، وأوضح بأن معلوماته استقاها من رئاسة الجمهورية، هذا فيما وقع قرابة أربعة آلاف تائب على وثيقة يطالبون فيها الرئيس بوتفليقة بإقرار عفو شامل ينهي الأزمة الأمنية. لقد أثار الوزير الأول حفيظة المغاربة لما كشف أنه وراء الترويج لأكاذيب مفادها أن الجزائر قامت بنقل مرتزقة للقتال إلى جانب العقيد الليبي، وأنها زودت النظام في طرابلس بالسلاح والعتاد، يوجد لوبي مغربي رسمي ينشط بالولاياتالمتحدةالأمريكية، وهو ما سارعت الخارجية المغربية إلى تكذيبه بشكل رسمي، فيما راح الوزير المغربي خالد الناصري يفتح النار على أويحيى واصفا تصريحاته ب »الكلام الفارغ«، وزعم الناصري أن ما قاله أحمد أويحيى لا يطمئن بخصوص مستقبل العلاقات بين الجزائر والمغرب، وعاد الناصري مجددا إلى نفس الموضوع ليجدد التأكيد أن »يد المغرب« ستظل ممدودة للجزائر من أجل تطبيع العلاقات الثنائية، ويبدو أن ما يقلق الحكومة المغربية هو قول أويحيى أن إعادة فتح الحدود ليست في أجندة الحكومة الجزائرية في الوقت الراهن، علما أن الرباط كانت تراهن على إعادة فتح الحدود دون معالجة الملفات التي لا تزال مطروحة بين البلدين وأهمها مسألة تأمين الحدود بين البلدين التي أضحت مرتعا لكل أنواع التهريب. ولم يفوت قائد القيادة العسكرية الأمريكية لإفريقيا، »أفريكوم«، الفريق أول كارتر هام، خلال الزيارة التي قام بها للجزائر، الفرصة لينفي بشكل قاطع أن تكون الجزائر قد أرسلت أو ساعدت على إرسال مرتزقة للقتال إلى جانب كتائب العقيد معمر القذافي، وفي المقابل أكد المسؤول الأمني الأمريكي بأن واشنطن تشاطر الجزائر مخاوفها من مسألة السلاح غير المراقب الذي تتحدث مصادر مختلفة ومؤكدة على وقوع جزء منه بين أيدي الإرهابيين، وقد تم نقل كميات من هذه الأسلحة إلى معاقل الفرع المغاربي للقاعدة بمنطقة الساحل الصحراوي. وتأتي زيارة المسؤول العسكري الأمريكي ضمن إطار مسار التشاور بين واشنطن ودول الساحل الصحراوي، علما أن دول الساحل كانت قد فوضت الجزائر لبحث إشراك أمريكا والأوربيين في الاجتماع الخاص بدول الساحل الصحراوي المرتقب في الجزائر خلال شهر سبتمبر المقبل، مشاركة سوف تظل في مستوى التعاون بين دول الساحل وشركائهم المعنيين مباشرة بالحرب الدولية على الإرهاب، ووفق للتصورات التي دافعت عنها الجزائر على الدوام والتي ترفض أي تدخل أجنبي بمنطقة الساحل وتعتبر مسألة مكافحة و الإرهاب والجريمة المنظمة في المنطقة من مهمات دول المنطقة فقط. ودائما وفي إطار مكافحة الإرهاب، صرح المدير العام للأمن الوطني اللواء عبد الغني هامل، من تيزي وزو أنه »لا وجود لخط فاصل بين الإرهاب وعصابات المافيا..«، وتضمنت تصريحات المسؤول الأول على جهاز الأمن الوطني ردا صريحا على الذين حاولوا استغلال ظاهرة الاختطاف المنتشرة في العديد من المناطق خاصة في منطقة القبائل للترويج لخطاب تشكيكي، علما أن سكان منطقة القبائل لا يزالوا يقدمون أروع الأمثلة على التجند الشعبي لمواجهة الإرهاب، وما حصل بمنطقة القبائل مؤخرا على خلفية الاختطافات المسجلة يؤكد مجددا بأن أحسن وسيلة لقهر الإرهاب هو التجند الشعبي الذي يعتبر رافد من الروافد التي تساعد قوات الأمن والجيش في حربها ضد الزمر الإرهابية والعصابات الإجرامية.