بعيدا عن عالم الطفولة وألوانه الزاهية، يقبع أطفال من نوع آخر بين القمامات يبحثون عن أي شيء يمكن أن يباع، حديد نحاس وبلاستيك.. يراها الأطفال مصدر رزق والهدف تحصيل لقمة العيش التي لم يستطع الأهل توفيرها، وادخار قدر من المال يسمح لهم بإقتناء بعض الأدوات المدرسية. يقطع الأطفال المسافات الطويلة ويقلبون الأرض بأنظارهم بحثا عن شيء مصنوع من الحديد أو البلاستيك أو النحاس، أو أي شيء آخر، المهم أن يقبله المشتري الذي يعرض عليه الأطفال سلعهم فيتوجهون إليه كل مساء. محملين بعشرات الكيلوغرمات من مختلف المواد، أسلاك، أعمدة، قطع حديدية، وقارورات بلاستيكية، وأشياء أخرى يجهد الأطفال أنفسهم في البحث عنها وحملها مقابل مبالغ زهيدة لا تتجاوز 10دج للكغ الواحد. مروان طفل في الثانية عشرة من عمره أخبرنا أنه يواظب يوميا على جمع العديد من المواد. والسواد الذي يغطي وجه مروان لم يكن نتيجة رحلة بحرية بل لأنه يقضي يوميا الساعات والساعات في كل المناطق، بحثا عن قطع حديدية يقوم بتكدسيها وبيعها، كما يفعل العديد من أبناء حيه ربما هي ظروف الحياة التي دفعت مروان وغيره إلى سلوك هذا الطريق، فالأطفال والعمالة موجودة في كل مكان ومطاردة لقمة العيش مشاهد ترسم بدقة مأساة أطفال أراد لهم القدر أن يكونوا كبارا قبل الآوان، وأن يتحملوا ثقل الحياة وثقل ما يقومون به فجمع الحديد أصبحت المهنة الأولى التي يقبل الأطفال عليها في كل مناطق الوطن خاصة أثناء العطل المدرسية. غير مبالين أو مدركين لخطر ذلك على صحتهم وحتى الكبار فالجري وراء لقمة العيش أنساهم مسألة الحفاظ على صحة أبنائهم، ودفعوا بهم دفعا إلى عالم الشغل الذي لا يرحم، وبعد أن كان بيع الخبز وأكياس البلاستيك والمحاجب وغيرها مهنة الأطفال الأولى، أصبح الغوص في عالم الشغل يزداد تشعبا وأخذ منحنيات خطيرة أثرت بشكل سلبي على الأطفال من جميع النواحي الصحية والنفسية والإجتماعية. المفرغات العمومية بؤر لعمالة الأطفال يبحث الأطفال في أكياس القمامة ويقلبون المفرغات العمومية رأسا على عقب بأيد عارية وأرجل حافية بحثا عن مواد قابلة للبيع ويشكل الأطفال كما رووا لنا مجموعات تبحث كل واحدة عن مادة معينة يقومون بتكدسيها، ولا تخلو نقاط الجمع من مشادة حامية بين الأطفال فيما بينهم حتى كبار السن الذين يشاركونهم عمليات البحث والتكديس. وتختلف أسباب إقدام الأطفال على مثل هذه الأعمال، ولعل أهمها هو الفقر الذي يأتي في مقدمة الأسباب التي تدفع الأطفال بقوة لعالم الشغل، يقول مروان إن وضع أسرته وبطالة والده هي التي جعلته رغم حداثة سنه يفكر في البحث عن عمل، ويضيف أن المال الذي يجمعه يقدم جزءا منه لوالدته المريضة والباقي يدخره للدخول المدرسي وشراء ما يحتاجه من أدوات وملابس. وعن حصيلة ما يجمعه، يؤكد مروان أنه يحصل على مبالغ تتراوح بين 500دج إلى 700دج في اليوم وهذا ما فسر لنا سر إقبال الأطفال على جمع هذه المواد وبيعها، والغريب ما صرح لنا به مروان وهو إقدام عدد كبير من الأطفال من أسر ميسورة الحال على مزاحمتهم في جمع الحديد والنحاس وبيع ما يجمعونه. وذكر مروان أن هؤلاء الأطفال يعملون خفية عن أوليائهم وما يجمعونه من نقود يقومون بصرفه في صالات الأنترنيت والبلاي ستايشن وحتى شراء السجائر. اعتداءات وحوادث خطيرة ضريبة الشغل لا يعي الأطفال خطورة تواجدهم داخل المفرغات العمومية، وكثيرا ما يتعرضون لحوادث قاتلة واعتداءات مختلفة أو إصابات تسبب لهم عاهات مستديمة، فالمرغات العمومية أماكن محفوفة بكل أنواع المخاطر منها المواد السامة والحارقة والزجاج، وتزداد خطورة هذه الأشياء مع ارتفاع درجات الحرارة في فصل الصيف الذي تكثر فيه عمالة الأطفال خاصة في هذه المناطق تحديدا. ويروي الأطفال عن بعضهم البعض حوادث حولت حياة الكثير من أقرانهم إلى عذابات مستمرة نتيجة جهلهم وتهورهم ولعبهم بمواد خطيرة أو انفجار أخرى في وجوههم، نتيجة تعرضها للشمس. ويروى مروان وأصدقاؤه أن أسباب هذه الحوادث تأتي نتيجة التسابق نحو العثور على أكبر قدر ممكن من هذه المواد خاصة التي يكثر عليها الطلب مثل النحاس مثلا والذي تشهد أسعاره ارتفاعا يوميا. وأكثر هذه الحوادث وأخطرها هو تعرض الاطفال إلى جروح غائرة وكبيرة نتيجة إحتكاكهم المباشر بالزجاج المكسور أو إصابات وأمراض جلدية لملامستهم مواد وقارورات يجهلون مكوناتها وخطورتها، وقد سببت للكثير منهم أمراضا جلدية خطيرة، وما يتعرض له الأطفال كثيرا وهو ما تعرض له مروان شخصيا الكسور التي تحدث نتيجة تدافعهم وسقوطهم على مواد صلبة. ومهما اختلفت الأسباب التي دفعت بالأطفال إلى العمل، إلا أنها لن تكون حجة للإستمرار في دفعهم إلى هذا العالم الذي استطاع فعلا أن يمحو براءتهم، وأن يحول تفكيرهم من عالم الطفولة إلى عالم المسؤولية التي أثقلت كاهل الكبار، ولم يجدوا مخرجا من تحميلها إياهم ورميها على أجسادهم الغضة.