أجمعت المداخلات في افتتاح الملتقى الدولي حول فرانس فانون المقام بالجزائر العاصمة على أنية وحداثة فكر فرانس فانون وصدق نظرياته ورؤاه بعد مرور 50 سنة من استقلال بلدان الجنوب والأخطار المحدقة بها في ظل الأزمة العالمية التي يمر بها النظام الرأسمالي. وقد ربط المحاضرون في الملتقى الذي تنتهي فعالياته اليوم بين أفكار فانون حول مستقبل الشعوب المستعمرة بعد التحرر والأخطار التي تحدق بها من قبل قوى الامبريالية الجديدة التي لم تنته أطماعها وتحاول العودة والسيطرة بمختلف الوسائل والطرق مستشهدين بما يعرفه العالم اليوم من تحولات و انتفاضات. لقد سمح هذا الملتقى الذي بادرت بتنظيمه منشورات »آبيك« بمساعدة الوكالة الجزائرية للإشعاع الثقافي من تقديم قراءة عميقة وأكثر موضوعية لأفكار ومفاهيم فانون تجاه الإنسان المستعمر وتوعيته بأهمية معرفة ذاته وأيضا معرفة الأخر. كما كان هناك إجماع من قبل الشخصيات البارزة التي نشطت الملتقى مثل عالم الاقتصاد والمثقف المصري سمير أمين وابنة فانون ميراي منداس فانون رئيسة جمعية فانون والمفكر الهندي عياجز أحمد على البعدين العالمي والإنساني لفكر وفلسفة فانون. وأثار الحضور أيضا في الجلسة الأولى تحت عنوان »لا نريد أن نلحق بأحد...« الدور الذي كان على النخبة أن تقوم به بعد الاستقلال للسير نحو التحرر الفكري والثقافي وتفادي السقوط في فخ إعادة تشكيل نظام على النمط الاستعماري حسب أقوالهم. وفي هذا الصدد أشار الحاضرون إلى انحراف اغلب هذه النخب مما ساعد على وصول الطبقة البرجوازية المحلية في الكثير من هذه البلدان إلى سدة الحكم لتكرس مجددا أساليب السيطرة على الفئة الشعبية التي كانت في صلب الحركات التحررية التي قاومت المستعمر وهو وضع كان قد حذر منه مؤلف »المعذبون في الأرض« كما أكدوا. وتساءلت ميراي فانون في مداخلة بعنوان »قنابل الاستعمار الموقوتة: قراءة لفانون« كيف كان سيكون موقف والدها لو عاش وهو يرى ما ألت إليه اليوم دول إفريقية وأسيوية وحتى بعض الدول الروبية مثل اليونان تحت تأثيرات الامبريالية الجديدة. وحذرت المتحدثة من خطورة الوضع الفوضوي الحالي التي تعرفه بعض مناطق الجنوب مما يساعد في عودة الاستعمار بإشكال مختلفة كما أوضحت مذكرة بالنسبة لموضوع الملتقى »إننا في قلب أفكار فانون حيث نجد أن كل ما تنبأ به منذ خمسين سنة وواضح الآن«. وبدوره تحدث سمير أمين في مداخلة بعنوان »فرانس فانون في إفريقيا وآسيا« عن تاريخ الرأسمالية المبني على سلب الشعوب والذي تسبب كما قال في معاناة شعوب بإكمالها حيث تعرضت لنهب أملاكها ومحو هويتها وثقافتها. وأضاف سمير أمين أن فانون قد لاحظ هذا السلب من خلال النموذج الجزائري الذي عاشه عن قرب بعد التحاقه في بداية الخمسينات بأحد المستشفيات بالجزائر كطبيب نفساني مؤكدا أن الجزائر تعد النموذج الأكثر دلالة على بطش المستعمر لما قام به من تحطيم للهياكل المادية ومحاولة محو لهوية و ثقافة الشعب. وتطرق أيضا المحاضر إلى محاولة بعض الأنظمة الاقتداء بالرأسمالية متجاهلين كما قال أن هذا النظام يمنع الاستدراك مما عرض شعوبها للتفقير، مؤكدا أن الحل بالنسبة لبلدان الجنوب يكمن أساسا في تنمية ذات تركيز ذاتي. وحذر المفكر المصري في هذا السياق أيضا مما سماه بالعودة أو الحنين إلى الماضي كما يتجلى حسبه من مساعي بعض الحركات التي تطالب بالعودة إلى الجذور لكنها تستغل فقط الجانب الديني لتحقيق مآرب سياسية كما أوضح معتبرا أنها تنتمي في حقيقة الأمر إلى الرأسمالية وليس لنظم أخرى كما تدعي. وفي مداخلة بعنوان »فرانس فانون الفيلسوف الثوري« أكد المفكر الهندي عيجاز أحمد أن فانون هو أول من أكد من الناحية الفلسفية »فشل المشروع الأوروبي في مساره الاستعماري«، مؤكدا صلاحية نظريات وأفكار فانون في هذه المرحلة من التاريخ، مشيرا في السياق ذاته إلى تأكد مخاوف فانون من عودة الاستعمار بإشكال مختلفة لإسقاط فكرة تطور الشعوب المحررة، مضيفا أن القوى الاستعمارية تعمل اليوم على عرقلة كل محاولات التنمية في هذه البلدان مستغلة سيطرتها على المؤسسات المالية العالمية لوقف وتيرة التقدم فيها. وأشار من جهة أخرى إلى أن كتابات وأفكار فانون ليس لها الصدى المرجو في الهند لصعوبة إدراك شعبها لبعض المفاهيم مثل العنف لأن تاريخها السياسي يدعو إلى اللا عنف. وأثار المفكر الغيني تيرنو مونينمبو مسألة انتقاد فانون اللاذع لما يسمى ب»الإنسانية الأوروبية« التي يزعم الغرب الدفاع عنها، متسائلا عن الأهداف الحقيقة لمثل هذه الدعاوي، علما وأن سياسة نهب ثروات الشعوب وفرض شروط على اقتصاديات هذه الدول هي المتسبب الرئيسي في الفقر والمجاعة والمشاكل الأخرى التي تدعي هذه الدول محاربتها باسم الإنسانية كما قال. وسمح هذا الملتقى للحضور من إثارة عدة مسائل خلال النقاش مثل مسألة العنصرية التي تحدث عنها فانون في نص »العنصرية والثقافة«، لكنها لم تثر من قبل في كتابات المفكرين الأوروبيين، حتى اليساريين، منهم حسب بعض المتدخلين.