اتفق المشاركون في اليوم الثاني من أشغال الملتقى الدولي حول فرانز فانون، أن الإرث الفكري الذي تركه صاحب كتاب ''المعذبون في الأرض'' قادر على تقديم متن فكري ومعرفي يمكن دول الجنوب التي خضعت للهيمنة الاستعمارية من أن تواجه اليوم تيار العولمة الذي تفرضه رأسمالية عالمية متوحشة، تسعى للتدخل في سياسات الدول من أجل فرض أجندات سياسية. استنتجت ميراي فانون_ مينديس فرانس، ابنة المفكر الراحل فرانز فانون، في محاضرة ألقتها خلال اليوم الثاني من أشغال ملتقى ''فرانز فانون اليوم''، الذي انتهت فعالياته، أول أمس، بالمكتبة الوطنية الجزائرية بالحامة، أن فكر والدها قادر على أن يتحول اليوم إلى مرجعية في يد أبناء الجنوب من أجل التمسك بالكرامة الإنسانية، التي تسعى القوى الرأسمالية إلى تقويضها، بعد الأزمة المالية التي غرقت فيها الدول المتقدمة، والتي عجزت عن تقديم نموذج إنساني قابل للاقتداء، وتحقيق العدالة. وذكرت ابنة فانون أن التجاوزات الحاصلة حاليا على مستوى العلاقات الدولية، وتكالب القوى الرأسمالية وسعيها الحثيث لفرض أجندات سياسية على دول الجنوب، يجعل من فكر فانون فكرا آنيا، مرتبطا بالراهن، موضحة أن مؤلفاته، بدءا من ''بشرة سوداء، أقنعة بيضاء''، وكذا كتاب ''المعذبون في الأرض''، تشكل مرجعيات فكرية تمنح سكان المستعمرات سابقا من فرض الذات وتحقيق تجاوز الهيمنة الغربية. وسارت المحاضرة التي قدمها رفيق شكات على نفس المنوال تقريبا، من حيث اعتبار إرث فانون بمثابة مرجعية مهمة للفرض تصور مغاير على عالم اليوم. وأوضح أن فانون ما يزال يقابل بالرفض والتهميش من قبل النخب المثقفة في فرنسا حاليا. ومن جهته قدم الأستاذ ياسين بوقرموح محاضرة حول عمل فانون كمحلل نفساني، وتحدث عن علاقته بقادة جبهة التحرير الوطني في تونس، داعيا إلى إعادة الاعتبار لأرشيف فانون المتواجد حاليا على مستوى المستشفى الذي يحمل اسمه بالبليدة، ونشره في كتاب، نظرا لأهميته وقدرته على تقديم إيضاحات جديدة بخصوص عمل فانون كمحلل نفسي بالجزائر، وهو العمل الذي جعله يبتعد عن التصور الفرنسي والاستعماري للتحليل النفسي، وجعله يعتمد على تصورات أكثر إنسانية، تأخذ الواقع المحلي وتشعباته بعين الاعتبار. وسارت المناقشات التي تبعت أشغال الملتقى الذي نظمته وزارة الثقافة، وفق محور آنية فكر فانون وراهنيته، وقدرته على تقديم تصور بديل لدول الجنوب من أجل التخلص من الهيمنة الاستعمارية الجديدة التي تفرضها الدول الرأسمالية، وهي في أوج أزمة مالية، تميزت بتراجع مستوى الاستهلاك، مما يدفعها إلى البحث عن منافذ تجارية واقتصادية جديدة، لا تتوفر إلا في بلدان الجنوب. ويعد فكر فانون الذي تحدث في كتابه الشهير ''المعذبون في الأرض'' عن العلاقات بين الشمال والجنوب خلال مرحلة ما بعد الاستعمار، ليشكل قدوة لفرض الذات ومقاومة عولمة متوحشة ومتعجرفة.