ثورة الشعب الجزائري، التي انطلقت في نوفمبر عام 1954، وحققت انتصارها التاريخي في الخامس من يوليو عام 1962، تضيء اليوم شمعة انتصارها الخمسين. ثورة الجزائر، شكلت حالة شاملة من الإلهام ليس فقط في محيطها العربي، وخاصة في فلسطين التي استلهمت في مسيرتها الصعبة روح الثورة الجزائرية! بل أن هذا الإلهام الجزائري امتد إلى الوطن العربي من المحيط إلى الخليج، وامتد إلى أفريقا من شمالها إلى جنوبها، وامتد إلى كل مكان في هذه الدنيا الواسعة، حيث يحلم الناس بأن ترسم أصابعهم علامة النصر التي رسمها الجزائريون، بكفاحهم البطولي، وملاحمهم الخارقة، وإبداعاتهم العليا، وصبرهم النبيل، وطموحاتهم التي يستحقونها بأنهم أمة تعلو هامتها وهمتها لتصل إلى ذرى جبال الأوراس السامقة. هل هناك حركة تحرر بالعالم لم تقرأ التجربة الجزائرية، ولم تردد النشيد الجزائري، ولم تسلتهم الروح الجزائرية، ولم تستند في مسيرتها إلى اليد الجزائرية الشجاعة؟ بالنسبة لنا في فلسطين، فإن الجزائر هي التي أطلقت النداء الخالد، على لسان الرئيس الشهيد هواري بومدين، بأن الجزائر مع فلسطين ظالمة أو مظلومة، لأن الجزائريين الذين خاضوا غمار الكفاح في أقسى حلقاته، وفي أعنف أطوره، وفي أغلى ضحاياها، تعلموا الحكمة المقدسة، بأن من يخوض مرارة الكفاح ليس مثل من يتفرج عليه!!، ولذلك ظلت الجزائر دوماً حضناً دافئاً لفلسطين، وسنداً قوياً لفلسطين، و ساحة أمان وعون لفلسطين، ومصدر إلهام للفلسطينيين بأنه مهما إدلهم الخطب، وتضاعفت صعوبات الطريق، فأن الفجر آت لا محال وإن النصر يتلألأ هناك في نهاية الطريق. لم تكن الجزائر منكفئة على نفسها ذات يوم، لأن جبال الأوراس أعلى هامه من الانحناء أو الانكفاء، بالجزائر في كفاحها البطولي في سنوات الثورة كانت منارة للآخرين، وفي انتصارها كانت عوناً وعطاءاً ونموذجاً يحتذى، وحلماً يضيء القلوب. ولهذا كان خوف الأعداء منها كبيراً، وتوجسات القوى المعادية لحرية الشعوب لا تهدأ عند حد، فأنفتح في لحظة صادمة من الزمن جرحها الكبير الذي نزف أطهر الدماء، ولكن الشعب الجزائري بروح الثورة المتغلغلة فيه، كان هو الأقوى، والجيش الوطني الجزائري أبن الثورة الشرعي، كان هو السياج الأقوى الذي يحمل حديقة الوطن المقدسة، بل إن ميراث الثورة ظل هو الحاضر دوماً في العقول والقلوب، وروح الوحدة الوطنية، ظلت هي لحمة النسيج الوطني، والإيمان بالجزائر القوية القائدة هو أول الكلام وأخر الكلام. نفرح بالجزائر التي تلهمنا مشهدنا القيامة المتجددة، وتجدد انتصارها بأكثر من معنا، وتتعاقد مع المستقبل، وترسل لأمتها العربية والإسلامية، محيطها الإفريقي، وأفقها العالمي رسالة أمل، وبناء ورفاهية، رسالة مصالحة ووحدة متينة، رسالة انفتاح بأن الشعب الذي أنجز الثورة العظيمة وحقق انتصار خالد لا يمكن ابدأ أن يغرق بالظلام، رسالة ندية واعتزاز بأن الأمة التي قدمت على مذبح الثورة مليون ونصف المليون من الشهداء، لا يملى عليها أحد، أين تقف أو كيف تفتح نوافذها على الزمن القادم. تحية للشعب الجزائري في ذكرى انتصار ثورته الكبرى ملهمه الثورات في بقاع الأرض، الروح القوية التي ساندت كل طامح من أجل الحرية، وفي ذكرى انتصار الثورة الجزائرية، نصعد إلى قمم الأوراس، نرفع علم الجزائر، ونرى حين نفعل ذلك أن العالم يصبح أفضل.