تعج ساحة بور سعيد بقلب الجزائر العاصمة هذه الأيام بأكثر من 45 عائلة، غادروا سوريا بعد الاضطرابات الأمنية التي عرفها هذا البلد، لاجئين أو منكوبين كما قد يصفهم البعض، هم متواجدون منذ أكثر من 10 أيام بالجزائر وبالتحديد بساحة بور سعيد، وكان لمئات الجزائريين من أولي البر والإحسان أن سارعوا لتقديم يد المساعدة إليهم لا سيما في أيام الشهر الفضيل، وجبات إفطار وتكفل بعائلات داخل الفنادق من خلال دفع أجرة الإقامة وغيرها من مظاهر التضامن التي تعكس روابط الأخوة بسن الشعبين السوري والجزائري . على غير العادة تشد المارة بشوارع العاصمة لهجة غير تلك التي ألف سماعها، فإذا بأحدهم يطلب يد المساعدة ويردد قائلا »أخوكم من سوريا، منكوب وينتظر مساعدتكم«، كثيرة مثل هذه المظاهر التي انتقلت إلى المساجد، أين تجد نساء سوريات يقفن على البوابة ويطلبن يد المساعدة...وتبقى حديقة بور سعيد بالعاصمة استثناء لأنها تحولت إلى ملجأ للعائلات السورية، أكثر من 192 سوري يقبعون هناك في انتظار مصير مجهول، سواء تعلق الأمر ببلدهم الأم الذي لم يتحدد بعد مصيره بالنظر إلى تنامي العنف والصدامات التي تحدث، أو فيما يتعلق بتسوية وضعيتهم بالنسبة للسلطات الجزائرية بعد انقضاء مدة إقامتهم المحددة ب 3 أشهر . كثيرون هم الجزائريون الذين باتوا يتنقلون إلى ساحة بور سعيد من أجل الفضول أو لمد يد المساعدة، المهم أن الوضع يعكس اهتمام عديد من الجزائريين بحالة هذه العائلات المتواجدة بالساحة منذ قرابة 10 أيام، قدمت من سوريا عبر الطائرة، وبعد أن أدركها شهر رمضان ازدادت الأمور تعقيدا، خاصة وان السلطات الرسمية في الجزائر لم تتخذ أي موقف اتجاه ما يحدث . رعية سورية رفضت أن تدلي باسمها، تحدثت عن تردي الأوضاع، حيث تضطر العائلات إلى دفع مبالغ كبيرة للمبيت في الفنادق المجاورة لساحة بور سعيد، ما بين 1500 إلى 3600 دج لليلة الواحدة وللغرفة الواحدة لشخصين، علما أن الغرفة المحددة ب 1500 دج غير متوفرة فهي مطمع الجميع، وإذا تعاطف معنا صاحب الفندق وكان كريما فقد يسمح لنا بمضاعفة العدد، هكذا كان يردد أحد السوريين الواقفين ببور سعيد وسط جمهور من الجزائريين الذين لمي فوتوا الفرصة للتأكيد مرة أخرى دعمهم للعائلات السورية وإشادتهم بمواقف بعض المحسنين الذين سيأتون كل يوم وليلة ويحضرون وجبات الإفطار للعائلات . أحد المواطنين وفي رده عن سؤال حول سبل التضامن قال، إننا لا ننتظر الجمعيات لنقدم يد المساعدة للسوريين، فهم إخواننا، كل يوم يجري التكفل بعائلات، أول أمس نقلنا 4 عائلات تكفل بهم أحد المحسنين واليوم 3 عائلات والنهار لا يزال طويلا وقد نبلغ رقم قياسي في عملية التكفل...أصوات تتعالى من هنا وهناك، الشعب الجزائري معروف بكرمه ووقفاته التضامنية وهذا ليس بجديد علينا . كما تأسف أحد المواطنين لتدخل السلطات في محاولة لمنع بعض المحسنين من تقديم يد المساعدة لسوريين بحجة أن هذا الدور تضطلع به الجمعيات الرسمية، وهو الأمر الذي يرفضه المواطنون، حيث قالوا، إن هدفنا مساعدة السوريين وليس لدينا أي أهداف وراء ذلك..كل ما نبتغيه هو الأجر ليس إلا . ويواصل مواطن آخر، نعم عن التكفل جاري بالعائلات السورية، هذا واجبنا، آه لو أتيتم في فترة الفطور، فإن ساحة بور سعيد تتحول إلى مكان آخر ومظهر من مظاهر التضامن الحقيقي، مئات الجزائريين يأتون بوجبات الإفطار لإطعام السوريين، ناهيك عن أولئك الذين يستضيفون العائلات في بيوتهم. في محاولة استطلاعية للحديث مع بعض العائلات السورية، نسوة كن جالسات فوق الأرض، رفضن الحديث واكتفين بالتأكيد نحن لسنا منكوبين ولا لاجئين، سنغادر الجزائر بعد انقضاء مدة الإقامة السياحية التي منحت لنا من طرف السلطات الرسمية والمحددة ب 3 أشهر. مواطن سوري آخر ينتفض لماذا لا تهتمون بالجزائريين المنكوبين الذي يرقدون في ساحة بور سعيد هم أولى بالاهتمام...يرد عليه جزائري من الوراء....لقد جاءت الجمعيات وحاولت معهم مرارا لكنهم رفضوا، نحن لا نترك الجزائريين يتسوّلون في الشوارع...مشادات كلامية بين الحين والآخر. تصريحات بعض السوريين التي قد تنبع من شعور بالنقص اتجاه من ينظرون إليهم بنظرة احتقار، فهم ساخطون على جهات قامت بدعاية مغرضة في حقهم..على حد تعبير البعض، لا تخافوا لن نبق في الجزائر، جئنا في زيارة لثلاثة أشهر بسبب بعض المشاكل التي تعرفها سوريا وسنعود إلى بلدنا بعد العيد...سوريون آخرون يرفضون الحديث، فيما قال أحدهم، أنا رجل أعمال ومنذ أسبوعين كنت في هولندا، أقوم باستيراد الألبسة وأنا في انتظار ابني ليحل بالجزائر...يسكت لحظات، ثم يقول من يريد أن يدفع لعائلتي ثمن هذه الليلة فنحن في الفندق المجاور لساحة بور سعيد...بكل تناقضاته ختم بالقول، إن الشعبين الجزائري والسوري تربطهم علاقات وطيدة من أخوة وصداقة وذلك منذ عهد الأمير عبد القادر. وبالمقابل تأسف أحد السوريين لما آلت إليهم الأوضاع بساحة بور سعيد، حيث يسعى بعض المتسولين الجزائريين استغلال ظروف العائلات السورية، والتلاهف على المساعدات التي تمنح لها، خاصة وأن هؤلاء المتسولون يرفضون الذهاب مع الجمعيات ويفضلون حياة التشرد، والظاهرة تتأكد كلما أطال أحد المواطنين الوقوف بساحة بور سعيد، فسرعان ما يناديه صوت احدهم أو إحداهن، »كاش ما تعاونونا يا خو«، كما عبر البعض عن استيائهم من غلاء ثمن قضاء ليلة بالفنادق المجاورة، وما عدا ذلك فإن عملية التكفل جارية والمحسنون الجزائريون يتسابقون لمد يد المساعدة لإخوانهم السوريين، دكاترة وأطباء يأتون إليهم لفحص المرضى والأطفال، وجبات عند الإفطار والسحور، حفاظات للأطفال وألبسة وغيرها من المستلزمات، إضافة إلى تنظيف المكان، في انتظار أن تتخذ السلطات الجزائرية إجراءات للتكفل بهم على أعلى مستوى. ومن هذا المنطلق طالب الرعايا السوريون السلطات الوصية في البلاد تمديد إقامة السوريين والمحددة بثلاثة أشهر، حتى يتسنى لهم التنقل بحرية. وسط كل هذا تتواصل معاناة العائلات السورية وبغض النظر إن كانت ستغادر الجزائر أم لا، فغن الجهات الوصية مطالبة بالتدخل لتنظيم الظاهر، في وقت صرحت به بعض المصادر ولو من باب الإشاعة بدخول ما يفوق 25 ألف سوري إلى التراب الجزائري هروبا من نظام الأسد.