نعيش ظروف إقامة صعبة ونناشد الرئيس بوتفليقة التدخل لإغاثتنا والحيلولة دون ترحيلنا تشهد حديقة بورسعيد بوسط العاصمة منذ مدة تجمع يومي للعديد من العائلات السورية النازحة التي أجبرها الوضع غير المستقر المتسم بالعنف والمواجهات المسلحة بين القوات النظامية والمسلحين في المدن والبلدات التي تعيش فيها على مغادرة بلادها واختيار وجهتها نحو الجزائر التي يدخلها السوريون بدون تأشيرة ، وقد أجبرت الظروف الصعبة التي تقيم فيها عشرات هذه العائلات النازحة في غياب مصدر دخل لها في الجزائر إلى الخروج إلى الشارع '' للتسول'' طلبا للمساعدة من أجل ضمان أجرة المبيت في الفنادق وتأمين المأكل والملبس وغيرها من احتياجاتها واحتياجات أطفالها وشيوخها وعجائزها. أثناء انتقالنا إلى حديقة بورسعيد المحاذية للمسرح الوطني في وسط العاصمة وجدنا أعدادا كبيرة من هذه العائلات النازحة تفترش الأرض وتستظل بظلال أشجار الحديقة ومحاطة بالكثير من الحقائب والأغراض، وفي عين المكان تستوقفك و الوهلة الأولى الكثير من الصور الصادمة لمظاهر البؤس البادية على وجوه الكثير من أفراد هذه العائلات التي لا يمكن أن لها أن تخفيها كما لا يمكن لهذه المظاهر إلا أن تشد انتباه المارة أو مرتادي الحديقة التي اعتادت أن تلم شمل فئات مختلفة من المجتمع الجزائري وحتى أفراد الجاليات الإفريقية في الجزائر . في البداية كنا نعتقد أنه من السهل التقرب من هذه العائلات النازحة ومحاورتها لكننا عندما حللنا بعين المكان وبمجرد إفصاحنا عن هويتنا وعن هدف المقابلة لم يطمئن لنا الكثير من أفراد هذه العائلات التي بادرنا بمقابلتها لأن الرعب من '' الشبيحة '' ومن '' جهات أخرى '' يسكن عيونهم... وبعد حديث ودي مع رب أسرة شاب '' أربعيني'' وتجمع بعض أفراد العائلات الأخرى حولنا، استطعنا أن نكسب ثقة الجميع وعلمنا أنهم ينتمون لمختلف المدن على غرار حماه وحمص حلب وطرطوس وغيرها. في البداية لم يتردد ذلك الشاب الذي حضر إلى حديقة بور سعيد رفقة ولديه البالغين من العمر 9 و7 سنوات وزوجته ووالدته من تقديم اسمه الكامل لنا وبلدته التي يقيم بها في محافظة '' ولاية '' حمص '' المنكوبة ''، لكنه عاد وترجانا ألا نفصح عن هويته خوفا من تعرضه لأي مكروه أو سوء في حالة عودته لبلاده أو حتى وهو هنا في الجزائر. بعنا كل ما تملكه نسائنا من حلي لنؤمن ثمن تذاكر السفر وإيجار الفندق كان التأثر الشديد باديا على محيا '' أبو علاء'' البالغ من العمر 45 سنة وهو يروي لنا مشاهد من الدمار والخراب الذي تسبب فيه العنف المسلح في بلدته أو ما لم يتردد في تسميته ب '' الحرب الأهلية '' من '' تقتيل وتشريد واعتقال '' و عن المأساة التي يعيشها السوريون يوميا في ظل هذا الوضع الذي اضطرهم للفرار على غرار آلاف السوريين الآخرين سواء اللاجئين منهم نحو بلدان الجوار أو النازحين نحو البلدان الأخرى لاسيما التي يدخلونها بدون تأشيرة كالجزائر، لبنان، الأردن وموريتانيا. وعن ظروف إقامته في الجزائر قال أنها ظروف صعبة للغاية '' نحن نقيم على غرار عشرات العائلات السورية في فندق مجاور، وأشد ما نخشاه أن نجد أنفسنا يوما في الشارع بعد أن ينفذ ما بحوزتنا من المال الذي جمعناه من بيع حلي نسائنا، لذلك نضطر كل يوم إلى الخروج للجلوس طيلة النهار في هذه الحديقة لعلّ ذوي البر والإحسان من أشقائنا الجزائريين المشهورون بالكرم يجودون علينا بما أمكن من مال نستعين به لدفع ثمن الكراء في الفندق ومن مأكل وحتى الملبس ودواء وكل ما نحتاج إليه''، وأضاف نطالب بحق الأخوة من أشقائنا الجزائريين ألا يبخلوا علينا بمد يد العون والمساعدة وتشغيلنا إن أمكن. نحن لا نتسول وإنما ننشد مساعدة إخواننا الجزائريين لتجاوز ظروفنا الصعبة ومن بين الذين تحدثنا إليهم، الحاج إبراهيم وهو رجل في الستين من العمر قال أنه تاجر قماش قدم رفقة أفراد عائلته من مدينة حماه، الذي بدا أكثر اطلاعا من غيره بأماكن تواجد النازحين السوريين وظروف إقامتهم في الجزائر، أبدى في مستهل حديثه انزعاجه مما تتدواله الصحف الجزائرية عن '' تسول اللاجئين السوريين أمام المساجد الجزائرية''، وقال '' نحن ضيوف عندكم ولم نأت للتسول .. لقد اضطرتنا الظروف التي تعيشها سوريا إلى المجيء إلى الجزائر .. ونحن وإن كنا ننشد مساعدتكم لنا فلا يعني ذلك أننا نتسول '' مضيفا '' من حقنا أن ننشد مساعدة إخواننا الجزائريين لنا وأغلب العائلات السورية التي فرت من العنف الذي تشهده البلاد تحتاج إلى المساعدة''. وأشاد الحاج إبراهيم بالمناسبة بالهبة التضامنية الكبيرة للجزائريين مع أشقائهم السوريين مشيرا إلى انه حضر رفقة أفراد عائلته ما عدا أحد أبنائه الموجود حاليا في صفوف الجيش النظامي السوري مؤكدا أنه يسعى إلى جمع المال اللازم لضمان شراء تذكرة سفر له حتى يستقدمه على الجزائر. وعن العدد التقريبي للنازحين السوريين المتواجدين حاليا في الجزائر قال أنهم يعدون بالآلاف ولكنه لا يعرف الرقم تحديدا مشيرا إلى أن العائلات السورية التي نزحت إلى الجزائر بعضها يقيم في الفنادق وفي نادي المجاهدين بالعاصمة، والبعض الآخر لدى عائلات جزائرية فتحت لها بيوتها واستضافتها فيها في مختلف ولايات الوطن سواء في شمال أو جنوب البلاد فيما يعيش البعض الآخر حياة التشرد، من بينهم الذين استنفذوا مدة الإقامة السياحية في الجزائر إذ لا يمكن إيوائهم في الفنادق باعتبار أنهم مصنفين في خانة المهاجرين غير الشرعيين. كما لفت محدثنا إلى أن مطاعم الإفطار الجماعية في العاصمة على وجه الخصوص تغص بالنازحين السوريين لا سيما من مازالوا بدون مأوى يفترشون الأرض ويلتحفون السماء في الحدائق والساحات لقضاء لياليهم، لكثرة أعدادهم وعجزهم عن دفع مصاريف الفندق لكل أفراد أسرهم. وفيما كنا نتحدث إلى الحاج إبراهيم حضر شاب جزائري من باعة العملة الصعبة في السوق الموازية بمحاذاة حديقة بور سعيد وأخبر محدثنا بأنه حدد موعدا لزوجته لدى طبيب قلب خاص وطمأنه بأنه سيتكفل بكل مصاريف علاجها... وفي تعليقه على هذه الالتفاتة قال الحاج إبراهيم أن هذا الشاب ليس حالة خاصة فكل الجزائريين الخيرين الذين نقابلهم قدموا لنا مختلف أشكال المساعدة والتكفل بمرضانا.وعندما سألناه عن موقف السفارة السورية حول وضع هذه العائلات قال '' إن سفارة بلادنا أبدت استعدادها فقط لدفع تذاكر من يريدون العودة إلى سوريا لا غير''. نخشى الترحيل القسري بعد انتهاء فترة الإقامة وأملنا في الرئيس بوتفليقة في التدخل لصالحنا لم يتردد محدثون في التعبير عن مخاوفهم من أن يجدون أنفسهم يوما عرضة للترحيل عندما يستنفذون مدة إقامتهم السياحية في الجزائر المحددة ب 3 أشهر باعتبار أن القانون سيعاملهم ساعتها على أساس أنهم مقيمون غير شرعيين وفي هذا الصدد لفت أحد هؤلاء إلى أن تجديد الإقامة في الجزائر مشروط بخروجهم وعودتهم في الوقت الذي قال أن لا أحد منهم يملك ثمن تذاكر السفر لذلك. وأضاف المتحدث '' نناشد رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة التدخل لإغاثتنا بتوفير ملاجئ أو مأوى جماعي لنا خاصة وأن فصل الأمطار قادم لا محالة إلى جانب مناشدته توفير مناصب شغل لنا ولأبنائنا لأننا لا نريد أن نبقى عالة على إخواننا الجزائريين لمدة أطول الأمر الذي من شأنه أن يعفينا من التنقل بين الفنادق ويحفظ كرامتنا، فيما اقترح آخر ''مساعدة العائلات السورية النازحة على الاستقرار وقتيًا حتى انفراج الأزمة السورية"، واقترح "تمديد فترة الإقامة لهذه العائلات أو تغاضي الطرف عن ملاحقتها القضائية بعد مرور المدة القانونية المسموحة بإقامتها".كما طالب متحدث آخر من الجمعيات الخيرية الجزائرية ومختلف تنظيمات المجتمع المدني التدخل لصالحهم.