لا تزال ظاهرة التشرد ومبيت عائلات بأكملها في شوارع مدينة البليدة من المظاهر المشوهة لصورة هذه المدينة بحيث عشرات النساء والرجال مع الأطفال في بعض الحالات يفترشون الكرتون ليلا نهارا بعدة شوارع رئيسية بالولاية، منها شارع أول نوفمبر، ساحة باب السبت وبالقرب من مسجدي البدر والكوثر وغيرها، ويستغلون تواجدهم بهذه المناطق الإستراتيجية بالنسبة لهم للتسول.. لكن مصادر مسؤولة بمديرية النشاط الاجتماعي للولاية رفضت إطلاق مصطلح التشرد على هذه العائلات، لأن هذا المصطلح -حسبها- يخص الأشخاص الذين لا مأوى لهم، لكن بالنسبة لهذه العائلات التي تبيت في العراء بمدينة البليدة وغيرها من الولايات الأخرى هو وجود مشاكل عائلية هي التي تدفع ببعض الأفراد إلى مغادرة المنزل العائلي والتوجه نحو الشارع مستغلين في ذلك كرم الجزائريين الذين لا يبخلون عليهم بالمساعدة ماليا، ويؤكد محدثنا أن أغلب الذين يوصفون بالمتشردين بولاية البليدة قادمون من ولايات أخرى بهدف التسول ويبيتون في الشوارع ويستغلون عطف الجزائريين، فهؤلاء خرجوا من المنازل بسبب مشاكل عائلية يكون نتيجة الطلاق أو الخلاف مع زوجة الأب أو زوجة الأخ وغيرها من الأسباب التي تدفع هؤلاء إلى حياة الشارع. ويشير المصدر ذاته إلى وجود إحدى الحالات من هذا النوع بمدينة البليدة وتتعلق بفتاة غادرت بيت العائلة بعد وفاة والديها وخلافها مع إخوتها ونتيجة لذلك توجهت نحو الشارع وهي تبيت حاليا بمحاذاة مسجد البدر بباب السبت ورغم محاولة إخوتها إعادتها إلى المنزل، لكن كل ما تصادفهم تهرب منهم وترفض العودة إلى المنزل. اختلفت مع زوجة أخيها فطردتها من المنزل توجد من بين المتشردين بمدينة البلدية عجوز تكون في عقدها السابع تبيت في العراء بحي 13 ماي، اقتربنا منها وتحدثنا معها عن سبب تواجدها في الشارع، فأكدت أنها كانت تقيم بولاية الشلف مع شقيقها وزوجته بعد أن توفي زوجها ولم تنجب معه أطفالا، لكن المشاكل بدأت منذ الأيام الأولى مع زوجة شقيقها التي قامت بطردها من المنزل أمام مرأى شقيقها المغلوب على أمره حسبها ولم يستطع التدخل لإبقائها، وأمام ذلك لم تجد سوى الشارع كمأوى لها، وتنقلت إلى ولاية البليدة وفضلت حياة الشارع رغم نقلها إلى مركز الإيواء ببن عاشور الذي لم تبق فيه سوى لأيام فقط، وعادت إلى الشارع وبررت ذلك بأنها أصبحت لا تقوى على البقاء في مكان واحد. كما صادفنا حالة أخرى لامرأة مع طفليها تفترش الكرتون بالقرب من مسجد البدر بباب السبت، وتقول هذه المرأة القادمة من غليزان أن زوجها توفي وترك لها طفلين، ولم تجد من يعيلها لهذا انتقلت إلى مدينة البليدة للتسول وتبيت في العراء لأيام فقط حتى يتسنى لها جمع مبلغ من المال يكفيها لأسابيع ثم تعود إلى مسقط رأسها وعندما ينتهي المبلغ تعود إلى البليدة للتسول. استعمال الحيل و الخدع لاستعطاف المحسنين يؤكد مسؤولون بمدينة النشاط الاجتماعي لولاية البليدة أن كرم أبناء مدينة البليدة من بين العوامل التي جعلت هذه الولاية تتحول إلى قبلة للمتشردين والمتسولين من عدة ولايات أخرى كالمدية، الشلف، غليزان، تيارت والعاصمة، فالبليديون لا يبخلون عن دفع الصدقة لهؤلاء وهذا العطف والسخاء جعل المتشردين والمتسولين يلجأون إلى عدة حيل لاقتطاع الصدقة من المواطنين، ومنها استعمال عصى المعوقين، وإستغلال الرضع، لكن ما لم يكن متوقعا هو استعمال دمية للتمويه على أنها رضيع، ويذكر أحد مسؤولي مديرية النشاط الاجماعي بالولاية أن هذا حدث بالقرب من مقر المديرية بحيث إمرأة تطلب من المارة وبصوت مرتفع منها يد المساعدة لشراء الحليب للرضيع الذي بين يديها وبعد الاقتراب منها للتأكد من وجود رضيع فعلا تبين أنها تضع بين أحضانها دمية فقط، وبعد اكتشاف أمرها لاذت بالفرار. تقديم وجبات ساخنة لمساعدة هذه الفئة من جانب آخر وبهدف محاربة هذه الظاهرة التي شوهت صورة المدينة شكلت مديرية النشاط الاجتماعي اللجنة الولائية للمتشردين وذلك بالتنسيق مع مصالح الأمن والهلال الأحمر الجزائري ومصالح البلدية، بالاضافة إلى الخلايا الجوارية التي تضم أطباء وأخصائيين نفسانيين، وتقوم هذه اللجنة بتقديم وجبات غذائية ساخنة أسبوعيا لهؤلاء المتشردين. ويؤكد مسؤولو مديرية النشاط الاجتماعي أنه رغم المحاولات العديدة لنقل هذه الفئة إلى مركز بن عاشور لإيوائها إلا أنهم يرفضون بحيث نظمت مديرية النشاط الاجتماعي بالتنسيق مع مصالح الأمن عدة حملات لإيواء هذه الفئة لكن خلال أيام يغادرون هذه المراكز، كما تفكر اللجنة المذكورة في إعداد تقنية عن كل متشرد وإجراء تحقيق اجتماعي عن كل شخص، وإعادتهم إلى ولاياتهم وبالمقابل التكفل بالمقيمين بولاية البليدة. وفي السياق ذاته ذكر أحد المسؤولين أن من بين المشاكل المطروحة في إيواء هؤلاء المتشردين هو انعدام مراكز لايواء العائلات مع اطفالهم وهذا ما جعل بعضهم يفضلون حياة الشارع على الإقامة في المراكز. وبهدف مواجهة هذه العوائق تسعى مديرية النشاط الاجتماعي إلى تهيئة مركز 13 ماي الذي خصص له مبلغ مليار سنتيم، وتقدمت هذه المديرية بطلب للبلدية لاعداد بطاقة تقنية بهدف الشروع في عملية الترميم وسيكون هذا المركز للمتشردين بالولاية، كما سيكون مركز عبور بحيث يتم إيواء فيه المتشردين القادمين من ولايات أخرى وبعد التحقيق معهم يتم إرجاعهم إلى ولاياتهم.