تباينت ردود أفعال النواب وأحزابهم حول مخطط عمل حكومة عبد المالك سلال، إلى درجة بات التساؤل معها مشروعا عما إذا كان هذا البرنامج استمرار لبرنامج الرئيس 2099 أم انه »وصفة سحرية جديدة« من إبداع الحكومة الجديدة تتطلب كل هذا النقد؟ أليست المحاور الرئيسية للمخطط هي نفسها المنصوص عنها في برنامج الرئيس كالسكن والبطالة والتشغيل والتنمية وغيرها أم أن تكييف المخطط حسب التطورات الاجتماعية والتحولات السياسية هو مربط الفرس في النقاش الدائر حول مخطط سلال؟ اعترف الوزير الأول عبد المالك سلال، بصريح العبارة أمام نواب المجلس الشعبي الوطني، أن مخطط عمل حكومته مستوحى من برنامج رئيس الجمهورية، وهو بذلك يقر علانية أن الطابع السياسي للمخطط مرتبط بمبدأ الاستمرارية، وهو ما يعني برأي الكثير من المراقبين أن الحكومة الحالية لم تجتهد كثيرا في تحديد المحاور الرئيسية لذات المخطط، سيما ما تعلق بها بالملفات الاجتماعية والاقتصادية التي ظلت تراوح مكانها أو تم تأجيلها لتقديم الملفات السياسية في المرحلة السابقة، فقد لوحظ كما هو معروف أن اجتماع مجلس الوزراء الأخير الذي صادق على مخطط العمل ارتأى إعادة النظر في ترتيب الأولويات وتقديم الملفات الاجتماعية والاقتصادية على الملفات المتبقية من حزمة الإصلاحات السياسية، سواء لاعتبارات المرحلة أو لضرورات واقعية تفرضها المتطلبات المتنامية للجبهة الاجتماعية. ومن هذا المنظور تتجلى الأهداف الرئيسية للمخطط، فيما يبقى التساؤل مشروعا عن آليات العمل والتطبيق و وبلوغ النتائج المتضمنة في المخطط رغم أن معدوه لم يلزموا أنفسهم بأجندة مضبوطة ومحددة تمكن النواب والمراقبين من تبيان هفوات الحكومة في قادم الأيام. وبالعودة إلى ملفات المخطط نجد أن التنمية المحلية تحتل الصدارة، سواء من خلال خلق نشاطات جديدة أو اقتراح آليات جديدة أو تفعيل القديمة في إطار التشغيل ومكافحة البطالة والسعي لتقليص نسبتها بين الشباب وباقي الفئات الاجتماعية سيما منها الهشة، أما المحور الأخر الذي لا يقل أهمية عن سابقه لما له من ثقل على الجبهة الاجتماعية والاحتجاجات التي تعرفها مختلف مناطق الوطن، فهو يتعلق بالسكن، حيث وعدت حكومة سلال بالتخفيف من حدة الأزمة والبحث عن حلول واليات جديدة أو ابتكاريه لمحاصرة الاحتياجات المتنامية على حد تعبير معدو المخطط، وفي هذا السياق تقرر إعادة بعث برنامج السكن المعروف بعدل، تماشيا مع ارتفاع حدة الطلب من جهة وفك الضغط عن البرامج الأخرى والتي لا يتناسب بعضها مع إمكانيات الفئات المحدودة الدخل. المحور الآخر الذي أولته الحكومة الحالية اهتماما في مخططها هو إعادة النظر في تسيير المدن والتجارة الفوضوية، فقد تعهدت الحكومة في ذات المخطط المطروح للنقاش، على تنظيف المدن واسترجاع الوجه الحقيقي لها، وتنظيم التجارة الفوضوية التي كثيرا ما عملت على إفساد الوجه الحضاري لمدننا، ورغم أن هذا الموضوع ظل محل طلب العديد من شرائح المجتمع، إلا أن اتهامات وجهت للحكومة بالتسرع في فتحه دون توفير البدائل الضرورية التي تعيد لآلاف التجار الصغار من ضمان مداخيل تحميهم من الأعمال المشبوهة. تماما كما هو الحال بالنسبة لحديث الحكومة عن رفع القيود البيروقراطية إمام الاستثمار المحلي المنتج وترشيد الإدارة وإعادة الاعتبار للخدمة العمومية وإلزامها بالإصغاء للمواطنين وانشغالاتهم، فقد اعتبر البعض هذا المحور بالرهان الكبير، مشككين في قدرة الحكومة على كسبه بالنظر للفشل الذي صاحب الحكومات السابقة في ذات الموضوع. موضوع آخر لقي انتقادات كبيرة من قبل نواب المجلس، يتعلق بتعهد الحكومة بالتقليل من حجم التضخم، حيث يرى البعض أن الحكومة لم تلزم نفسها بإعطاء النسبة التي تعتزم بلوغها مع نهاية المخطط، ونفس الانتقادات تنسحب على ما تسميه الحكومة توفير المناخ الملائم للاستثمار الأجنبي والوطني، وهنا يقول البعض ممن لم يتفق مع هذا الطرح انه مع بداية العهدة الرئاسية الأولى شرعت الحكومات المتعاقبة في الحديث عن مناخ الاستثمار، ونفس الكلام يقال اليوم دون أن تحدد الحكومة الحالية آليات تهيئة المناخ الاستثماري هل المقصود منه مراجعة بعض التشريعات مثل القاعدة الاقتصاديى51/49 أو تخفيض من حجم الضرائب وطرح مزيد من الامتيازات للمستثمرين أو رفع القيود البيروقراطية التي نفرت الناس من العمل الجاد؟، لكن أيضا أن مخطط عمل حكومة سلال يركز على المحروقات كمحرك رئيس وتقريبا وحيدا لعجلة الاقتصاد وهو ما يضع الاقتصاد الوطني في خطر إذا ما تراجعت أسعار المحروقات في الأسواق العالمية سيما في ظل إفرازات الأزمة المالية العالمية. المتفائلون والمدافعون عن مخطط سلال يقولون أن ايلاء الملفات الاجتماعية والتنمية المحلية والوطنية عناية خاصة دليل على التزام الحكومة بوعودها تجاه المواطن، ويضيف هؤلاء وبالأخص منهم نواب الأغلبية أن الحاجة ملحة لتلبية متطلبات المواطن من منظور أن تصاعد الاحتجاجات الاجتماعية في الجزائر مرده اجتماعي وليس سياسي كما تحاول المعارضة تفسيره. بقي أن نشير إلى أن مخطط حكومة سلال ما هو إلا استمرار لبرنامج الرئيس مع إضافة روتوشات أو بالأحرى تكييفه مع ضرورات المرحلة، وهو ما جعل النقاش يبدو فاترا أحيانا أو ذو يوظف سياسيا من قبل المعارضة أحيانا أخرى، فيما يبقى الأهم هو ما مدى قدرة سلال وفريقه على الوفاء بوعودهم؟.