"خبز وخمر" رواية للأديب الإيطالي، إجنازيو سيلوني، وضعها في مطالع الثلاثينات من القرن الماضي، ولاقت رواجا كبيرا في أوساط قراء الأدب الإيطالي واللغات التي نقلت إليها عبر العالم أجمع. وإجنازيو سيلوني، أديب تقدمي، من كوكبة الأدباء التقدميين الذين جابهوا فاشية ميسوليني منذ العشرينات إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية، من أمثال إيليو فيتوريني، صاحب رواية "حديث في صقلية" و ليوناردو تشاشيا وألبرتو مورافيا وإلزا مورانتي وغيرهم. وتدور أحداث هذه الرواية في بداية الثلاثينات في فترة استبد فيها ميسوليني بالحكم، وحسب نفسه أنه من جبلة يوليوس قيصر والإسكندر المقدوني وغيرهما من فاتحي العالم القديم. غير أن ميسوليني لم يرض عن هذه الرواية وصاحبها لأنتها جاءت في وقت كان يستعد فيه لاحتلال الحبشة، أي في عام 1934، وفي زمن ازدادت فيه شكيمة التقدميين الإيطاليين الذين راحوا يحاربونه، وعلى رأسهم الحز الشيوعي, وقد كان سيلوني شيوعيا بطبيعة الحال. وقد عالج في روايته هذه حكاية مناضل شيوعي عمل المستحيل لكي لا يقع بين براثن الفاشية، لكنه أصيب بداء السل، واضطر لكي يختبىء في دير من الأديرة بجبال إيطاليا، ويرتدي مسوح الرهباتن., وعندما تتمكن القوات الفاشية منه يكون على وشك مفارقة الحياة. قرأت هذه الرواية قبل حوالي أربعين عاما في ترجمة بديعة قام بها أديب أردني معروف هو عيسى الناعوري الذي كان متخصصا في الأدب الإيطالي. وما زلت أجد فيها طرافة وأي طرافة وأنا أعيد قراءة بعض فصولها. وقد يعود ذلك إلى أن فترة الشباب كانت من أزهى فترات المطالعة عندي. وقد تحادثت في يوم من الأيام مع المستشرقة الإيطالية (بينا إيجونيتي) عن موضوع هذه الرواية، ويبدو أنها استحسنتها هي الأخرى، بل إنها حدثتني عن فيلم تدور أحداثه في قرية جبلية بإيطاليا يختبىء فيها أحد المناضلين الشيوعيين، ولكن، فيما بعد الحرب العالمية الثانية. قالت لي تلك المستشرقة، أو المستعربة، إن هناك الكثير من الروايات الجميلة التي وضعها كتاب تقدميون إيطاليون، وهي جديرة بأن تنقل إلى اللغات العالمية، ومن بينها اللغة العربية، غير أن دور النشر في العالم الغربي قلما تحتفي بمثل تلك الكتابات، لأنها، على حد تعبيرها، كتابات سياسية مزعجة بالرغم من الجماليات العديدة التي تنطوي عليها. وما زلت إلى حد الآن أنتظر أن أقرأ ترجمة لروايات إلزا مورانتي التي كانت خلال فترة من الزمن زوجة للكاتب الإيطالي ألبرتو مورافيا، وكذلك روايات ليوناردو تشاشيا، الصقلي الذي كان يناهض الفاشية والمافيا، ويتحدث بإعجاب عن الوجود العربي وبقاياه في أرض صقلية. والخبز يرمز في هذا المقام إلى نضال الإيطاليين في سبيل العيش الكريم من خلال الأفكار التقدمية، أما الخمر فهو يرمز إلى الجانب المسيحي في إيطاليا..