كيف يتلقى القارىء العربي في المشرق وفي المغرب ما ينشر من قصص وروايات ودواوين شعرية ودراسات نقدية وأدبية؟ طرحت هذا السؤال على نفسي وأنا أستعيد ما قاله لي أديب سوري عاش في الجزائر في سبعينات وثمانينات القرن المنصرم بعد أن قرأ إحدى مجموعاتي القصصية. أذكر أنه استحسن ما قرأ، لكنه قال لي بالحرف الواحد بخصوص قصة تحمل عنوان ''والزرقة دائما..'': أما هذه القصة فإنها مكتوبة لغيرنا ولا حاجة لنا بمثلها! استغربت حكمه ذاك وقلت له: هذا مجرد رأي، وقد أصف ذوقك هذا بأنه غير سليم! الأدب، يا هذا، يكتب لجميع الناس، وليس لجماعة دون أخرى. ومضت الأيام، وجاءت مستشرقة إيطالية فتية تدعى ''بينا إيجونيتي''، تعمل في جامعة روما، وترجمت نفس القصة التي حكم عليها أخونا الأديب السوري بالإعدام، ووضعت مقدمة ضافية عنها وعن كتاباتي القصصية وعن كتابات بعض الأدباء الجزائريين باللغة العربية من الذين برزوا بعد الاستقلال. هل نحتكم إلى أذواق كل واحد منا في كل ما نكتبه مشرقا ومغربا؟ لا شك في أن للذوق دخلا كبيرا في هذا الشأن، لكن، هناك اعتبارات أخرى ينبغي أن ندرجها في الحساب حتى لا نظلم أحدا ولا نغمط حقه الأدبي. نحن نقرأ الأدب العربي الكلاسيكي ونتفق حوله جميعا، وقلما نختلف حيال هذا الأدب ونقرأ ما ينشر من كتابات أدبية في أيامنا هذه، وهي قد تعجبنا وقد لا تعجبنا، لكننا لا نقول عن الرواية الفلانية إنها غير ممتعة وإنه لا حاجة لنا بمثلها في حياتنا الأدبية والفكرية، ونصطدم بما يقرأه الغربيون من أدبنا، ونفاجأ حين يبلغنا أن أدب فلان ترجم إلى هذه اللغة أو تلك في حين أنه لم يجد صدى له بين أهله. قراءاتنا سياسية في معظمها، والسياسة تضر بالأدب، وهذه حقيقة تطالعنا في كل يوم وفي كل صقع من أصقاع العالم، يبرز اسم أديب في حين أن اسم أديب آخر ينال منه الخمول، والسبب سياسي في المقام الأول، وليس فنيا أو أدبيا، وما أكثر ما صدرت الأحكام العشوائية في حق هذا الأديب أو ذاك ودست أنفه في التراب في حين أن التقدير هو الذي ينبغي أن يكون من نصيبه. أذكر أنني قرأت قصتي ''والزرقة دائما..'' على جمع من الأصدقاء الذين كانوا يختلفون إلى مقهى اللوتس في الثمانينات فاستحسنوها، وقرأها أخونا الأديب السوري فرأى أنها لا تصلح لمجتمعاتنا العربية؛ فأين هو المعيار في مثل هذا الحكم؟ الاضطراب الذي يعتري حياتنا الأدبية مصدره هذه الأحكام الذوقية الآنية التي تستند إلى العامل السياسي أكثر من استنادها إلى العامل الفني الموضوعي، يضاف إلى ذلك كله أننا نفتقر إلى ضوابط وبوصلات نسترشد بها في حياتنا كأهل أدب وكقراء، مشرقا ومغربا، فمتى نصحح أمورنا في هذا المضمار؟