»..كان اللاعبون كمَن يركض في مساحة مفتوحة على الطمي، تشوهت أزياء الفريقين واختلطت ألوانها، كما تغيَّرت وجوه اللاعبين وكل أعضائهم واتّسخت، ويكون المسئولون عن الرياضة بذلك، أبوْا إلا أن يُحدثوا في نوفمبر ما لم يكن فيه، فغيّروا مجرى الانتصارات الدائمة، التي كان آخرها لقاء السودان في 18 نوفمبر 2009 الذي كان طريقا أمام محاربي الصحراء، إلى جنوب إفريقيا حيث كأس العالم، وحوَّلوه إلى نكسة في احتفالية الجزائر بخمسينية استعادة استقلالها ..« حتى المتنابزين بكل ألقاب الفساد ممّن يطوفون حول مشيخة البلدية، تلقّفوا فضيحة ما وقع للكرة الجزائرية في ذلك المساء الممطر من يوم الرابع عشر نوفمبر الحالي، ببِرْكة الخامس جويلية التي كانت تُسمَّى ملعبا، حيث التقى الفريق الوطني لكرة القدم بفريق البوسنة والهرسك التي ينتسب إليها مدرِّب المنتخب الجزائري، في مباراة ودية كان العاملون على تنظيمها يأملون أن تكون مؤشِّرا قريبا من حقيقة الفريق، لتحديد ما إن كان مؤهَّلا للذهاب إلى جنوب إفريقيا أم لا، وتكاثر حولها المتراشقون بالتهم بعدما استثمروا في الفضيحة المدوية-سياسويا- في محاولة لكسب ودّ مَنْ لم يعُد له ما يربطه بهم، سوى كُرَةٍ هوَت به في طمْي ملعبٍ كان إلى وقت قريب، منارة لانتصار الجزائريين في هذه اللعبة الشعبية، التي تُعتبَر العروة الوحيدة التي بقيّت تُجَمِّع الشباب، وربما تُعَدّ آخر ما تبقَّى للشبيبة بعد أن تفرقت بها السبل. يتساءل المواطن باستغراب: كيف استطاع مسؤولوه أن يُحوِّلوا نعمة الأمطار التي يحتاج إليها الإنسان أينما كان في تسيير حياته، إلى نقمة تضرب- مع ما تضرب- الكرة الجزائرية التي أكملت ما بدأه أبطال التاريخ في التعريف بالجزائر إلى العالم ؟ قد يكون مدير الملعب الوحيد الذي لم يحس بوقع صدمة مباراة الأربعاء، حيث صرَّح أن الذي حدث في تلك الأمسية، لا يستحق كل هذا التهويل الإعلامي والسياسي الذي بدأ مباشرة مع غرق اللاعبين في الأرضية! ويضيف مستسهلا الأمر أن الأمطار كانت أقوى وأن تلك السيول التي سقطت يوم المباراة كانت ستؤثِّر على أيِّ ملعب، واستدل على ذلك بما وقع مؤخَّرا في لقاء لفانتي والريال، متناسيا أن المقارنة في غير محلها تماما، إذ لا يمكن مقارنة ملعب صغير، في مدينة بدرجة قرية تقع في شبه جزيرة، بآخر أكبر في عاصمة بلدٍ يُمثِّل قارة بكاملها، كما يبدوأنه غير متابِع لبطولات الدول الأوروبية التي لا تكاد تنقطع عنها الأمطار والعواصف، وما تنقله شاشات تلك البلدان من مباريات رائعة تحت المطر، زادت في تعلّق شبابنا بغيرنا أكثر، وارتباطه بذلك الغير، إلى درجةٍ أصبح معها »يحرڤ« فرادى وجماعات في كل المواسم، حتى ولو كان يعرف أنه يغامر بحياته، ويضعهاعلى لوح قارب مهترئ قد لا يصل إلى الضفاف الأخرى. الملعب الذي شيَّته الجزائر بصدق إرادة أبنائها وقوة عزيمتهم وحبّهم الجارف لها، في الذكرى العاشرة لاسترجاع استقلالها، وشهد انتصارات الشباب الجزائري، ابتداء من الميدالية الذهبية لألعاب البحر الأبيض المتوسِّط عام 1975، إلى كأس أمم إفريقيا عام 1990، وكان مدْرسة لتصدير الكفاءات الكروية الشبانية إلى مختلف الملاعب الأوروبية التي كان اللاعب الدولي الكبير رابح ماجر أحد الشهود الأقوياء عليها، تحوّل هذا الملعب المفخرة إلى بِركة بفضل تسيير غير شفاف لمسؤولين قد يكون اختيارهم تمَّ بالطريقة التي رفعت مَن لا يقدر إلى المكان الذي لا يستحق، كان اللاعبون كمَن يركض في مساحة مفتوحة على الطمي، تشوهت أزياء الفريقين واختلطت ألوانها، كما تغيَّرت وجوه اللاعبين وكل أعضائهم واتّسخت، ويكون المسئولون عن الرياضة بذلك، أبوْا إلا أن يُحدثوا في نوفمبر ما لم يكن فيه، فغيّروا مجرى الانتصارات الدائمة، التي كان آخرها لقاء السودان في 18 نوفمبر 2009 الذي كان طريقا أمام محاربي الصحراء، إلى جنوب إفريقيا حيث كأس العالم، وحوَّلوه إلى نكسة في احتفالية الجزائر بخمسينية استعادة استقلالها. قال لي أحد الطلبة: هل تعلم يا سيدي أنه لم يبقَ للجزائريين من رابطة أقوى من رابطة كرة القدم، فقد خانوا الله ورسوله وما زالوا كذلك في كل حين، فمِن قتْلِ بعضهم البعض في العشرية الحمراء، إلى إفشاء أمِّ المفاسد بينهم، وقد ألبسوا الرشوة ثوب الإكراميات تارة والشطارة تارة أخرى، إلى التخلِّي عن قيَّم دينهم برفع أسعار كل ما يشتيه الصائم ويتطلبه رمضان أوعيد الأضحى، بينما وجدناهم قد تناسوا آلامهم وآهاتهم وخلافاتهم، وراحوا يتسابقون على الذهاب إلى أم درمان، في لوحة قويّة قليلا ما تظهر روعتها في شعبٍ تضربه الأزمات السياسية والآفات الاجتماعية والتوترات الاقتصادية. لم يكتفِ هذا الشاب بما قال، بل أعلن أنه يحب الجزائر أكثر في الكرة، لأنها تربطه مع الآخرين برباط لا ينفصم، ولم يُلوِّثه عبث العابثين، ولا نفاق المنافقين، ولا إقصاء المنتفعين، ويكره فيما عداها، لكونه أصبح مصدر بطالته ومعاناته وتهميشه، وبرغم قساوة قول هذا الشاب إلا أنه يُحتِّم على الصادقين ممَّن بيدهم أمر الكرة، أن يسارعوا إلى الاستثمار الجاد والمخلص في هذا الحقل، حتى تعطِي الاحتفالية الخمسينية ثمارها لصالح الشباب، الذي يقترن عيده دائما بعيد استرجاع الاستقلال، ونرجو أن يكون كلام وزير الشباب والرياضة- وهو يدعو المعنيين بما وصفته الصحافة الوطنية بالفضيحة إلى تحمّل مسؤولياتهم، وألاّ يختبئوا وراء الأمطار- بداية لمنهجية عمل جديدة، تُجازي المحسن عند إحسانه، وتُعاقب المسيء بإساءته أو سوء تصرّفه، وتعيد للرياضة سيرتها الحسنة الأولى، وتكون في الوقت ذاته نموذجا لباقي مؤسسات المجتمع الأخرى، التي استفحل الفساد فيها حتى فاح، قبل أن نغرق في كأس من الماء، يحتكره أصحاب الولاء المؤقت للواقف، ممَّن تسللوا إلى مختلف المواقع في الدولة، عن طريق المحاباة والمحسوبية والجهوية، ووصلوا إلى مفاصلها عبر الممرات القذرة، التي تكاثرت حتى سدت بقذارتها، معظم السبل أمام الكفاءات الحقيقية، وإلا سيغرق المجتمع كله في وحْلٍ لن يكون الخروج منه سهلا... * المقال كُتِب قبل أن يُعلَن عن إقالة مدير ملعب الخامس جويلية [email protected]