تداعت العديد من الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني إلى عقد عدة لقاءات واجتماعات الهدف منها تقييم وتقويم الزيارة الأخيرة للرئيس الفرنسي إلى الجزائر، وخرجت في الأخير ببيان تنتقد فيه نتائج الزيارة جملة وتفصيلا، والأخطر من ذلك أنها توصلت إلى خلاصة مفادها أن السلطة الجزائرية رضخت إلى شروط فرنسا فيما يتعلق بالجانب الاقتصادي. من حق أي جهة كانت أن تنتقد أو ترفض أي تحرك سياسي للسلطة، بل من جوهر عمل المعارضة الوقوف في وجه السلطة والنظام الحاكم عن طريق إبداء مكامن العطب والخلل في أي قرار أو خطوة يقوم مسؤول تنفيذي من رئيس بلدية في أقصى نقطة في الجزائر وصولا إلى رئيس الجمهورية، شريطة أن يكون هذا النقد مؤسسا وبناءً، ومؤسسات دولة تسير من دون وجود رقابة سواء من قبل نواب أو شخصيات عامة هي قطعا مهددة بتفشي الانحرافات والقرارات المتهورة. لكن ما هو مرفوض وخطير أيضا أن تتحول بعض القضايا الحساسة والمركبة إلى مرتع للمزايدة والاستغلال السياسي، وهو ما يبدو أن بعض الأحزاب – وللأسف- تقوم وبشكل فض ومتهور بالخوض في مثل هذه الملفات الخاصة، من منطلقات ضيقة وبرؤية قاصرة. إن قضية الذاكرة والتاريخ ليست حكرا على السلطة، وأيضا ليست ألعوبة في يد بعض هواة السياسة، وإذا كان مسموحا للسلطة في حدود معينة أن تتعامل مع بعض الحيثيات والتفاصيل المتعلقة بتاريخ الشعب الجزائري من قبيل ملف الأرشيف وبعض التفاصيل الإجرائية فإن الأحزاب والمجتمع المدني مطالبون في المقام الأول قبل الحديث عن المؤامرات والتنازلات من قبل السلطة ورفع سقف المطالبات عاليا سواء للسلطة أو للدولة الفرنسية، العمل على فتح نقاش جدي وهادئ حول ملف الذاكرة ويجب عدم تضليل الرأي العام بافتعال معارك وقضايا وهمية بهدف الحصول على مكاسب سياسية من قبيل الدعوة إلى »شيطنة« كل ما يأتي من الخارج والعمل على التشكيك في كل الاتفاقيات والمعاهدات. يعلم كل مشتغل بالسياسة أن ممارسة المعارضة والنقد أسهل بكثير من إدارة مؤسسات الدولة وعندما يكون هناك مسؤول سياسي يمثل الدولة الجزائرية في أي محفل فإنه مطالب بمراعاة مصالح الجزائر كاملة، بدء من قضايا المواطن البسيط في الداخل مرورا بهموم جاليتنا في الخارج وصولا إلى التوازنات والعلاقات الدولية في هذه المرحلة، دون التفريط في سيادة القرار الوطني. وبالتالي تصبح المزايدة والتهويل في قضايا حساسة تلامس وجدان ومشاعر كل جزائري عن طريق تقديم قراءات ومقاربات خاطئة ومضللة هو من قبيل التلاعب بمشاعر أمة بأكملها، وقد يكون للشحن العاطفي المضلل للجزائريين في مثل قضايا التاريخ والذاكرة نتائج غير متوقعة، لأن عامة الناس تتعامل أحيانا مع ما يطلقه السياسيون من تصريحات وتهديدات على أنه حقائق وفي ذلك خطر كبير على السلم والأمن الاجتماعي للوطن بأكمله. ليس بالشعارات والضجيج تتحقق مصالح الدول والشعوب، وإذا كان الجزائريون قد حرروا أرضهم بمعارك الدم والنار، فإنهم اليوم مطالبين بالبصيرة والتبصر في زمن لم يعد يفهم لغة الخطب والمعارك الصوتية المضللة.. إننا في زمن التخطيط والتسيير الجيد للإمكانات والظروف على حد سواء.