أنهت الجزائر سنة 2012 بتجاوز آخر محطة في بناء السلطة التمثيلية تجسيدا للحزمة الأولى من الإصلاحات السياسية التي أطلقها الرئيس بوتفليقة في أفريل 2011 وهو ما جعلها تنأى بنفسها بعيدا عن دوامة الإعصار الذي يعصف بالمنطقة العربية تحت مسمىّ »الربيع العربي« في انتظار استكمال مسار الإصلاحات بالخطوة الأهم المنتظرة في الأشهر الأولى للسنة الداخلة وهي تعديل الدستور. فيما واصل إعصار ما يسمى »الربيع العربي« زحفه سنة 2012 على المنطقة العربية مخلفا الخراب في البلاد حيثما حلّ واصلت الجزائر في المقابل مسار الإصلاحات السياسية التي أعلن عنها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في أفريل 2011 بمراجعة أهم القوانين الأساسية التي دخلت في مجملها حيّز السريان سنة 2012 ومنها قانون الأحزاب السياسية الذي أشّر لبداية جديدة في الساحة السياسية. ولعلّ أهم ما يتوقف عنده المتتبع لمسار الأحداث السياسية التي شهدتها السنة التي نودعها اليوم هو فتح باب الاعتماد لعناوين سياسية جديدة بعد مراجعة قانون الأحزاب السياسية وهو ما أضفى نوعا من الحركية في الساحة السياسية رغم أن أغلب الواجهات السياسية الجديدة جاءت بوجوه سياسية قديمة على غرار عبد الله جاب الله وعبد المجيد مناصرة وبن بعيبش وعمارة بن يونس الذين اختاروا استئناف المسار السياسي بعناوين جديدة. تشريعيات ال10 ماي وخيار الاستمرارية دخلت الجزائر منذ الإعلان عن مشروع الإصلاحات السياسية في صراع مع الزمن لاستكمال مراجعة عديد من القوانين الأساسية في ظرف وجيز لا يخلو في الوقت نفسه من الضغط الذي تحاول بعض الدوائر الإعلامية والسياسية ممارسته على الجزائر من خلال التلويح في كل مناسبة بإمكانية استنساخ تجارب ما يسمى »الربيع العربي« ووجد البرلمان الفارط نفسه أمام تحدي استكمال مراجعة هذه القوانين قبل موعد أهم استحقاق سياسي وانتخابي وهو الانتخابات التشريعية وبالفعل كان كل شيء جاهز قبل الموعد وخاضت الأحزاب التقليدية والجديدة المنافسة الانتخابية وعكس ما ذهبت إليه توقعات المتتبعين للشأن الوطني اختار الشعب الجزائري الاستمرارية ومنح ثقته لمرشحي الحزب العتيد الذي حقق فوزا كاسحا بحصد ما يزيد عن 200 مقعد نيابي في الغرفة السفلى. وعلى عكس ما كان متوقعا من قبل المهلّلين للربيع العربي المزعوم لم تتكرر تجربة الإسلاميين في تونس ومصر والمغرب في الجزائر بعدما أثبت التيار الوطني ممثلا في حزب جبهة التحرير الوطني تجذره في الوسط الشعبي ومني في المقابل التيار الإسلامي بأكبر هزيمة له رغم أن بعض قادته صرح بخياله بعيدا وراح يمني نفسه باستلام زمام قصر الدكتور سعدان ومبنى زيغود يوسف في انتظار الزحف إلى المرادية بيد أن خيارات الناخبين جاءت مخيبة لآمال كل الذين راهنوا على الربيع العربي للوصول إلى السلطة. انتكاسة الإسلاميين..الوجه الآخر ل"الربيع العربي" وفي نفس الاتجاه جاءت نتائج انتخابات تجديد المجالس المحلية في 29 نوفمبر الفارط وبدت بوضوح ملامح الخارطة السياسية في الجزائر للمرحلة المقبلة فقد عزّز التيار الوطني هيمنته على الساحة الوطنية وحافظ الحزب العتيد على مكانته كقوة سياسية أولى في البلاد بفارق واضح عن أول ملاحقيه فيما مني التيار الإسلامي بتقهقر هو بمثابة الضربة القاضية من وجهة نظر المتتبعين بعدما لفضه صندوق الاقتراع مرشحيه للمرة الثانية على التوالي في غضون 6 أشهر. تقهقر التيار الإسلامي مقابل تفوق التيار الوطني وحفاظه على مكانته مع صعود لبعض العناوين السياسية الناشئة كان أهم ما ميّز الحصيلة السياسية للسنة المنقضية إلى جانب تنامي تمثيل المرأة في المجالس المنتخبة تطبيقا لقانون نظام الكوطة الذي جاء ضمن الحزمة الأولى للإصلاحات السياسية ففي سابقة أولى قفز الحضور النسوي في الغرفة البرلمانية السفلى إلى حدود 30 بالمائة وهو ما وضع الجزائر في صدارة ترتيب الدول العربية من حيث مؤشر المشاركة السياسة للمرأة. تعديل الدستور والطريق إلى رئاسيات 2014 بعدما كسبت الجزائر رهان تنظيم استحقاقين انتخابيين في غاية الأهمية وافتكت اعترافا دوليا بنجاح المسار الإصلاحي، أنهت الجزائر سنة 2012 بآخر محطة في بناء السلطة التمثيلية وهي انتخابات التجديد النصفي لأعضاء مجلس الأمة لتتجه بثبات إلى المحطة الأهم والحزمة الثانية في مشروع الإصلاحات السياسية من خلال مراجعة القانون الأسمى في البلاد، حيث ينتظر أن تدشن الجزائر السنة الجديدة بفتح النقاش حول تعديل معمق للدستور ومراجعة منظومة الحكم ، محطة سيكون لها تأثيرها المباشر على الاستحقاق المقبل الذي تتجه صوبه اليوم الأنظار وهو رئاسيات 2014.