يؤكد المحلل السياسي والعضو الأسبق في المجلس الدستوري محمد فادن في هذا الحوار ل»صوت الأحرار« أن نتائج الانتخابات التشريعية لم تكن بالمفاجئة من حيث احتفاظ حزب جبهة التحرير الوطني بالصدارة وإنما في عدد المقاعد التي أحرزها الحزب العتيد والتي لها ما يبرّرها من وجهة نظر المحلّل، أما السقوط الحرّ للتيار الإسلامي فقد فسّره محدّثنا بوعي الشعب الجزائري واستيعاب الدرس بما يجري في دول الجوار واختار الاستقرار والاستمرارية على المغامرة مجددا بعد الثمن الذي دفعه نتيجة المغامرة التي خاضها في تشريعيات 1991، وقال إن ما يصطلح على تسميته »الربيع العربي« تأثيره كان عكسيا في الجزائر، أما ردّ فعل بعض قيادات التيار الإسلامي فقد أرجعه فادن إلى »الصدمة« كما خاض محدثنا في قضايا أخرى حول مستقبل الإصلاحات السياسية ومصير تكتل الجزائر الخضراء والتحالفات المنتظرة في المدى القصير والمتوسط. * يحاول البعض التقليل من أهمية نسبة المشاركة المسجلة في تشريعيات العاشر ماي ، كيف تنظرون لهذه النسبة مقارنة مع الانتخابات الماضية وأيضا مع تجارب الانتخابات في دول العالم؟ ** نسبة المشاركة في تشريعيات ال10 ماي أعتبرها معقولة ومحترمة فقد تجاوزت نسبة التصويت في تشريعيات 2007 وقفز عدد الناخبين الذين أدلوا بأصواتهم من 6 ملايين إلى أكثر من 9 ملايين ونسبة المشاركة من 37 بالمائة إلى ما يقارب 43 بالمائة وهو مؤشر ايجابي فضلا عن أنها تتقاطع مع المعدل العالمي في الانتخابات البرلمانية والذي يتراوح عادة وحتى في الديمقراطيات العريقة ما بين 40 و50 بالمائة. ونسبة المشاركة المحققة في تشريعيات ال10 ماي من شأنها تعزيز مسار الإصلاحات لأن المراحل المقبلة في المسار تتوقف على هذه النسبة والسلطة كانت بحاجة إلى قاعدة شعبية لمواصلة المسار خاصة ما يتعلق بتعديل الدستور. *العنوان الأبرز الذي طبع أغلب المتابعين لتشريعيات ال10 ماي داخليا وخارجيا أن نتائج الانتخابات كانت مفاجئة..هل تتفق مع هذا التوصيف، أم أنها كانت متوقعة من وجهة نظرك..؟ ** النتائج التي أفرزتها تشريعيات ال10 ماي أعتبرها منطقية ولم تكن مفاجئة من حيث ترتيب القوى السياسية المشاركة فيها وتكريس ريادة الأفلان للساحة السياسية، عنصر المفاجأة أراه في عدد المقاعد التي حصل عليها الحزب العتيد في صعود لافت جدا وهو ما فاجأ حتى المترشحين أنفسهم فقد حصد في بعض الولايات جميع المقاعد على غرار ولاية سيدي بلعباس مثلا ولا أحد من المرشحين في ذيل القائمة كان يتوقع أو ينتظر الصعود إلى البرلمان بل كان مقتنعا أنه مترشح لإكمال القائمة فقط، هنا كان عنصر المفاجأة من وجهة نظري، إلا أن ريادة الأفلان فقد كانت منتظرة ومتوقعة. وفيما حافظ الأرندي على مكانته فإن المفاجأة الثانية هي في التيار الإسلامي الذي عرف سقوطا حرا في وقت راهن فيه بعض قادته على اكتساح الساحة واحتلال المرتبة الأولى، أما العوامل التي جعلت قادة هذا التيار يحلمون بالريادة واكتساح الساحة السياسية فهي عوامل داخلية وخارجية. بالنسبة للعوامل الداخلية فهي محاولة جمع التيار في قائمة موحدة وتقديم مرشحين لهم مصداقية في الوسط الشعبي، وقد فشلت محاولة جمع لمّ الشتات بعد رفض جبهة التغيير لمؤسسها عبد المجيد مناصرة الانضمام للتحالف الإسلامي وكذا عبد الله جاب الله. أما العامل الخارجي فهو الاعتقاد أن ما يحدث في دول الجوار قد يحدث في الجزائر وأن الشعب الجزائري قد يتخذ موقفا مشابها ويمنح ثقته للتيار الإسلامي إلا أن النتيجة جاءت مفاجئة لسبب بسيط أن صعود التيار الإسلامي في دول الجوار كان بدعم خارجي. ومن بين المفاجآت التي أحدثتها تشريعيات ال10 ماي رغم كونها لا ترقى لعنصر المفاجأة هو اختفاء بعض الأحزاب الصغيرة وظهور أخرى جديدة مثل حزب الفجر الجديد الذي أحرز 5 مقاعد وكذا حزب عمارة بن يونس الذي حصل هو الآخر على 6 مقاعد. * اكتسح الأفلان منافسيه في هذه الانتخابات، ما هي العوامل الأساسية في تقديركم التي ساعدت حزب جبهة التحرير في تحقيق هذا الانجاز..؟ ** الاكتساح الذي حققه الحزب العتيد وصعوده بهذا العدد من المقاعد له ما يبرره ويمكن تلخيص ذلك في: أولا: الرصيد النضالي للحزب والوعاء الانتخابي الذي يمتلكه الحزب العتيد وبالعودة إلى النتائج المفصلة في كل ولاية ومقارنتها بالنتائج المحصل عليها في استحقاقات 2007 نجد أن الوعاء ظل مستقرا وأن الهزات التي عرفها الحزب لم تؤثر على وعائه الانتخابي بدليل أن القوائم المستقلة التي دخل بها المنافسة إطارات من الحزب لم تحصل على مقاعد. -ثانيا: نسبة المشاركة المرتفعة ويمكن الجزم أن المستفيد منها هو الأفلان وأغلب الذين خرجوا للتصويت صوتوا لصالح قوائم الحزب العتيد. -ثالثا: قوانين الاصلاحات ومنها النظام الانتخابي كانت لصالح الحزب العتيد بعدما كان الافلان ضحية النظام الانتخابي الذي طبق في تشريعيات 91، فالنظام الانتخابي الحالي يفترض أن يكون للحزب قاعدة شعبية أكثر من 5 بالمائة من الناخبين والأفلان حزب متجذر ويكاد يكون الوحيد الذي يمتلك هذه النسبة مقارنة بالأحزاب الأخرى وهو ما جعله يحتل المرتبة الأولى في أغلب الولايات أو يتقاسمها مع حزب آخر، إلى جانب زيادة عدد مقاعد المجلس الشعبي الوطني ب73 مقعدا والتي عادت كلها للحزب العتيد. * أجمع المتتبعون لتشريعيات ال10 ماي على أن التيار الإسلامي أول وأكبر الخاسرين، ماهي قراءتك لنتائج التيار الاسلامي؟ ** أولا الشعب الجزائري واع سياسيا وفضل الاستقرار بانتخاب الأحزاب التي يعرفها وتفادى المغامرة مرة ثانية بعدما غامر سنة 1991 مع الأحزاب الإسلامية وكانت النتيجة سلبية، كما أن وضع الأحزاب الإسلامية في الجزائر يختلف عنه في دول الجوار فهي لم تكن ممنوعة من النشاط بل شاركت في العمل التشريعي من خلال البرلمان وشاركت في الحكم من خلال الحكومة، فهي لا تخفي عنصر مفاجأة للناخب الجزائري. وثانيا فإن الشعب الجزائري لاحظ أن الأحزاب الإسلامية غيّرت خطابها ومرجعيتها ولم تعد المرجعية الدينية كما كان في السابق فقد تخلت هذه الأحزاب عن مرجعية »الإخوان« في مصر إلى مرجعية الدولة المدنية على غرار النموذج التركي والماليزي، والانتقال والتغيير من المرجعية الدينية إلى نمط التسيير العصري وحرص هذه الأحزاب على الظهور في ثوب الحزب العصري والمتفتح لم يقنع الناخب الجزائري. * ما هو مستقبل تكتل الجزائر الخضراء في تقديركم على ضوء هذه النتائج التي تحصل عليها..؟ ** بالنسبة لتكتل الجزائر الخضراء من الناحية القانونية هو قائم والنتائج المحصل عليها ستظل تحت عنوان هذا التكتل طيلة الخمس سنوات المقبلة وهي عمر العهدة التشريعية حتى لو انسحب النواب من هذه الكتلة وهناك احتمال أن يندمج هذا التكتل في حزب واحد. كما أن هناك احتمال ثاني وبما أن أحد أقطاب هذا التكتل وهو حمس ساند ويساند برنامج رئيس الجمهورية فمن الوارد أيضا أن يتحول التكتل إلى مساند للرئيس بوتفليقة ويطلب الالتحاق بالتحالف الرئاسي، أما الاحتمال الثالث ومثلما جاء على لسان أبو جرة سلطاني قد يتحول إلى المعارضة في البرلمان المقبل مع أن هذا الطرح مستبعد لأن حمس تضم في صفوفها إطارات وطاقات مثل عمار غول ومصطفى بن بادة ولا أتوقع موافقتهما على الذهاب إلى المعارضة، بل المنتظر أن يحدث نقاش داخل الحركة يفضي إلى الالتحاق بالتحالف الذي يدعم رئيس الجمهورية. *حاول بعض قادة التيار الإسلامي التشكيك في نتائج التشريعيات من دون تقديم أي حجج أو مبرارت ملموسة..كيف تنظر لردة الفعل هذه ؟ ** نتائج تشريعيات ال10 ماي مشهود بشفافيتها ونزاهتها من قبل أولا المعنيين وهو الشعب الجزائري ولا يجوز لأي كان أن يطاول على خيارات الناخبين ويفترض في الجميع احترام إرادة الناخب كما أن الاحتجاجات والطعون تحكم بآليات ولم تكن بالحجم الذي تحدثت عنه قيادات التيار الإسلامي ولو كانت كذلك لأخطرت لجنة المراقبة ولجنة الإشراف على الانتخابات لا أن تنتظر مرور كل هذا الوقت وانتهاء عملية الفرز والإعلان عن النتائج والبحث بعدها عن مبرّرات الهزيمة، فضلا عن أن الانتخابات كانت تحت معاينة خبراء من منظمات مثل الأممالمتحدة والاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي والجامعة العربية وكلهم أجمعوا على كلمة واحدة وهي شفافية الاقتراع. وعليه نقول إن هذه الأحزاب ما تزال تحدت الصدمة، صدمة الهزيمة وستتجاوزها بعد أيام قليلة. *ما هي قراءتكم للتغير الذي أفرزته نتائج تشريعيات ال10 ماي من حيث ترتيب القوى السياسية في الجزائر بتراجع التيار الإسلامي وحزب العمال وعودة جبهة القوى الاشتراكية للساحة من جديد؟ ** بالنسبة للأفافاس فقد صنع الحدث وأعطى الانتخابات مصداقية أكبر باعتباره حزبا وطنيا معارضا ودخل المنافسة الانتخابية عن اقتناع، ورغم غيابه عن البرلمان ل10 سنوات كاملة إلا أنه نجح في الحصول على 21 مقعدا وهي نتيجة معتبرة تسمح له بتشكيل كتلة داخل البرلمان واقتراح القوانين واستجواب الحكومة وهو ما سيعطي حيوية للبرلمان المقبل وهو الذي سيصنع الحدث تماما كما حدث في برلمان 97، وقد أثبت بهذه المشاركة أنه حزب وطني وليس حزبا جهويا فقد خرج من معاقله في ولايات منطقة القبائل وأحرز مقاعد حتى في الجنوب. أما حزب العمال فهو لم يتقهقر كثيرا وتزحزح فقط من 26 مقعدا إلى 20 مقعدا بينما حافظ على المرتبة نفسها وهي الخامسة ويعود هذا التراجع من وجهة نظري إلى أن الحزب لم يعد ذلك المعارض الشرس كما أن بعض الأحزاب الجديدة أثّرت على وعائه الانتخابي. *كيف تنظرون لمستقبل التوازنات والتحالفات في الخارطة السياسية على المدى المنظور والمتوسط على ضوء نتائج التشريعيات؟. ** بالنسبة للتحالفات أعتقد أن الأفلان ورغم إحرازه على 220 مقعدا إلا أنه لم يحقق الأغلبية المطلقة وتمرير القوانين العضوية وحماية الحكومة ودعمها أو إسقاط الحكومة بحاجة إلى أغلبية أي أنه بحاجة على الأقل لدعم من 12 نائبا، وسيلجأ حتما إلى تحالفات طبيعية من نفس التيار الوطني موجودة في السابق وأسس لها منذ سنوات وهو التحالف مع التجمع الوطني الديمقراطي وأحزاب أخرى من نفس التوجه هذا القطب الأول الذي سيكون في البرلمان. أما القطب الثاني سيكون في المعارضة وبعدة جبهات غير منسجمة أولها الأفافاس من جهة وحزب العمال الذي يرفض الولوج إلى الحكومة من جهة ثانية أما التوجه الإسلامي فهو متوقف على ما ستقرره حركة مجتمع السلم ومن خلالها تكتل الجزائر الخضراء إذا التحق بالمعارضة سيكون التيار الإسلامي قطبا معارضا في البرلمان وإذا فضل الالتحاق بمساندي رئيس الجمهورية فإن التيار سيكون مغيبا في المعارضة لأن تمثيل بقية التيار لا يكاد يذكر. *يرى كثير من المتتبعين للشأن الوطني في نجاح الأفلان في تشريعيات ال10 ماي هو انتصار لخيار الاستقرار والتغيير الهادئ ، هل يمكن القول أن الجزائر نجحت في تجاوز التحديات والرهانات التي فرضتها الظروف الاقليمية في المنطقة؟ ** ما حدث في دول الجوار وما اصطلح على تسميته الربيع العربي كان له مفعول عكسي في الجزائر، لأن الناخب الجزائري يلاحظ ما يجري في تونس ومصر وليبيا وما لحق بالشعوب في هذه البلدان ووصل إلى قناعة أن السير في نفس الطريق يقود إلى نفس المأزق فكانت النتيجة أنه فضّل الاستقرار والاستمرارية خاصة وأنه خاض التجربة سابقا سنة 1991 ومنح ثقته لحزب من التيار الإسلامي فكان متوقعا أن لا يغامر ويخوض التجربة مجددا واختار بين الخيارات المتاحة منح أغلب الأصوات للحزب التاريخي وثانيا لأحزاب يعرفها مثل الأرندي والأفافاس والعمال وتكتل الجزائر الخضراء أما الأحزاب الجديدة سيكون لها حتما مستقبل في المواعيد اللاحقة.كما نشير هنا إلى أن رئيس الجمهورية استطاع أن يقنع الشعب الجزائري أنه لا بديل له عن الاستمرارية وهو ما يعكس العدد الكبير من الأوراق الملغاة أكثر من مليون و600 ألف ورقة أصوات هؤلاء كانت لصالح الجزائر تلبية لنداء الرئيس بوتفليقة مع أن هؤلاء رفضوا منح أصواتهم لأي من الأحزاب المتنافسة.