تطوي الجزائر العام 2012 الذي وصف من الطبقة السياسية ب«سنة الانتخابات بامتياز»، بإجراء انتخابات هامة في هذه السنة ممثلة في التجديد النصفي لأعضاء مجلس الأمة، ثالث محطة انتخابية بعد التشريعيات والمحليات التي نجحت رغم هاجسي المقاطعة والعزوف عن أداء الفعل الانتخابي، وأفرزت مشهدا سياسيا حمل بصمة الإصلاحات السياسية يمهد للانتخابات الرئاسية المقبلة، وتستعد لاستقبال العام الجديد 2013 الذي سيشهد حدثا لا يقل أهمية ممثلا في تعديل الدستور. إذا كانت سنة 2011 هي السنة التي أقرت الإصلاحات السياسية التي بادر بها رئيس الجمهورية تكريسا لسياسة التغيير، فان سنة 2012 كانت سنة جني ثمارها وكان المستفيد الأكبر منها الأحزاب الجديدة التي عززت الساحة السياسية سواء تعلق الأمر بتلك التي كانت تنشط في انتظار الحصول على الاعتماد أو تلك التي فكر أصحابها في إنشائها بعد الإفراج عن القانون المتعلق بالأحزاب في طبعته الجديدة رقم 12 / 04 المؤرخ في 12 جانفي 2012. فتح القانون الجديد المتعلق بالانتخابات الباب أمام اعتماد عدد كبير من التشكيلات السياسية التي حرص معظمها على المشاركة في الانتخابات التشريعية في مرحلة أولى ولاحقا في انتخابات المجالس الشعبية البلدية والولائية، وساهمت في تأجيج المنافسة. ورغم أن بعض المحللين السياسيين توقعوا لها أن تندثر بعد الانتخابات نظرا لقلة خبرتها وضعفها السياسي، وذلك قياسا بالنسب المحددة لافتكاك تمثيل في المجالس المنتخبة والمقدرة ب5 بالمائة في التشريعيات وب7 بالمائة في المجالس البلدية والولائية، والتي كانت محل انتقاد من قبلها. عودة ''الأفافاس'' تخلط أوراق المعارضة وكان للقانون الجديد انعكاس مباشر على المشهد السياسي الذي سجل إلى جانب بروز تشكيلات سياسية جديدة تموقعت بقوة مثلما هو الشأن بالنسبة للحركة الشعبية الجزائرية بقيادة عمارة بن يونس، عودة أحزاب قوية محسوبة على المعارضة منها جبهة القوى الاشتراكية «الأفافاس» الذي تمكن من سحب بساط المعارضة من تحت أقدام تشكيلات تحسب نفسها بدورها على المعارضة كحزب العمال محرزا المرتبة الأولى فيها بافتكاكه المرتبة الرابعة في التشريعيات والمحليات، كما عاد أيضا التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية «الأرسيدي» الذي لم يتخل مثل زميله «الأفافاس» تماما عن خيار المعارضة مفضلا مقاطعة انتخابات المجلس الشعبي الوطني والمشاركة في الانتخابات المحلية. الأحزاب الجديدة، وان تفاءلت خيرا بحصولها على اعتماد يرسم نشاطها السياسي ويمكنها من افتكاك تأشيرة التمثيل الشعبي المحلي وعلى مستوى الغرفتين البرلمانيتين، إلا أن أغلبها لم يستطع الحصول على ثقة الناخبين رغم انها اعتبرت نفسها البديل الذي يبحث عنه المواطن تكريسا للتغيير، إلا أن النتائج جاءت معاكسة تماما لتوقعاتهم وقلبت كل أوراقهم، ذلك أن الناخب الذي لم يقتنع بهم خلال الحملة الانتخابية والعمل الميداني فضل تجديد الثقة فيما بات يصطلح عليه ب«الأحزاب القديمة»، التي تفاجأت بدورها ولم تخف ذلك مبقيا على الحزب العتيد جبهة التحرير الوطني على رأس الطبقة السياسية متبوع ب«الأرندي»، كما أنه جدد الثقة في الأحزاب العائدة التي استرجعت وعائها الانتخابي مثلما هو الشأن بالنسبة ل«الأفافاس». عودة «الأفافاس» إلى المعارضة، والتحاق «حمس» وزملائها في تكتل الجزائر الخضراء بها لم يكن له الأثر فقط في تعزيز صفوفها، وإنما ساهم في إشعال فتيل المنافسة على التموقع فيها والحصول على الريادة، فقيادة حزب العمال التي كانت تقود شبه معارضة خلال العهدة المنقضية أي السادسة لم تستسغ التغييرات التي طرأت بعد أن تعددت أطراف معادلة المعارضة، منتقدة عودة «حمس» إليها، لكن النتائج التي أفرزتها الانتخابات كرست الريادة ل«الأفافاس» الذي تقدم على حزب العمال وعلى بقية الأحزاب، ولعل ما يؤكد هذا الطرح استعراض عضلات المعارضة منذ الجلسة الأولى، بمختلف الأشكال سواء بمقاطعة التمثيل في هياكل المجلس أو الخروج من القاعة مثلما قام به نواب تكتل «الجزائر الخضراء» . تكريس تراجع أحزاب التيار الإسلامي ومقابل حفاظ «الأفالان» و«الأرندي» على موقعهما، وعودة «الأفافاس» إلى المعارضة إلى جانب التحاق الحركة الشعبية الجزائرية بساحة المنافسة، كرس المشهد السياسي تراجع أحزاب التيار الإسلامي كما كان متوقعا منذ بداية تقهقرها الذي أكدته نتائج مختلف المحطات الانتخابية، والذي كانت في منأى عنه حركة مجتمع السلم «حمس» بقيادة رئيسها أبو جرة سلطاني، ورغم أنه قرر استدراك الوضع في الوقت بدل الضائع من أجل تعزيز حظوظها بتطليق التحالف الرئاسي والعودة إلى صفوف المعارضة، والى ذلك الانضمام إلى ثاني تكتل يجمع تحت لوائه أحزابا سياسية بعد التحالف الرئاسي، ويتعلق الأمر ب«تكتل الجزائر الخضراء» الذي جمع شمل 3 أحزاب سياسية ممثلة في حركتي النهضة والإصلاح الوطني المؤسسة من قبل عبد اللّه جاب اللّه. ورغم أن أحزاب التيار الإسلامي عموما راهنت على تبعات «الربيع العربي» الذي ترتب عنه عودة الفوز في الانتخابات إلى الأحزاب التي تمثل هذا التيار، إلا أنها تفاجأت بالنتيجة التي كانت متوقعة بالنظر إلى منحى النتائج المحققة والى المعطيات السياسية الخاصة بالجزائر، ولأنها كانت تعلق أمالا كبيرة على التموقع بقوة في المشهد السياسي، فإنها علقت فشلها على شماعة التزوير، وهو ما ذهبت إليه أحزاب تكتل «الجزائر الخضراء» إلى جانب تشكيلات جديدة تنتمي بدورها إلى التيار الإسلامي ممثلة في جبهة العدالة والتنمية الحزب الجديد الذي أسسه عبد الله جاب الله وتحصل على اعتماد ضمن الأحزاب الجديدة شارك في التشريعيات وقاطع المحليات بالإضافة إلى جبهة التغيير بقيادة عبد المجيد مناصرة الذي سار على نفس خطى زميله وكذا جبهة الجزائرالجديدة بقيادة جمال بن عبد السلام التي شاركت في المحطتين الانتخابيتين، غير أن ما يجب التوقف عنده أنها لم تختلف كثيرا عن التشريعيات ما يستدعي منها إعادة حساباتها التي قد تمكنها على الأقل من استرجاع وعائها الانتخابي. تشريعيات ومحليات ناجحة رغم هاجسي المقاطعة والعزوف وفيما يخص الانتخابات المنظمة في العام 2012 سواء تعلق الأمر بالتشريعيات أو بالمحليات، فإنها تتميز عن سابقاتها بإجرائها تحت الإشراف القضائي نزولا عند رغبة التشكيلات السياسية خلال المشاورات حول الإصلاحات السياسية، تضاف إلى لجنة المراقبة المكونة من ممثلي الأحزاب المشاركة، أفضت إلى حصول 27 تشكيلة بالمجلس الشعبي الوطني الذي ارتفع عدد مقاعده إلى 462، لكنها برزت بنسبة مقاطعة الناخبين الكبيرة ما يؤكد فشل الطبقة السياسية في معالجة ظاهرة العزوف عن أداء الفعل الانتخابي، ورغم تسجيل نسبة أكبر في المحليات إلا أن عدد الناخبين الذين لم يصوتوا يبقى مرتفعا ويستدعي دراسة معمقة، وبالمقابل، فان عدد التشكيلات المقاطعة للانتخابات سجل تراجعا كبيرا وبلغت مشاركتها بالإضافة إلى الأحزاب الجديدة نسبة قياسية تحصل أغلبها على تمثيل، وقد تحصلت أزيد من 50 تشكيلة على تمثيل في المجالس المنتخبة البلدية والولائية وقدر أدنى عدد بمقعدين. واللافت للانتباه أن هواجس الأحزاب تعددت ولم تعد تقتصر على العزوف، لأن شبح ما بات يصطلح عليه ب«المال الوسخ» أضحى يخيم على كل استحقاق انتخابي إلى درجة استفحال ظاهرة بيع القوائم الانتخابية الذي تطلق عليه الأحزاب ضحية العملية السطو الذي برزت بقوة في انتخابات المجالس الشعبية البلدية والولائية وانعكس بشكل مباشر على التحالفات، ما أدى إلى تعفن السياسة، الذي يضاف إلى ظاهرة التجوال السياسي وان كانت هذه الأخيرة بدرجة أقل، بعدما أسقط نواب الشعب المادة التي تكرس منعها والتي جاءت هي الأخرى في سياق الإصلاحات السياسية. وإذا كانت سنة 2012 سنة انتخابات بامتياز، فان سنة 2013 ستكون على الأرجح سنة التعديل الدستوري الذي أدرجه الرئيس بوتفليقة ضمن الإصلاحات السياسية التي أعلن عنها في 2011 بعدما تم إدراج الإصلاحات المعلن عنها والتي شملت قانوني الانتخابات والأحزاب والقانون المتعلق بحالات التنافي مع العهد البرلمانية والقانون المتعلق بالمشاركة السياسية للمرأة، بالإضافة إلى القانون المكرس لفتح القطاع السمعي البصري، ويأتي التعديل الذي ينتظر أن يكون معمقا بعد التعديل الجزئي الذي تم قبل 3 سنوات أي في 2008.