جدّد وزير الشؤون الخارجية، مراد مدلسي، موقف الجزائر الرافض للتدخل بأي شكل من الأشكال في الشؤون الداخلية للدول، وخصّ بالذكر البلدان التي شهدت حراكا شعبيا في العامين الأخيرين بحكم علاقات الجوار التي تجمعها ببلادنا، وقال إن »الجزائر لا يُمكن أن تقف ضد إرادة الشعوب في تغيير أنظمة الحكم«، مؤكدا أن ذلك »لا يعني بأننا لا نأخذ بعين الاعتبار مصالحنا وأمن حدودنا..«. اضطر وزير الشؤون الخارجية إلى الخروج عن موضوع الجلسة العلنية المنعقدة أمس بالمجلس الشعبي الوطني، وهي التي كانت مخصصة بالأساس لعرض ومناقشة ثم المصادقة على مشروع القانون المتضمن الموافقة على اتفاقية ضبط الحدود البحرية بين الجزائروتونس، ومردّ ذلك أن مداخلات النواب ركّزت على مواضيع ذات الصلة بمواقف الجزائر بما جرى في بعض بلدان الجوار وكذا تطوّرات الوضع الأمني في منطقة الساحل وشمال مالي على وجه الخصوص. وبموجب ذلك أوضح مراد مدلسي بخصوص ما وصفه ب »التحوّلات المسجلة في منطقتنا« بأن موقف الجزائر منها مبني على »الاحترام والتعاون وعدم التدخل في شؤون الآخر«، مضيفا أن »الأمور تحرّكت في بعض البلدان بفضل أبنائها من أجل تغيير الأنظمة«، ليستطرد قائلا: »هذه الشعوب أرادت تغيير أوضاعها مع حكوماتها وأنظمتها فحصلت على حكومات وأنظمة جديدة«، وشدّد على أن »الجزائر أبدت استعدادها للتعاون مع هذه الدول«. وفي سياق مرافعته لصالح الموقف الرسمي الجزائري من الحراك الذي عرفته بعض البلدان العربية، لفت الوزير إلى أن نتائج هذه السياسة بدأت تظهر بعد أن خاطب النواب: »كما ترون لقد جاءت إلى الجزائر وفود رفيعة من ليبيا وتونس ومصر، وهناك الآن علاقات عادية وطيبة معها«، وذكر بالمناسبة أن مبدأ عدم التدخل في شؤون الآخرين »لا يعني بأننا لا نأخذ بعين الاعتبار، بصفة واضحة وصارمة، مصالح وامن حدودنا«، وبرأيه »هناك مجهود واضح« مبذول من طرف السلطات الجزائرية. وبحسب مدلسي فإن هذا الموقف ينطبق تماما حيال ما يحصل في سوريا، لكنه تفادى في هذا الشأن الخوض في المسائل السياسية واقتصر حديثه فقط على تكفل بلادنا باللاجئين السوريين، حيث أورد أن »الجزائر لها مواقف إنسانية معروفة وواجبنا هو التكفل بكل هؤلاء اللاجئين وأن نعمل على جعل المرحلة الانتقالية التي يقضونها عندنا أقلّ صعوبة«، ومع ذلك حذّر هؤلاء من أي تجاوز بقوله: »نتعامل معهم كضيوف يعني أنه لا بدّ عليهم أن يحترموا قوانين الجزائر التي لا تفاوض عليها«. وظهر رئيس الدبلوماسية الجزائر كثير التحفظ كذلك في التعاطي مع الأزمة في مالي، واكتفى بالإشارة إلى أن اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع تونس »إيجابي جدا« في ظل ما أسماه ب »المرحلة الصعبة والقاتمة« التي تمرّ بها منطقة الساحل، وأبان على تفاؤل كبير بأن تكون هذه الاتفاقية »نقطة بداية لتوسيعها إلى بلدان الجوار«، قبل أن يواصل موضحا: »لا بدّ من بناء علاقات حسن الجوار التي هي في صلب سياساتنا، وبالتالي ينبغي أن تتضاعف بصفة فعّالة وملموسة في السنوات المقبلة«. وبعد أن وصف مشروع القانون المتضمن الموافقة اتفاقية ضبط الحدود البحرية بين الجزائروتونس الذي حصل على مصادقة الغرفة السفلى للبرلمان بالإجماع، أعلن مدلسي أن سيتم توسيع الاتفاقية لتشمل بلدان أخرى وهي ليبيا والمغرب وإسبانيا وإيطاليا، معتبرا إياها بمثابة »الخطوة المرجعية« كونها الاتفاقية الأولى من نوعها في مجال الحدود البحرية، فيما نفى وجود أية خلافات مع السلطات المغربية حول الحدود البرّية. وأفاد بأن المفاوضات التكميلية بين الجزائر وليبيا لترسيم الحدود البرية بينهما »ستنطلق قريبا بين مسوؤلي البلدين، متوقعا أن يتم الانتهاء من هذا الملف مستقبلا. وفيما يتصل بمحاربة التهريب وتأمين الحدود الجزائرية، أبرز الوزير »أهمية التفكير من أجل الوصول إلى الأسباب الحقيقية التي تقف وراء هذا العمل«، ليتابع: »لا بدّ أن تتواصل معالجة الوضع بتقديم تحليلات تكميلية عن أسباب بقاء ظاهرة التهريب«، وقد أشاد ب »الجهود« التي تبذل من طرف القطاعات المعنية. أما بخصوص وضع الدبلوماسيين الجزائريين المختطفين في مالي فقد صرّح على هامش الجلسة بأنه »لا جديد بشأنهم ما عدا التصريح الرسمي الذي أدلينا به قبل أيام قليلة«، مؤكدا أنه »نتابع هذه القضية بصفة يومية«.