ها هو الربيع العربي بالمفهوم الغربي، والانشطار العربي- العربي في واقع الحال قد وصل ذروته دون أن يسجل نتائج تحمد أو يحقق آمال وطموحات شعوب ظلت تحكم تحت وطأة الديكتاتورية، أو منسم القبيلة، أو ويلات المذهبية وعبث عصبيتها،. ذهب الحكام القدامى للعرب بقضهم وقضيضهم، بقبضتهم الحديدية، وزالت مذاهبهم السياسية الباهتة أمام إرادتهم الفولاذية، بمعنى أنه ذهب الطالب والمطلوب، القائد وبطانته، وتبرأ الذين اتَّبَعوا من الذين اتُبِعُوا. زالت الواجهات ومرايا الواجهات، وخلفت وراءها دمارا في المنشآت وآثارا سيئة في النفوس من الأحقاد ونوايا الثأر، وانكمش الكل خوفا ورعبا من الكل، فلجأ الناس إلى الاحتماء بالقبيلة وبالعرش وبالمذهب. وتولدت بدل السلطات سلطات على نقيضها تلعنها، فالذي كان صلبا جلفا قاسيا استبداديا، أخلفه من تصنع اللين والاعتدال والاعتراف بحقوق الإنسان. أما الأنظمة التي كانت ضامرة خافتة أمام إرادة المسؤول فقد استبدلت بأخرى نبتت من تحت الرماد واتخذت من جينات خلفياتها أنظمة سياسية ناقمة شديدة القسوة في الجلد للذات، ولم تكن حتى الساعة سوى عسكرية أو تيوقراطية، أما الدولة المدنية التي كانت غائبة أو مغيبة في الأنظمة السالفة فما تزال على نفس الحال في الأنظمة اللاحقة، بمعنى قطفت الرؤوس وبقيت على حالها النفوس. إنما الفرق أنه ما كان مستتبا أو مستقرا تحت الديكتاتوريات العربية في الخوالي من الأيام، أضحى مشتتا وأصبح حائرا متذبذبا تحت الأنظمة البديلة الآنية، والذي دفع الثمن غاليا ويدفعه حاليا هو المواطن العربي، سواء كان مواليا للقديم الزائل، أو كان ممن استنفر قواه العقلية والعضلية لإحداث القطيعة مع القديم، أو كان من الأغلبية الصامتة المتفرجة على مشاهد المسرحية وفصولها وعلى ممن يلعبون أدوارها، الأغلبية التي لا تطالب بالتغيير أو القطيعة أو تناشد الجديد الذي تحقق، إنما مطالبها تتمثل في تغيير وضعها الاجتماعي، عملا، سكنا وتكافؤا للفرص، بمعنى القطيعة مع الفقر مع الجوع، مع العراء، مع البطالة، مع الأكواخ، مع عدم المساواة وانعدام الإنصاف هذا هو جديدهم الذي تريده وتبتغيه، الجديد الذي لا يطمع في احتكاره وجيه ولا يحس بالظلم والغبن فيه وضيع. هذه الشرائح السائدة في المجتمعات العربية لم يأتها ربيعها بما يسد رمقها ويروي ضمأها ويكسي عراءها، إنما وجدت نفسها في مفترق الطرق بين أنظمة ظلمتها صارت خبرا بعد عين، وأخرى عاجزة حلت بدلا عنها، غير قادرة على تحسين الأوضاع، او تفي بالوعود، فانطوت على نفسها بين قابعة في مخابئ دوائرها، ومستسلمة لأمر واقع مجتمعا، تقف أمامه مذهولة فاشلة، وبين لاجئة إلى إثارة العواطف، وإحياء الفتن ليشتغل الناس بالناس، وبملء ساحات كبريات المدن العربية وميادينها من جديد بالصراخ والعويل والاحتجاج وبين أخرى غرقت في الوحل إلى الإبطين انغلب سحرها على ساحرها وأخيرة تصارع الموت البطيئ باحتضار الفناء ونهاية العمر. هذه هي الحال المأساوية المضطربة التي أراد البعض أن يستدرج إليها الجزائر للدخول في مستنقعها الأشقاء منهم والأجانب وحتى بعض الجزائريين الذين كلما استمعت إليهم وليت منهم فرارًا، وبخاصة منهم قصيري البصر والبصيرة الذين ألهتهم مستوياتهم الضحلة عن امهات القضايا التي تحدق بالبلاد خطرا، وراحوا يعيشون على الفتات يحركون التفاهات هنا وهناك تدفعهم أنانيتهم ومحدودية أفكارهم إلى ممارسة الغث من السلوك والبذيء من الأقوال والتافه من التصرفات. إن ما حل ببلدان الجوار وجوار الجوار من أوطان نفس الانتماء، وما هي عليه الآن من هزات وارتجاجات وعدم استقرار هو سحابة قاتمة تمر بأذهان المتخاذلين المأجورين باستمرار، ولو أن الجزائر التي ترفض أن يريها غيرها كيف تكون جزائريتها قد نفضت يدها من تراب قبر الإنخراط في دواعيها ومستخرجاتها. إن قضية شمال مالي التي ظلت تشغل بال الجزائر بالعناية والرعاية، والعمل على نزع أشواكها سلميا، وتشارك بقوة ولا تدخر جهدا في حل نزاعاتها بالطرق الودية والتمسك بمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير احتراما للغير. ها هي قد اتخذت منعطفا آخركانت الجزائر تحذر منه وتسعى جاهدة لاجتنابه وعدم السقوط في بؤر توتره، المنعطف الذي اختاره الرسميون في مالي ولو مؤقتون، طالبوا به ويساهمون في إنجازه على أرض الواقع وهو ما يخرج يد الجزائر نظيفة غير ملوثة، الجزائر التي لا تنتظر من أحد أن يملي عليها كيف تكون جزائريتها. شرف كبير أن تعلق كبريات القنوات العالمية وأن تكتب أكثر الصحف انتشارا وأن يعترف جهابذة المعرفة وأكبر الساسة والقادة في العالم أن الجزائر بلد يدافع عن جزائريته بنفسه، ويرفض الرفض المطلق لأي تدخل أجنبي في شؤونه وعلى أراضيه وإن كان متعدد الأطراف، ولا أدل على ذلك من القرار السيادي الجزائري الذي أفضى إلى تدخل وحدات الجيش الوطني الشعبي بإرادة منفردة لوضع حد للاعتداء الارهابي الجبان, وتحرير رهائن قاعدة زتيقنتورينس من مخالب الاعتداء الإرهابي للناقمين على أرض الشهداء والجهاد، الشيء الذي لمع صورة البلاد، ويؤكد السهر والحفاظ على مؤسساتها الحيوية وسيادتها على أراضيها فانتبهوا أيها اللاعبون في الوقت الضائع واتّعظوا أيها اللاهون الغافلون...وتحية إكبار وإجلال أيها الأشاوس، أيها النشامى من أعضاء وحدات الجيش الوطني الشعبي الجزائري، تحية تقدير واحترام أيها البواسل..!؟