ثلاثة قضايا أساسية شدت الانتباه خلال الأسبوع المنصرم، فلا يزال الاعتداء الإرهابي على المنشاة الغازية بتيقنتورين والعملية التي قام بها الجيش الجزائري لتحرير الرهائن، يثير زوبعة من النقاش داخليا وخارجيا، ويبدو الخروج المبكر للفريق الوطني لكرة القدم من »الكان« قد سرق من الجزائريين فرحة كانوا ينتظرونها لمدة طويلة، فيما يشير التغيير الذي طرا على رأس الأفلان إلى التجذر الديمقراطي في الحزب العتيد رغم أن التغيير جاء بعد أشهر من الشد والجذب بين مناضلي الحزب. حسم حزب جبهة التحرير الوطني خصوماته وطوى مشاكله الداخلية على طريقته، فعملية سحب الثقة من الأمين العام عبد العزيز بلخادم تمت في ظروف اقل ما يقال عنها أنها ديمقراطية جنبت الحزب العتيد الوقوع في انشقاقات لا يحمد عقباها، فاظهر الأفلان بأنه اكبر من الصراعات ومن طموحات الأشخاص، وانه دائما في مستوى التحديات، وما ينتظره من مهام في خدمة الوطن تحتم عليه بأن يسلك طريق رص الصفوف والابتعاد عن الحسابات الشخصية التي يراد لها أن تضعف الحزب وتؤثر على موقعه الريادي في الساحة السياسية الوطنية. انتهت فصول ما وصفته الكثير من وسائل الإعلام بأزمة الأفلان، ويبدو الظرف مواتيا لترتيب البيت الداخلي استعدادا للتحديات الجديدة والكبيرة التي ستواجه الحزب، فالأفلان حزب ليس كباقي الأحزاب ودوره في الحفاظ على اللحمة الوطنية كبير جدا ومحوري، وهذه الحقيقة يدركها الجميع. ورغم الخروج المبكر لأشبال المدرب البوسني وحيد حاليلوزيتش من المغامرة الإفريقية، والآثار التي تركتها »نكسة روستنبرغ« في أوساط المناصرين لدرجة أن الكثير أصبح يتحدث عن سرقة فرحة كان الشعب الجزائري ينتظرها من هذا لفريق الذي تعود تشريف الألوان الوطنية في المحطات الكروية الهامة، فإن الجدل انحصر بشكل كبير جدا في دائرة ما بعد عملية تيقنتورين وهذا بالنظر إلى الآثار النفسية التي تركها الاعتداء الإرهابي والتساؤلات التي طرحها في أوساط المهتمين والمختصين في القضايا الأمنية. وتكتسي التصريحات التي أدلى بها مدير مصلحة الشؤون الاجتماعية بوزارة الدفاع الوطني، العميد زروق دحماني حول عملية تيقنتورين أهمية بالغة باعتبارها أول تقييم علني من المؤسسة العسكرية، وقال المسؤول السامي في وزارة الدفاع الوطني بأن الجيش الجزائري أنجز في تيقنتورين عملية نوعية وأدى واجبه على أكمل وجه، وقام بمهمته في حماية اقتصاد البلاد وأراوح المواطنين الجزائريين والضيوف الأجانب، وتأتي هذه التصريحات التي جاءت على هامش جلسة مجلس الأمة خصصت لمناقشة قانون المعاشات العسكرية، مباشرة بعد النقل المغلوط الذي قامت به وكالة أنباء أمريكية لتصريحات وزير الشؤون الخارجية مراد مدلسي، بحيث زعمت بان رئيس الدبلوماسية الجزائرية قد اعترف بارتكاب الجيش الجزائري أخطاء في الهجوم الذي نفذه لتخليص الرهائن من أيدي خاطفيهم بالمنشاة الغازية تيقنتورين بإن أميناس، وهو ما يتناقض بطبيعة الحال مع الواقع ومع كل التصريحات التي أدلى بها المسؤولون الجزائريون بل وحتى مع شهادات العمال الجزائريين والأجانب الذين تم تحريرهم. ولما تصر عدد من الفضائيات العربية على ربط الزيارة التي قام بها مؤخرا للجزائر رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كامرون، فقط باعتداء تيقنتورين، فهذا يعني بأن العمل الذي قام به الجيش الجزائري لإنهاء كابوس تيقنتورين لم يعجب الكثير من الجهات التي ربما راهنت على أن يتحول الاعتداء الإرهابي إلى فتيل يشعل كل الجنوب الجزائري ويسرع بجر الجيش الجزائري إلى مستنقع الحرب في مالي، حتى تؤكد التهمة ضد الجزائر بأنها تحارب الإسلاميين في شمال مالي، على اعتبار أن الجزائر أيسر بالنسبة لبعض العرب من فرنسا لاتهامها بمحاربة الإسلاميين وحتى بارتكاب انتهاكات ضد سكان شمال مالي. وقبل العودة إلى هذه الانتهاكات التي يتحدث عنها بعض الإعلام بنوع من الاحتشام، لابد من الإشارة إلى أن عملية تيقنتورين التي أسالت الكثير من الحبر تحسب لصالح الجيش الجزائري بغض النظر عن كل الانتقادات التي توجه له من هنا وهناك بدعوى أنه كان يمكن تفادي سقوط عدد كبير من الضحايا وسط الرهائن الجزائريين أو الأجانب، فالهجوم الذي قام به الجيش سمح بتفادي الأسوأ ومكن من عزل الإرهابيين من جماعة »الموقعون بالدماء« في الجزء الخاص بقاعدة الحياة وتفادي وصولهم إلى باقي أجزاء المنشأة الغازية التي كانوا ينوون تفجيرها ومن ثمة إحداث كارثة بيئية واقتصادية الله وحده يعلم مداها ونتائجها. ويبدو أن الوقت الحالي هو للحديث عن تامين المنشات النفطية في الجنوب الجزائري فعملية تيقنتورين سمحت بتجنيب البلاد اعتداء أخر كان الإرهابيون يخططون لتنفيذه بحاسي الرمل، هذا فيما نفذ تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي اعتداء آخر على أنبوب الغاز بالبويرة، مما يعني بان هناك مخطط حقيقي لاستهداف الجزائر عبر ضرب البنى التحتية المتعلقة بالنفط الذي تعتبر عائداته المصدر الأساسي للجزائر، فهذا وزير الطاقة يوسف يوسفي يتحدث عن مراجعة خطط أمن المنشات النفطية في الصحراء الجزائرية، وهذا بالتوازي مع حديث يدور عن شروط وضعتها بعض الدول الغربية التي لها استثمارات ضخمة في ميدان المحروقات في الجزائر للعمل من بينها المشاركة في تأمين المنشات النفطية لتفادي الخسائر وضمان أمن رعاياها وكوادرها. يوسفي نفى بشكل قطعي أن تكون الشركات الأجنبية قد حزمت أمتعتها استعدادا للرحيب وحتى وإن لم ينفي الوزير الجزائري فإن المنطق السليم يقول بان الدول الغربية لن ترحل عن الجزائر وتترك الملايير وراءها لمجرد أنها تعرضت لاعتداء بتيقنتورين بإن أميناس، فمصالحها الحيوية الضخمة وحاجتها إلى النفط الجزائري يجعلها تغامر حتى وإن فرضنا بأن المنشآت النفطية لم تعد آمنة مع العلم أن الجزائر لن تكون كل يوم أمام تيقنتورين جديدة، وما حصل يصعب تكراره، وما حصل قد يضرب في أي بلد مهما ادعى من قدرات أمنية وعسكرية أو استخباراتية، وحتى أمريكا التي تعتبر أعنى قوة اقتصادية وعسكرية في العالم ضربها الإرهاب في عقر دارها في سبتمبر .2001 ويثير التقدم العسكري الفرنسي نحو معاقل التنظيمات الإرهابية في شمال مالي الكثير من التساؤلات، فأين هي القوة التي هددت حركة نصار الدين لأياد غالي وتنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي، فضلا عن حركة التوحيد والجهاد بان تصد بها عساكر باريس وباماكو، أم أن ما يجري في السر أكثر مما يتم الإعلان عنه، فهم فرنسا أن تصل قواتها إلى مشارف كيدال وتتعداها لأن تلامس حواف الحدود الجنوبية للجزائر، وأما حديثها عن الخروج المسرع من مالي وفسح المجال أمام القوات الإفريقية، فالوقت كفيل بتبيان صحته من خطئه، ولا احد يعتقد على كل حال بأن فرنسا دخلت مالي لتخرج منه، هذا في وقت يبدو فيه أن للمجموعات الإرهابية خطط أخرى في مالي، فحرب العصابات التي تقوم بها حركة طالبان ضد المارينز وعساكر الدول المتحالفة مع أمريكا في غزو أفغانستان، قد تشكل مصدر إلهام بالنسبة للمتطرفين في شمال مالي الذين سيخوضون حرب استنزاف طويلة الأمد ضد الجيش الفرنسي وضد الجيش المالي وضد القوات الإفريقية التي ستغامر بدخول المنطقة، وحرب الاستنزاف هذه لن ترحم الجزائر التي هي المعني الأول من الحرب في مالي. لقد تحدث ديفيد كامرون في ختام زيارته عن شراكة إستراتيجية بين الجزائر ولندن لمكافحة الإرهاب، لكن ما جدوى هذه الشراكة إذا كانت عمليات مكافحة الإرهاب في مالي وفي منطقة الساحل الصحراوي تتكفل بها فرنسا باعتبارها صاحبة النفوذ التاريخي في المنطقة، وأين كانت الشراكة الجزائريةالغربية خصوصا الأمريكية في مجال مكافحة الإرهاب مع اعتداء تيقنتورين على اعتبار أن الأمريكيين يزعمون في كل مرة أنهم يستبقون، بفضل تفوقهم الاستخباراتي، عمليات القاعدة، ومؤخرا فقط تحدثت »واشنطن بوست« عما أسمته مخطط للقاعدة لتنفيذ اعتداءات إرهابية في شمال إفريقيا واستهداف مصالح لدول غربية بمنطقة الساحل.