عشية كل شهر رمضان المبارك، سواء أجاءت الإعلانات الحكومية وغير الحكومية تشير إلى ارتفاع الإنتاج أم إلى تراجعه، فإن أسعار المواد الغذائية ترتفع لا محالة، وأحيانا تصل درجة غير معقولة، وهو ما يجعل حديث العام والخاص والنخبة ووسائل الإعلام يركز كله على المواد الغذائية وعلى الفقر وعلى مطاعم الرحمة وعلى قفة رمضان. في علم الإعلام هناك نظرية يطلق عليها إسم " نظرية الأجندة سيتنغ " أي أن اهتمامات الناس تخلقها وسائل الإعلام، فكلما ركزت وسائل الإعلام على قضية معينة ، أصبحت تلك القضية حديث العام والخاص على الصعيد العالمي. كل المواضيع التي تشغل بال الرأي العام هي من انتاج وسائل الإعلام الغربية ومن يفكر لها، ماعدا " قفة رمضان " و " مطاعم الرحمة " ، وارتفاع أسعار المواد الغذائية التي تصنعها الصحف المحلية في العالم العربي والإسلامي. هذه الأجندة حولت شهر رمضان من شهر للعبادة والرحمة إلى شهر للحياة على الأكل والشرب وتوزيع قفة المعوزين على " إهانتها " ، لأن الإحسان قد يأخذ شكلا مفزعا. بالأمس شرعت وزارة التضامن الوطني في توزيع قفة رمضان على المحتاجين، وبالأمس تحدثت الصحف الجزائرية على أن سعر الدجاج بلغ 380 دج للكلغ، وفي الإذاعة الجزائرية سمعنا تعاليق للمواطنين يقولون فيها أنهم لم يكونوا يحلمون أصلا باللحوم الحمراء، وأن عهدهم بها انتهى منذ زمان، كل حلمهم هو " اللحوم البيضاء " أي " الدجاج " لكن بمثل هذا السعر فحتى الدجاج يصبح بعيد المنال. في الأردن قبل يومين دعت جمعية حماية المستهلك إلى شن إضراب عام، يتمثل في مقاطعة شراء " اللحوم البيضاء " بسبب ارتفاع أسعارها، لاعتقاد الجمعية أن " المقاطعة أسلوب فعال " في يد الضعفاء لانتزاع حقوقهم من التجار والبزنسية ومن يضع أجندتهم. من الثابت أن الذي يأكل اللحوم الحمراء حتى التخمة، ويأكل السمك إلى حد غير معقول ، ويستهلك اللحوم البيضاء إلى درجة التبذير، قد مات في نهاية المطاف. ومن الثابت أيضا أن الذي لا يستهلكم اللحم بأنواعه قد عاش حينا من الدهر. صحيح أن الفقراء ما جاعوا إلى بما تمتع به الأغنياء، وصحيح أن الفقراء بإمكانهم أن ينقلبوا فاعلين على خشبة المسرح الدولي. لكن الأصح أن رمضان هو امتحان حقيقي للتضامن الإنساني.