وجهت العديد من المنظمات المهنية والتجارية مؤخرا نداءات مستعجلة لكافة متعاملي أسواق الجملة للمواد الغذائية ذات الاستهلاك الواسع، لالتزام التعقل وتجنب تكرار سيناريو جنون الأسعار الذي عاود الظهور بحلول شهر رمضان، موازاة مع إطلاق المجتمع المدني لحملات استغاثة واسعة انطلقت من مساجد وزوايا العاصمة، لقطع الطريق أمام التجار الطفيليين الذين أصروا كالعادة على عدم تفويت فرصة الشهر الكريم من دون متاعب إضافية تثقل كاهل المواطنين. وشهدت أسعار المواد الغذائية ذات الاستهلاك الواسع ارتفاعا محسوسا في أغلب الأسواق الجوارية للعاصمة، بعد أن عرفت استقرارا ملحوظا طوال الأشهر القليلة الماضية، من خلال الوفرة النسبية للمنتوجات الفلاحية الموسمية، التي ساهمت بشكل كبير في تخفيف العبء على فاتورة الاستيراد، حيث نجحت وزارة رشيد بن عيسى من خلال صندوق ضبط المواد الفلاحية الواسعة الاستهلاك في إضفاء طابع الوفرة الذي انعكس إيجابا على تحسن أسعار غالبية المنتجات الفلاحية، على غرار مادتي البطاطا والطماطم، أياما بعد دخول نظام التخزين الجديد حيز التطبيق. ولم يدم الاستقرار النسبي الذي عرفته أسواق الخضر والمواد الغذائية الأخرى طيلة الصائفة الماضية طويلا، حتى استيقظ المواطنون والمنظمات المهنية والتجارية على وقع ارتفاع محسوس في الأسعار، أعاد للأذهان سيناريو الارتفاع الجنوني الذي تعرفه الأسواق على وقع اقتراب الشهر الكريم. ------------------------------------------------------------------------ تبريرات متضاربة لوضعية متوقعة ------------------------------------------------------------------------ ويرى متتبعون للشأن الاقتصادي بالجزائر أن الارتفاع المحسوس لأسعار الخضر والمواد الغذائية المختلفة عبر مختلف الأسواق المحلية لم يعد محل استغراب للمواطنين رغم تضارب التبريرات في تعليل هذه الزيادة التي تربط عادة بارتفاع أسعار المواد الغذائية ذات الاستهلاك الواسع في الأسواق الدولية، فيما تذهب بعض المصادر إلى التأكيد على أن هذا الارتفاع القياسي ليس سوى وليدا لسياسة محلية تتحكم فيها بارونات السوق، وتعجز مصالح المراقبة ومكافحة الغش عن ضبطها لاعتبارات مربوطة بموازين العرض والطلب. واستمرت أسعار الخضر والمواد الغذائية الأخرى في الارتفاع أياما قبل حلول رمضان، حيث ارتفع سعر البطاطا إلى أكثر من 20 دينارا ليصل إلى 35 دينارا للكيلوغرام الواحد، بعد أن سجل أدنى مستوى له الشهر الماضي ببلوغه سقف 15 دينارا في معظم الأسواق الشعبية للعاصمة، مدفوعا بوفرة مخزون البطاطا الذي وصل إلى ما يزيد عن 150 ألف طن منتصف أوت الجاري، مباشرة عقب تطبيق إصلاحات برامج التجديد الفلاحي والريفي التي باشرتها الوزارة الوصية مؤخرا. كما امتد الارتفاع ليشمل أسعار الطماطم التي شهدت بدورها مستويات دنيا خلال الأشهر القليلة الماضية، بعدما اقتصر سعرها على ما دون ال 10 دنانير للكيلوغرام الواحد، الأمر الذي تسبب في أزمة حقيقية لدى مصانع التعليب، انجر عنها غلق 13 مصنعا للطماطم المصبرة، وهو المشكل الذي سارعت مصالح وزارة الفلاحة إلى حله عقب لقاءات جمعت المسؤول الأول عن القطاع بمدراء الغرف الفلاحية لكامل ولايات الوطن، حيث استقر سعرها حاليا عند سقف 60 دينارا للكيلوغرام الواحد، وهو ما ينطبق على أسعار القرعة التي تجاوزت عتبة 120 دينار، شأنها في ذلك شأن السلاطة التي قاربت 112 دينار، بعدما اقتصر سعرهما على 50 دينارا فقط أياما قبل حلول الشهر الكريم، إضافة إلى ذلك فإن ذات الارتفاع قد طال كلا من الجزر الذي وصل سعره إلى 60 دينارا، في حين كان يقدر الكيلوغرام الواحد منه قبل أسابيع بين 30 إلى 40 دينارا. وكانت العديد من المنظمات المهنية قد حذرت من تبعات هذا الارتفاع على القدرة الشرائية للمواطنين، موجهة نداءات يقظة لحملهم على إخطار المصالح المعنية بأية تجاوزات قد تحدث خلال هذا الشهر، حيث لجأت إلى وضع رقم أخضر تحت تصرفهم (041.53.46.22) بغرض تقديم شكاويهم المتعلقة بنوعية أو أسعار المواد الغذائية المتواجدة عبر الأسواق الجوارية، بعد أن اكتشفت ذات الهيئات وجود أنواع من البرقوق المجفف من نوعية مشبوهة تباع في السوق السوداء. وقد أخطرت مصالح الاتحاد عديد التجار والمستهلكين قبل أن تعاين بنفسها وجود هذه المادة المتعفنة معروضة للبيع على طاولات التجار غير القانونيين الناشطين بقرب الأسواق العمومية التابعة لولاية وهران. ------------------------------------------------------------------------ نداءات لالتزام التعقل ------------------------------------------------------------------------ وكان الاتحاد العام للتجار والحرفيين الجزائريين قد دعا قبل بداية الشهر الكريم التجار إلى تجنب رفع أسعار مختلف المواد الاستهلاكية، وحثهم على التعاون مع السلطات العمومية المكلفة بمراقبة السوق، قصد تفويت الفرصة على التجار الطفيليين الذين يستغلون مثل هذه الفترات في زيادة مكاسبهم على حساب القدرة الشرائية للمواطن. ووجه الاتحاد العام للتجار والحرفيين الجزائريين نداءات إلى تجار الجملة والتجزئة دعاهم فيه إلى ''التبصر'' وإبداء روح ''التعاون'' مع جميع المصالح المختصةّ، وعلى رأسها وزارة التجارة لتنظيم الأسواق خلال شهر رمضان الكريم، معتبرين ذلك الطريقة الأمثل لتفويت الفرصة على أرباب التجارة الموسمية. وفي السياق ذاته، حث الاتحاد العام للتجار والحرفيين كافة تجار الجملة والتجزئة للمواد الغذائية والخضر والفواكه وأصحاب المخابز ومحال الحلويات والجزارين أن يجعلوا من شهر رمضان شهرا للرحمة، عن طريق مساهمتهم في استقرار وضعية السوق الوطنية. وجاء نداء الاتحاد متزامنا مع الارتفاع الملحوظ الذي سجلته أسعار المواد الاستهلاكية بمختلف أنواعها قبل أسابيع من أول يوم لشهر رمضان. كما عمدت كل من وزارتي التجارة والشؤون الدينية مؤخرا إلى إصدار نداءات مشتركة لحمل التجار على التعقل والتزام الموضوعية حيال الوضعية التي يرتقب أن تتفاقم مع مرور أيام على دخول رمضان، في حين لجأت وزارة التضامن الوطني إلى برمجة غلاف مالي للتكفل بالفئات المعوزة التي لم يعد باستطاعتها مسايرة التطورات الأخيرة للسوق المحلية. ------------------------------------------------------------------------ الحكومة تسارع لاحتواء الوضع ------------------------------------------------------------------------ أعلن الهاشمي جعبوب وزير التجارة عن تخصيص 5ر2 مليار دولار لدعم أسعار المواد الغذائية خلال شهر رمضان المبارك. وقال وزير التجارة الجزائري الهاشمي جعبوب في تصريح للصحافة الوطنية إن الحكومة اعتمدت هذا المبلغ لدعم أسعار المواد الغذائية الأساسية من بينها الخبز والحليب والزيت والبقول الجافة، مؤكدا أن الحكومة ستبذل كل جهودها لمواجهة موجة ارتفاع الأسعار خلال شهر رمضان للحد من التأثير السلبي الذي تخلفه على المواطنين. وجاءت تصريحات وزير التجارة في أعقاب اجتماع عقده قبل شهر رمضان بأيام مع كل من وزير التضامن الوطني وشؤون الجالية الجزائرية في الخارج جمال ولد عباس ووزير الشؤون الدينية والأوقاف بوعبد الله غلام الله. من جانب آخر، أعلن رجل الأعمال الجزائري اسعد ربراب رئيس مجمع سيفتال لإنتاج المواد الغذائية عن تخفيض أسعار أهم المواد الغذائية خلال شهر رمضان المبارك، في خطوة تهدف إلى المساهمة في رفع القدرة الشرائية للمواطنين خلال هذه الفترة، تزامناً مع الارتفاع الذي تعرفه أسعار معظم الخضر والمواد الغذائية، في حين أبدت مديرية ضبط وتنمية الإنتاج الفلاحي على لسان رئيسها أصباح عمار عن استعدادها الكامل للتدخل الميداني في حال تجاوز أسعار الخضر لمستويات معقولة. وفي سياق متصل، أعلنت شركة حمود بوعلام المتخصصة في المشروبات الغازية، عن تثبيت أسعارها في كل نقاط بيعها، مع مراقبة تجاوزات الاستغلاليين الذين يعمدون إلى رفع الأسعار.