محمود الزّهار، أحد أهم مؤسسي حركة حماس الفلسطينية وعضو قيادتها السياسية، شغل منصب ووزير الخارجية في حكومة إسماعيل هنية التي شكلت في مارس .2006 يمثل حاليا النواة الصلبة لحركة حماس، يطرح في هذا الحوار مواقفه من نقص المساندة والدعم العربيين لغزة ويعرب عن استعداد حماس للمصالحة وفق بنود التي تم الاتفاق عليها، ويحمّل الرئيس الفلسطيني فشل التقارب بين حماس وفتح . ماذا بعد العدوان الإسرائيلي الأخير منذ شهرين على غزة، كيف كانت تأثيراته الايجابية والسلبية على حركة حماس؟ يمكن رصد الايجابيات والسلبيات على الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، بالنسبة للسلبيات عندنا في الجانب الفلسطيني، فإنها تتمثل في هدم البيوت، وهدم المؤسسات ومن بينها مقرات الوزارات، وهي العملية التي تكررت في خلال السبع سنوات الأخيرة، ثلاث مرات ففي الحرب التي شنوها علينا في سنة 2006 بعد خطف الجندي شاليط، والتي استمرت لمدة أسبوعين، دمروا معظم البنى التحتية، وبصفة خاصة محطات الكهرباء والجسور التي تصل بين مدينة غزة والجنوب، والآن تم ترميمها، وفي حرب 2008 حدث نفس الشيء، وكذلك الشأن بالنسبة للحرب الأخيرة ، حيث يجري الآن حصر كل الخسائر والعمل على إصلاحها. وبخصوص الإيجابيات، فالكل يعلم، أن الذي حدث هو أنه انتصار، ليس انتصارا حاسما بمعنى تحرير كل الأرض، ولكنه انتصار له معناه. أما بالنسبة للجانب الآخر، فإن الاسرائيليين هم الخاسرون بالدرجة الأولى، لأن النظرية الصهيونية بينت على الأمن والاستثمار، وكل الحروب التي تمت بين العدو الإسرائيلي وبين الشعب الفلسطيني، كانت فيها إسرائيل دائما تحافظ على الأرض المحتلة عام 1948 بعيدا عن المواجهة، إلاّ هذه المعركة أصبحت ساحة فيها المعركة ليس غزة فقط، ولكن كل المنطقة الجنوبية لفلسطينالمحتلة، بما فيها وسط البلاد المحتلة، وهي القدس وتل أبيب، وبهذا ضرب الفلسطينيون مشروع الأمن القومي الإسرائيلي في الصميم ، مما أدى إلى هجرة معاكسة لليهود، وأدى أيضا إلى انحصار الاستثمار المبني على الأمن في إسرائيل، حيث تلقى ضربة كبيرة، و قدرت خسائر العدوّ الإسرائيلي في هذه المعركة بأكثر من 3 ملايير دولار ... و نستطيع أن نقول أن التداعيات السلبية للحرب الأخيرة ، يمكن علاجها عندنا، أما السلبيات في الجانب الإسرائيلي، فهي خطيرة وعميقة. وقد تكررت هذه القضية مرات ومرات، فالعدو الإسرائيلي يعيش الآن في أزمة حقيقية، تتمثل في تآكل مشروع الأمن القومي الإسرائيلي، وبالتالي فلا بد من أن يحاول استعادة هذه العملية بضربة أخرى، ربما تعطيه شيء من الانتصار أو تعطي المستوطن الإسرائيلي شيء من الانطباع بأن العدو الإسرائيلي لا يزال يملك زمام المبادرة، ولا يزال يستطيع أن يعمل توازن رعب أو وسائل ضغط ورعب على الجانب الفلسطيني ... ولذلك نحن نحاول أن نحصن أنفسنا ، ونستعيد قواتنا ، ونرمم ما دمره الاحتلال. ونعتقد أن العدو له بعض المشاكل حول الانتخابات، ولا يستطيع أن يدخل في أجواء حرب الآن ، لكن بعد بحسب مشروع حكومة الأغلبية في الكيان الإسرائيلي وبرنامجها، ستتضح ملامح الصورة أكثر... ما هي أهم نقاط الاتفاق وقف إطلاق النار بينكم وبين الاسرائليين،أعتقد أن تم الاتفاق على زيادة مسافة المياه الإقليمية الفلسطينية وبعض الأمور المتعلقة بدخول السلع والمواد إلى غزة ... ؟ بالنسبة للناحية الاقتصادية، هذا تحصيل حاصل، فقد تم في الاتفاق على السماح بتمديد تحرك الصيادين في البحر، وتوسيع مساحة أراضي الفلسطينية حتى تلك المساحة الفاصلة بين الحدود . وعندما نمر في البحر إلى 6 أميال »حوالي 11 كم«، فإننا نعطي الفرصة لقطاع كبير من الصيادين، بأن يعودوا إلى مهنة الصيد البحري، التي كادت أن تنقضي في السابق. والآن هناك من الصيادين من حقق أرقاما قياسية في دخلهم اليومي، وهذا ينعكس على الاقتصاد الفلسطيني. إضافة إلى توسيع مساحة الأراضي قرب الحدود التي كان ممنوعا الاقتراب منها ، ومن يدخلها يتم قتله من قبل الإسرائيليين، فالآن أصبح ممكنا الدخول فيها، وهذه أرض خصبة وقد بدأت عملية زراعتها من قبل الفلسطينيين. وهي أرض مهمة أيضا لمشروع المقاومة، فالعدو كان دائما يحاول تقليص مساحة قطاع غزة. ماذا كسبت »حماس« من الناحية السياسية إثر العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة ؟ المكاسب كثيرة ... الأمة العربية كلها جاءت إلى غزة حتى أثناء الحرب، رئيس وزراء مصر ووزراء الخارجية العرب، وممثلو الجامعة العربية ، كلهم زاروا غزة أثناء الحرب، أولا، هذه إحدى وسائل كسر الحصار السياسي. وثانيا، أنه لأول مرة يتم الاستشعار بأن هناك إمكانية لإيلام العدو الإسرائيلي بعد سلسلة من الحروب التي كانت كلها هزائم لأمة العربية. وثالثا، الحرب بيننا وبين العدو الإسرائيلي هي حرب على الإنسان والأرض، فإذا أصبح الإنسان الإسرائيلي يفكر في الهجرة من إسرائيل، وهناك الآن ما يقارب 750 ألف إسرائيلي يعتزم الهجرة المعاكسة أي خارج إسرائيل، كما أن هناك عدد من الإسرائيليين يفكر في التنازل عن الجنسية الإسرائيلية، والذهاب إلى البلاد التي جاء منها. فنحن بضربنا الأمن القومي الإسرائيلي نستطيع أن نزعزع الجبهة الداخلية للعدو، وفي نفس الوقت يعتبر هذا انتصارا وقضية مهمة لدى الدول العربية. هل لمستم أن الدعم والمساندة العربيين خلال العدوان الإسرائيلي الأخير، كانت أكثر مما سبق خلال الحروب التي شنتها إسرائيل على غزة في السنوات الأخيرة؟ كانت سياسية أكثر... قطر فقط قامت بمشاريع مهمة، مثل ترميم شارع صلاح الدين وهو شارع رئيسي بطول 35 كم في غزة، وشارع الشاطئ نفس الشيء، أيضا تقوم قطر بانجاز آلاف الوحدات السكنية لصالح السكان الذين هدمت بيوتهم، وهذه مشاريع مهمة . وماعدا هذا ، فأن الدعم والمساندة العربية هي ذات طابع سياسي... وبخصوص الدور المصري، هل لاحظتم، أنه حدث تغيير بعد رحيل الرئيس السابق حسني مبارك؟ مصر فتحت حدودها تماما لمن يريد أن يسافر، فالخارج والداخل مسموح له يالمرور حاليا، بعدما كان من قبل ممنوعا، حيث أنه في سنة 2010 لم يخرج أي أحد حتى في أيام الحج، أما الآن فتغير الأمر، حتى أن المساعدات التي تأتي إلى غزة عبر مصر تدخل... ولكن بقيت بعض الأمور عالقة منها، هل يمكن ترتيب موضوع معبر تجاري بيننا وبين مصر؟ هذا موضوع مازالت تعترضه بعض الإشكاليات ، وأبو مازن »يقصد الرئيس الفلسطيني محمود عباس« وسلطة رام الله هي المسؤولة عن تعطيله. تقصدون معبر رفح... نعم ... هم يحاولون تثبيت صيغة المعبر التي انتهت صلاحياتها في اتفاقيات ,2005 ويضغطون على الأمة العربية وخصوصا على مصر، بأن يبقى هذا المعبر خاضعا لاتفاقيات سابقة »هذه الاتفاقيات أقرت برقابة أمنية من قبل إسرائيل والاتحاد الأوروبي على معبر رفح، على أن يتم تسييره من السلطة الفلسطينية« وذلك تحت تبريرات كاذبة منها حتى لا تذهب غزة إلى مصر وتبتعد عن القضية الفلسطينية، ويريدوننا أن نبقى تحت سلطة الاحتلال حتى نحافظ على الصورة القانونية التي يريدونها. ولكن غزة لا تذهب إلى أي كان، فقد كانت بين سنوات 1948 إلى 1967 تحت الإدارة المصرية، و لم تغير هويتها الفلسطينية، ولكن هذه هي سياسة أبو مازن، وإسرائيل وأمريكا التي تحاول أن تضغط اقتصاديا على حماس حتى تخرجها من المشهد السياسي. الآن ، مازالت لا تدخل كثير من المواد عبر معبر رفح إلى غزة، ومنها مواد البناء...؟ من الجانب الإسرائيلي، بدأت تدخل غزة »عبر معبر كرم أبو سالم الإسرائيلي« منذ بداية شهر جانفي، بعض مواد البناء، وهي الحجارة المكسورة، التي تستعمل في رصف الشوارع... هل تعتقدون أن ما سمي ب»الثورات العربية« أو »الربيع العربي« قد أثرت وستؤثر على القضية الفلسطينية ؟ دعني أسميها الصحوة الإسلامية، هي ليست ربيعا عربيا في الحقيقة، هي »صحوة إسلامية«. شعوب وجدت نفسها تخرج لتعبر عن عقيدتها، لذلك تجد أن معظم هذه الثورات أو هذه الصحوات انتهت بوضع الإسلاميين في موقع الحكم. بالتأكيد أن ذهاب الرئيس مبارك بالذات أثر ايجابيا على القضية الفلسطينية، فمبارك كان ضد حماس، ضد برنامج المقاومة المسلحة ضد العدو الإسرائيلي، وكانت علاقته مع العدو الإسرائيلي علاقة طيبة جدا، فالحرب التي شنت علينا في ,2008 هو الذي دعمها من مصر، وبالتالي بعد ذهابه، اختلفت الصورة، لكن ترجمة هذه الثورات أو »الصحوات« على أرض الواقع بصورة قوية، خاصة من الجانب المصري، مازالت لم تتحقق بعد، بسبب الإشكالات الداخلية. هذا يعني أن حماس، مازالت لم تكسب بعد ، من التغيرات التي حدثت في الدول العربية إثر الثورات..؟ لا، حماس كسبت، ولكن ليس بالقدر الكافي ... لا بد أن نثبت حماس وبرنامج المقاومة، وبودنا أن نحقق برنامج المصالحة، ولكن ليس لصالح أبو مازن، الذي يتعاون مع إسرائيل، ولا يؤمن بالمقاومة حتى أنه لم يرمي حجر على العدو الإسرائيلي. ومن هنا نرى أنه حتى الآن، مازالت المكاسب السياسية لحماس ليست بالحجم الذي يجب أن تكون عليه. بالنسبة للمصالحة الوطنية بين الفلسطينيين، هل يمكن القول إن حماس بدأت تنظر للقضية بشيء من المرونة بعد أن سمحت لحركة فتح بإقامة احتفالات ذكرى تأسيسها في غزة لأول مرة منذ سنوات، وقد شاهدت شخصيا جو احتفالات »الفتحاويين« في شوارع غزة، وفي إحدى ساحاتها العمومية خلال تواجدي في القطاع؟ هناك ، فرق في أن تترك الناس يعبرون عن آرائهم في الضفة وفي القطاع، وبين تطبيق برنامج المصالحة. فبالنسبة لتطبيق برنامج المصالحة، تم الاتفاق على تطبيق بنود محددة في القاهرة، وسيتم الوصول للمصالحة بتطبيق هذه البنود، الطرف الفلسطيني في الضفة الغربية لا يريد تطبيق هذا الموضوع لثلاثة أسباب: السبب الأول هو أن الولاياتالمتحدةالأمريكية لا ترغب في ذلك علنا، والثاني أن العدو الإسرائيلي لا يرغب في ذلك هو أيضا علنا، والثالث هو أن أبو مازن لا يستطيع تغيير الموقفين الأمريكي والإسرائيلي، وبالتالي يحاول أن يجد حججا، مثل فتح اللجنة المركزية للانتخابات، ويريد أن يهرب من الاستحقاقات التي تم الاتفاق عليها، انتخابات تشريعية ورئاسية ومجلس وطني خارجي، هو يريد أن يجري انتخابات في المناطق الداخلية ليتم تزيورها في الضفة الغربية، ولا يريد إجراء انتخابات مجلس وطني في الخارج، لطن بحسب الاتفاق هي رزنامة واحدة ولا ينبغي تجزئتها، وهذا ما تطالب به حماس... من جانبكم في حماس، ماذا قدتهم لتحقيق المصالحة الفلسطينية..؟ حماس هي التي قدمت بنود المصالحة، والملفات الخمسة التي نوقشت، ونحن على استعداد لتطبيقها طالما يلتزم الطرف الآخر »يقصد دولة فلسطين« بتطبيقها، وحتى الآن أنا أشك في إمكانية تطبيقها من قبل أبو مازن... ألا تعتقدون الآن، انطلاقا من الظروف الدولية والعربية والإقليمية، وحتى الداخلية، بان الوقت قد حان لتطبيق المصالحة الفلسطينية ؟ الوقت كان مناسبا منذ اللحظة التي وقعت فيها بنود الاتفاق المصالحة منذ سنتين أي في ,2010 وتفاوضنا على ذلك منذ أربع سنوات. ولكن مماطلة الطرف الآخر، كما ذكرت، عطل الفكرة، وعلى كل، نحن في حماس كنا جاهزين للمصالحة منذ لحظة التوقيع، ومازلنا جاهزون لها.