آثار العدوان الاسرائلي الأخير على غزة ، (بين 14 و 21 نوفمبر 2012 ) مازالت ماثلة للعيان ، ففي بوابة معبر رفح من الجهة الفلسطينية، قابلتنا بقايا سيارة قائد زكتائب القسامس أحمد سعيد الجعبري، الذي استهدفته إسرائيل و اغتالته بصواريخ طائرات زف 16س ، في بداية العدوان الأخير.وفي قاعة المعبر رسمت لوحة جدارية لصور أطفال من الضحايا، وكانت بقايا الصواريخ التي استهدفت المدنيين في إحدى زاويا القاعة ، شاهدة على عنف العدوان وهمجيته ، ففقد بلغ عدد الضحايا 136 قتيلا، نصفهم من الأطفال و عدد المصابين بجروح أكثر من 941 شخصاً، بحسب المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان. إنتظار ليس كالانتظار زيارة وفد حركة البناء الوطني، الذي كنت ضمنه كصحفي، كانت بهدف الوقوف على آثار العدوان، والتضامن مع الشعب الفلسطيني... وصلنا قطاع غزة مساء يوم الخميس 10 جانفي، بعد رحلة عبر البر دامت أكثر من 8 ساعات، جبنا خلالها صحراء سيناء انطلاقا من القاهرة، الاسماعلية ثم العريش، وقضينا ما يقارب أربع ساعات أخرى في معبر رفح من الجهة المصرية في عملية إجراءات إدارية و أمنية بدت مملة... كان عدد المنتظرين في قاعة المعبر يتجاوز المائة شخص، أغلبهم من سكان غزة، وكنا وفدان جزائري وآخر مصري ... خلال ساعات الانتظار، وزع صديقنا عبد الحميد ، تمرسدقلة نورس التي جلبها من ورقلة ، على معظم المسافرين العابرين نحو غزة ، وعندما عرفسالغزاويينس أننا جزائريين، طبع الابتهاج ملامحهم ، وعبروا عن ترحيبهم بنا ، فمثلما للجزائريين عاطفة خاصة تجاه الفلسطينيين، فإن الكثير من الفلسطينيين لهم إحساس خاص تجاه الجزائريين، أحد الأساتذة الفلسطينيين في الجامعة الإسلامية في غزة، جاء خصيصا لاستقبالنا عندما علم أننا جزائريون ، قال أنه كان ضمن هيئة التدريس في جامعة الشلفبالجزائر، في قسم الهندسة المدنية ، كان يتكلم معنا بالعربية وكذلك بالفرنسية ، التي ربما لم يستعملها منذ مدة ، ذكر أنه مكث في الجزائر أكثر من خمس سنوات وغادرها في بداية التسعينيات . يأمل بتعاون الجامعة الجزائرية مع جامعة غزة ، التي هي أعرق الجامعات في القطاع تأسست سنة ,1978 وقد استهدف العدوان الإسرائيلي جناح المختبرات فيها، ودمره كليا ، والآن يعاد بنائه... نفس الشعور تجاه الجزائريين، لمسناه لدى أفراد المقاومة من زكتائب القسامس الذين زرنا أحد مرابطهم و مواقعهم المتقدمة، حيث أكدوا لنا أنهم ز تعلموا من ثورة التحرير الجزائرية معنى الصبر والصمود والدفاع عن الوطن وهزم المستعمرس... ويسود الاعتقاد لدى بعض الغزاويين أن السلطات الجزائرية تحدثت مع السلطات المصرية في عهد الرئيس المصري السابق محمد حسني مبارك بخصوص التنازل عن الفوز في مقابلة كرة القدم بين الجزائر ومصر في إطار تصفيات كأس العالم 2010 بأم درمان بالسودان، لصالح مصر مقابل أن تقوم بفتح معبر رفح لسكان القطاع، ولكن النظام المصري رفض ذلك ،هكذا يقول أحد الصيادين العاملين في ميناء غزة. قيل لنا أن المدة التي قضيناها عند دخولنا غزة ، وهي أربع ساعات ، مدة عادية لدخول أو خروج أي مسافر عبر معبر رفح ، مقارنة بما كان في السابق، و لكن رغم انقطاع الكهرباء، وتعطل أجهزة الكمبيوتر، فإن الساعات الأربع ، كانت أطول فترات الانتظار في حياتي وأشدها تأثيرا من حيث التوتر والقلق اللذان انتابان، فالخشية كانت واضحة علينا من رفض السلطات المصرية دخولنا إلى غزة ، أو بالأحرى، أن يتم رفضنا من قبل من يقف وراء منح تصاريح الدخول... فقد ساورنا الشك ، خاصة أننا جزائريين، واعتقدنا بأن الاسرائليين ربما مازالوا يتحكموا في المعبر بطريقة غير مباشرة على خلفية اتفاقية السلام ز كامب دايفيدس التي وقعتها مصر في عهد الرئيس السادات ,1978 أو اتفاق المعابر سنة 2005 - الذي يقول البعض أنه مازال ساري المفعول حاليا . أشهر المعابر وأكثرها تسييسا معبر رفح أشهر المعابر في العالم ، يعرفه كل الناس، العرب وغير العرب ... كان ومازال محل خلافات وصراعات سياسية بين إسرائيل ومصر، وبين مصر والسلطة الفلسطينية ، ثم بين السلطة الفلسطينية وحركة حماس، ووسط هذا وذاك، كان التدخل الإسرائيلي واضحا، والضغوط الأمريكية ظاهرة للعيان. فقد مر المعبر بعدة مراحل حيث تناوبت على تسييره والإشراف عليه عديد الجهات، ففي سنة ,1982 بعد انسحاب إسرائيل من سيناء، أعيد فتحه ، وأخضع لإدارة سلطة المطارات الاسرائلية . وفي عام 1994 ، تمت إدارته وفقا لاتفاقية القاهرة بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية في إطار اتفاق أوسلو، حيث تم إخضاع المعبر لتسيير إسرائيلي - فلسطيني مشترك ، مع بقاء المسؤولية الأمنية في يد الاسرائليين الذين منعوا عبور الكثير من الفلسطينيين . ومع الانتفاضة الثانية في سنة 2000 تم منع دخول المركبات ، وبعد انسحاب إسرائيل من القطاع في عام 2005 ، تم إخلائه لأول مرة من الاسرائليين اثرساتفاق المعابر زبين إسرائيل والسلطة الفلسطينية بوساطة الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي، وقام الفلسطينيون( من السلطة الفلسطينيةلرام الله) بتشغيل المعبر ظاهريا بمفردهم ، ولكن واقعيا كان يسير وفقا لرقابة اسرائلية وحضور لممثلين أوربيين، كانوا يتابعون الحركة عبر غرفة خاصة موجودة في معبرس كرم أبوسالمس الإسرائيلي ? الغير بعيد عن رفح - عبر الصور التي تلتقطها 30 كاميرا فيديو مثبتة في أرجاء معبر رفح ... و عاد الصراع حول المعبر ليتأجج إلى أقصى درجات حدته منذ جوان عام ,2007 تاريخ بسط سيطرة حركة حماس على قطاع غزة، حيث تم تجميد اتفاق المعابر، فانزاح الحرس الرئاسي التابع للسلطة الفلسطينية وعوضه ممثلو حماس، ورحل المراقبون الأوروبيون، وتعذر الاسرائليون بعدم وجود هيئة فلسطينية شرعية لإدارة المعبر، وتم إغلاقه من الجهة المصرية إلا للحالات الاستثنائية حتى عام 2009 . وأصبح رفح ومازال منذ ذلك الوقت حلقة صراع سياسي بين مصر وإسرائيل، والسلطة الفلسطينية وحماس. كنت أسترجع هذه المعلومات التي قرأتها عن المعبر، وتذكرت جدار برلين الذي فصل لسنوات عديدة ألمانياالشرقية عن ألمانيا الغربية ، وفي نهاية الأمر أزيح ، وأصبح من التاريخ . تمنيت أن يصبح معبر رفح مجرد نقطة حدودية عادية، خاصة أن الوضع تغير في مصر ... على مشارف القدس المهم ... دخلنا غزة بعد أكثر من ثماني ساعات قطعناها عبر الطريق الصحراوي بسيناء من القاهرة في اتجاه غير بعيد عن بورسعيد، وبالضبط عبر طريق الإسماعيلية والعريش، وصلنا غزة ساعة الغروب، ضمن وفد من حركة البناء الوطني الجزائرية التي يتزعمها مصطفى بلمهدي، التي تزور القطاع للمرة الثانية ، للتضامن مع سكانها والوقوف على عملية انجاز بعض المشاريع التنموية التضامنية التي ساهمت ماديا في دعم انجازها منذ العام الماضي . وكانت ساعة ونصف ساعة أخرى ، قضيناها من رفح إلى الفندق بوسط مدينة غزة عبر حافلة تابعة لإحدى شركات النقل في القطاع ، كنا نتجه من جنوب القطاع إلى شماله ، بمحاذاة مدن زخان يونسس ، زدير البلحس ثم غزة ، وبقيت أمامنا مدن أخرى هي زجبالياس وسبيت لاهياس وسبيت حانونس في أقصى شمال القطاع وهي المدن التي تتاخم حدود الأراضي المحتلة. على كل حال المسافات ليست بعيدة ، وقطعها لا يتطلب سوى ساعات قليلة ، كنا على مشارف القدس فلولا الاحتلال الإسرائيلي لتوجهنا نحو ها، حيث لم يعد يفصلنا عنها سوى 79 كم، أي بما يقارب ساعة وربع ساعة من الزمن ... وهي قريبة لمن قطع أكثر من 4000 كم ، وقضى أكثرمن 20 ساعة في الطريق ... تمنينا أن نصلي في مسجدها الأقصى، ولكننا اكتفينا بالصلاة في المسجد العمري . الحياة لا تنتهي في غزة ، فليست مدينة الجحيم أو الأشباح ، لا تختلف شوارعها عن أي مدينة عربية أخرى في المنطقة ، ولكن هناك ما يميزها عن غيرها ، فللوهلة الأولى، تتبين أن أعمدة الإنارة العمومية غير موجودة فيها، فالكهرباء ليست متوفرة بكميات كافية ، كما أن الطرق غير معبدة بطريقة جيدة نظرا لمنع الاسرائليين دخول مادة الزفت . ويبقى أهم ما يميز المدينة حاليا هو مظاهر الدمار الذي خلفه العدوان الإسرائيلي الأخير، بنايات مهدمة، وأعمدة خرسانية منهارة ، وماعدا هذا، فإنها لا تبدو مختلفة كثيرا عن المدن العربية الواقعة في المنطقة كالعريش المصرية مثلا ، على الأقل من الناحية العمرانية وحركية التجارة، فمع اقتراب الساعة السابعة مساء كانت حركة المارة والسيارات نشطة وكانت المحلات مفتوحة ، لبيع المواد الغذائية والخضر والفواكه، إضافة إلى محلات أخرى مثل محلات بيع السيارات وغيرها ...عندما التقيت بالدكتور محمود الزهار، أحد القادة البارزين لحركة المقاومة الإسلامية ز حماسس ، ذكرت له أنني تفاجأت ، ولم أكن أتوقع أن أجد غزة، مثلما رأيتها ز، فقال زالبعض يتوقع أن يجد بلدا يعيش في خراب، وشعب يتسول في الشوارع ، ولكن الحقيقة غير ذلك ز.نعم شخصيا كنت أتوقع شيئا أقرب إلى توصيف هذا القيادي، ولكن واقع الأمرمغاير لذلك، فإرادة سكان غزة تفوق كل تصور، وعزة أهل غزة تفوق أي خيال، فالحياة لا تنتهي عند دخول غزة ، بل تبتدئ منها ، وسكانها يتأقلمون مع ظروف الحياة رغم صعوبتها ... وقد كانوا يفعلون ذلك عبر الفترات التاريخية التي مرت بها المنطقة منذ القدم . تشير المصادر التاريخية أن أول مرة ذكر فيها اسم غزة في مخطوطة للفرعون تحتمس الثالث (القرن 15 ق.م). و بعدها ب 300 سنة سكن الفلسطينيونالمدينة وفي عام 635 م دخلها المسلمون. ويوجد بغزة قبر الجد الثاني للنبي محمد صلى الله عليه وسلم هاشم بن عبد مناف فيها، حتى أن البعض يطلقون عليها اسم زغزة هاشمس ، وقد قمنا بزيارة المسجد المسمى باسمه ، حيث يوجد القبر في بيت داخل ساحته . كما تشتهرغزة بمسجد العمري، وهو من أقدم مساجدها وأكبرهم ، بني في القرن الثالث قبل الميلاد ، وكان معبدا بوذيا، ثم حولته الملكة زهيلانةس إلى كنسية ، و أنشأت نفقا يوصله بالبحر، ومازالت بوابة النفق موجودة حتى الآن في ساحة المسجد، فمسألة الأنفاق في غزة ليست مستحدثة . وبعد دخول المسلمين لها في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ? رضي الله عنه ، تحول إلى مسجد وسمي باسمه و مازال محافظا على شكل عمارة بنائه القديمة ، الحجارة البيضاء والرخام . ويقع هذا المسجد في وسط غزة القديمة، بالقرب من سوق الزاوية، أقدم أسواق المدينة ، وهو سوق يجمع بين محلات بيع الذهب من جهة ، وبين عرض كل البضائع من الجهة الأخرى. ويشبه المكان، نوعا ما، حي القصبة العتيق بمدينة الجزائر العاصمة من ناحية ضيق شوارعه ... صلينا صلاة الجمعة في هذا المسجد، وكان الخطيب، من مدينة خان يونس، وهو طبيب درس في الجزائر يرأس جمعية كافل اليتيم، ويتطوع بجمع التبرعات والمساعدات لليتامي وللمرضى المحتاجين، ومن الذكريات التي سأظل أحتفظ بها، أننا صلينا الجمعة وراء الصديق بوسعد الذي كان معنا ضمن الوفد وهو من مدينة تيزي وزو، اختاره الخطيب من بين الحاضرين ليؤم المصلين ... الدولة الموعودة المعروف، أن قطاع غزة يشكل مع الضفة الغربية، نواة الدولة الفلسطينية الموعودة اثر اتفاقيات أوسلو سنة 1993 ... كان ضمن قرار تقسيم الدولتين عربية يهودية الذي أصدرته الأمم المتحدة العام 1947 .ثم دخل تحت الإشراف المصري اثر الهدنة عام 1949 ، واحتله إسرائيل في حرب 1967 ، ثم أعلن منطقة عسكرية لا يسمح بالدخول والخروج منه إلا بتصريح مسبق حتى ,2005 حيث تولت السلطة الفلسطينية إدارته ، وجراء هذا تم إخلاء 25 مستوطنة اسرائلية وتهديمها، كانت تمثل 3,1 من أراضي فلسطين، وتأخذ مساحة معتبرة من مساحة القطاع تقارب 40 بالمائة ، وتسمى هذه المستوطنات حاليا بسالمحرراتز وفيها مزارع الحمضيات وقد زرنا بعضها، قرب مدينة خان يونس، فقسم من هذه المزارع تسيره الحكومة ويضم أشجار الفاكهة كالبرتقال وسالماندرينس و الليمون، الجوافة والمانغا ... وقسم آخر تشرف عليه جمعيات وخواص ويهتم بزراعة الخضار حيث يسد جزء كبيرا من احتياجات السكان بحسب مسؤولي إدارة المزارع ،التي ونحن بين أشجارها كان أزيز الطائرات الاسرائلية زف 16س يدوي فوق رؤوسنا، استغربت الأمر ونظرت نحو السماء ، فلاحظ سائق الحافلة الفلسطيني، انزعاجي وقال زإنهم يتجولون في سماء المدينة لا رادع لهم، فلا رادارات ، ولا صواريخ ز ... فاختراق أجواء غزة عملية روتينية بالنسبة للاسرائليين يقومون بها متى شاءوا وكيفما شاءوا ...فالفلسطينيون يراقبون الحدود بوسائل بسيطة ، بينما الاسرائليون يضعون أجهزة متطورة لرصدها ومراقبتها وقد شاهدنا كاميرات اسرائلية للمراقبة مثبتة على بالونات هوائية في منطقة البريج ... يضم قطاع غزة أكثر من 1 مليون و 700 ألف نسمة في مساحة إجمالية تقدر ب يقارب 360 كم مربع، وهو من أكبر المناطق في العالم كثافة سكانية وتتجاوز نسبة التواجد السكاني في الكم المربع الواحد 5700 نسمة ، في المنطقة المسموح الحركة فيها ، حيث إن ما يقارب 20 بالمائة من مساحة غزة ممنوع دخولها وتشكل مناطق أمنية فاصلة . ويتكون قطاع غزة إداريا، من خمس محافظات، هي محافظة رفح ، القريبة من سيناء بمصر، ومحافظة خان يونس ، وبها بعض الآثار القديمة ، ومحافظة الوسطى، وبهاعدد من مخيمات اللاجئين الفلسطينيين ، مثل دير البلح ، والبريج ، و المغازي ، والنصيرات وهم من لاجيء عام 1948 و يشكلون أغلبية سكان القطاع ، ومحافظة غزة وهي المركز، وخامس المحافظات هي محافظة الشمال، وهي البوابة لعمق الأراضي المحتلة ، وبها معبر ز ايرز ز الاسرائلي ، وبها أيضا بيت لاهيا ، وبيت حانون وتل الزعتر، ومخيم جباليا وهو أكبر مخيم في غزة ، ومنطقتي المطاطرة والسلاطين وجباليا البلد، ومنطقة التوام، وكانت هذه المناطق أكثر المناطق عرضة لضربات الاسرائليين في الحربين الأولى والثانية . ساعات مع المقاومة .. الله والوطن قمنا بزيارة منزل القائد العام لسكتائب القسامس ورئيس أركان المقاومة في فلسطين وعضو المكتب السياسي لحركة حماس، الذي سقط شهيدا اثر استهداف سيارته بصاروخ طائرة ف16 يوم 14 نوفمبر، في اليوم الأول من العدوان الاسرائلي الأخير على قطاع غزة . وقد قدمت عائلته أربعة شهداء، ابنه محمد أحمد، وأخويه فتحي، وحسين ، وحدثنا ابن شقيقه على أنه سبق أن تمت محاولة اغتياله قرب بيته منذ ثلاث سنوات .وقضينا جزء من الليل مع أفراد زكتائب القسامس، حيث تم نقلها إلى ز الرباط ز كما يقول المقاومون، وأمضينا بعض الوقت معس المرابطين ز، شباب يقضون ليلهم في متابعة ما يجري على الحدود في الجانب الاسرائلي، لم يظهر لنا المقاومون سوى القليل من أسلحتهم ، ومن أساليبهم في دحر هجمات العدو، ولكنهم تحدثوا لنا عن اقتدائهم بالثورة الجزائرية وبالثوار الجزائريين الذين كسروا شوكة الاستعمار الفرنسي، ودحروه نحو بلاده خاسرا خائبا ... استرجعوا معنا ذكريات وبطولات بعض زملائهم خلال الحربين الأخيرتين اللتين شنتهما إسرائيل على القطاع في 2008و 2012 ... كنا نشاهد بأعيننا دوريات عسكرية اسرائلية من خلال أضواء سيارتها التي كانت تقطع الطريق الحدودي من الجانب الآخر وتراقب المنطقة ... الحدود ليست بعيدة ، أكثر بقليل من كم واحد والخطر محدق في أي لحظة، لذلك لم نمكث كثيرا في المنطقة ... قبلنا شباب يؤمنون بالله وبالوطن ، متمسكون بالحياة ومقبلون على الموت والشهادة في سبيل الله ومن أجل دحر العدو الاسرائلي وتحرير فلسطين ... هؤلاء هم مقاومو زكتائب القسامس ، زرنا زجبل الريس ز المشهور الذي جرت فيه أعنف المعارك مع العدو الاسرائلي في ,2008 وهو هضبة يطلق عليها مجازا كلمة جبل لانعدام الجبال في غزة ، لها موقعا استراتيجيا هاما لقربها من المدينة والسيطرة عليها تجعلها في متناول قاذفات إسرائيل ... أما في 2012 فلم يتمكنوا من الاقتراب منها كون الصواريخ الفلسطينية ضربت عمق الأراضي .لا أريد الحديث عن موضوع المقاومة كثيرا ... فعندما تشن إسرائيل هجماتها يتحول معظم سكان القطاع إلى مقاومين، بكافة فصائلهم وتوجهاتهم السياسية والإيديولوجية والعقائدية ، حركة الجهاد ، حركة فتح، الجبهة الشعبية وغيرها يشكلون جبهة مقاومة تحت قيادة زكتائب القسامس . فالمواطن في غزة ورث مقاومة المحتل، عن أجداده الذين دافعوا مع القائد صلاح الدين الأيوبي عن القدس أمام الصليبيين، ومثل هؤلاء الشباب المقاومين يعيدون إلى الذاكرة بطولة اللواء المؤلف من ثلاثة آلف جندي فلسطيني، الذي كان تحت إمرة الجيش العثماني و أرغم فرقتين من الجيش البريطاني عام 1917على التراجع نحو العريش في مصر بعد أن كبدهما خسائر فادحة . حماس، هنية وآخرون لم يكن منزل مؤسس حركة المقاومة الإسلامية زحماسس في عام ,1987 أحمد ياسين، الموجود في حي الشعبيس الصبرس يتميز عن المنازل الأخرى، سوى أنه تحول في جزء منه إلى متحف تعرض فيه صور الشيخ مع قادة العالم و يضم مجموعة من مقتنياته، مثل مكتبه وسريره وكرسيه المتحرك الذي استهدفته صواريخ إسرائيل أثناء عملية اغتياله 2004 ، وقبلها لم تسمح بدخول سيارة خاصة بالمعوقين به منحت له ، حيث كانت مركونة لسنوات في معبر رفح. ومنزل إسماعيل هنية رئيس حكومة حماس، هو أيضا يقع في حي شعبي يسمى المخيم الشرقي، يسكنه لاجئون في ,1948 وهو يقترب في شكله من زالعشوائياتز، لكنه يضم مقر الحكومة الذي استقبلنا فيه ، وحدثنا عن ظروف غزة وضرورة تضامن العالم العربي الإسلامي، وعن الإرادة في المقاومة حتى تتحرر فلسطين ... لسنا بصدد كتابة التاريخ، ولكننا نسجل أن احتضان قطاع غزة لحماس وللمقاومة هي من العوامل التي أدت بكثير من المتاعب الاقتصادية والاجتماعية لإسرائيل، حتى تخلت عنه للفلسطينيين تطبيقا لاتفاق أوسلو ,1993 كما تسبب في متاعب أمنية ومازال بالنسبة لإسرائيل. والآن يسود الانقسام الفلسطيني، منذ الانتخابات البرلمانية التي جرت في 2006 .والتي فازت بها حماس أوصلتها الى الحكومة بعد أن تحصلت على الأغلبية المقاعد في المجلس التشريعي ، حيث واجهت متاعب داخلية من فتح ، وخارجيا من قبل المجتمع الدولي الذي طالب منها إسقاط بند مقاومة الاحتلال الإسرائيلي من ميثاقها واعتبرها حركة ارهابية ، وقد أقال رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في 2007 إسماعيل هنية ، من رئاسة الحكومة ونصب حكومة تصريف الشؤون، فرفضت حماس ذلك وبسطت سيطرتها على مؤسسات السلطة في غزة . وتوجد حاليا حكومتان، واحدة في رام الله وأخرى في غزة ، ولكن تبدو هذه الأيام مظاهر التقارب بين الطرفين ، من خلال جولات لقاءات المصالحة الجارية بينهما في القاهرة ، وقد لاحظنا خلال زيارتنا أن حماس سمحت لأول مرة منذ الانقسام بإقامة مهرجان احتفالي لحركة فتح في غزة بمناسبة ذكرى تأسيسها . غزة المحاصرة من ناحية البر، إذا استثنينا الأنفاق الأرضية ، فأن معبر رفح هو المنفذ الوحيد لغزة تقريبا للعالم الخارجي في اتجاه مصر، فهناك 5 معابر اسرائلية لا يسمح فيها بمرور الفلسطنيين. ومن ناحية البحر، فإن المياة الاقليمية المقابلة لغزة محاصرة من قبل إسرائيل أيضا، فلا يمكن المرور اليها، حيث يتم اعتقال كل من حاول دخول هذه المياه مثلما حدث مع ركاب سفينة زمرمرة ز التي كانت ضمن زأسطول الحريةس التضامني والتي وضع لها نصب تذكاري في ميناء غزة، إحياء لذكرى الذين سقطوا ضحية الهمجية الاسرائلية في 2010 ، ولا يسمح الاحتلال حاليا للصيادين الفلسطنيين بالإبحار سوى ب 6 ميل بحري، أي مايعادل 10 كم وهذا بعد اتفاق وقف النار الذي ابرم بعد العدوان الأخير، ويبقى الميناء منعدم النشاط التجاري حيث لا يضم سوى الزوارق الصغيرة الخاصة بالصيادين فقط ... وتمنع اسرائيل من تطوير حقل الغاز زمارين ز المقابل لساحل غزة ولم تتقيد بالتعاون الاقتصادي الذي تنص عليه اتفافيات اوسلو، و تقدر احتياطاته الغازية بترليون قدم مكعب. وقد تم اكتشافه عام 2000 ومنحت السلطة الفلسطينية شركة ز بي جي ز البريطانية امتيازا لبدء الإنتاج فيه لكن المفاوضات التي تمت بوساطة رئيس الوزراء البريطاني توني بلير، فشلت نتيجة شروط اسرائيل المتمثلة بالتزود بالغاز الفلسطيني لمدة 15 سنة ... كما أن الأجواء محاصرة أيضا، حيث أن مطار غزة الدولي، غير بعيد عن رفح والذي بدأ العمل سنة ,1998 وقام برحلات إلى دول عربية ، توقف عن الملاحة الجوية في عام 2001 ، بعد أن تم قصفه من قبل اسرائيل . ومازالت آثار الدمار ماثلة حتى الآن، شاهدناها في برج المراقبة وفي المدرج، حيث تمكث أول مروحية دخل بها القائد الفلسطيني ياسر عرفات إلى غزة ... الحصار يشمل أيضا ، دخول وخروج كل المستلزمات والحاجيات تقريبا ، فمنتجات القطاع الفلاحية لا يمكنها أن تسوق إلى الخارج ، حتى إلى الأراضي المحتلة ، بالرغم من أن قطاع غزة مازال يتعامل بالعملة الاسرائليةس الشيكل ز.كما أن دخول السلع التجارية بأنواعها ممنوع، وكذا مواد الخام ، ومواد البناء والمواد الصناعات والمعدات والآليات والعربات ، فمعبر رفح غير مسموح منه تمرير هذه الأشياء بحسب الاتفاقيات ، والمعابر الأخرى تتحكم فيها إسرائيل كونها تقع في الأراضي المحتلة . وقد تسبب هذا الحصار البري والجوي والبحري بحسب وزير الاقتصاد في حكومة حماس، الدكتور علاء الدين الرفاتي الذي التقينا به ، في صعوبة الوضع الاقتصادي في غزة، حيث أن نسبة البطالة تتجاوز30 بالمائة، ونسبة الفقر تصل إلى 45 بالمائة، وتسجل أزمات حادة في بعض القطاعات مثل الطاقة، حيث لا يتوفر قطاع غزة سوى على 50 بالمائة من احتياجاته من الطاقة الكهربائية، ويضيق الاحتلال الخناق على إدخال الوقود ( المازوت ) إلى المحطة الكهربائية الوحيدة في قطاع غزة، والتي تنتج حوالي 120 ميغاواط لكن لا يمكن سوى تشغيل 60 ميغاواط ، بسبب نقص الوقود، وهذا ما أدى إلى حدوث أزمة كهرباء، حيث يتحدد توزيعها في ثماني ساعات يوميا، ثم تقطع بقية اليوم، وتتفاقم الأزمة في فصل الصيف وفي فصل الشتاء، كما أن المياه المستخرجة مالحة، لذلك فأنه يتم تحليتها وبيعها . وبحسب تقديرات سلطات غزة ، فأن الاحتياجات الأساسية ، تتمثل مثلا في الجانب الصحي في توفير 18 مستشفي و94 مركز للرعاية الصحية الأولية، وتوفير 1770 سرير للمرضى، مع معدات وأدوية . وفي الجانب التعليمي في تأسيس 247 مدرسة وتوظيف 6972 مدرس، وفي الجانب السكني ، تبلغ الاحتياجات 180 ألف وحدة سكنية . ناهيك عن سلسلة طويلة من الاحتياجات الاجتماعية ألأخرى ... متاعب المعبر عند الدخول إلى غزة لم تصادفنا عند العودة وخروجنا من غزة في اتجاه مصر ، فلم تتجاوز مدة انتظارنا في إدارة معبر رفح من الجهة المصرية الساعة من الزمن، فالخروج من مصر ليس كالدخول إليها، حيث تم اختصار الوقت والتشديد في الإجراءات، فقد تم تسليمنا جوازات سفرنا واحدا بواحد، وليس كمجموعة ، كما تم منع صديقنا النائب السابق عمار سليمان من إدخال شجيرتين، جلبهما من غزة، إحداهما برتقال وأخرى ليمون ، وربما قد يكون اسمه وشكله الذي يشبه إلى حد ما العميد عمر سليمان رئيس المخابرات المصرية السابق، هو الذي جعل الضابط المصري إلى اتخاذ إجراء منع تمرير الشجيرتين ... على كل هذا استنتاج مني فقط ...لقد حققت حلم زيارتي لغزة ، كما حققت أمل زوجتي بجلب حفنة من ترابها ... وأقدم هذا الروبورتاج تضامنا مع الشعب الفلسطيني، آملا له أن يفك الحصار على غزة ، وأن يتحرر الشعب الفلسطيني من الاحتلال الاسرائيلي في أقرب وقت ...