وملامح تعديل الدستور الجزائري قد بدت تلوح في الأفق، وإن أقولا مختلفة أحيانا ومتناقضة مرات قد بدأت تدلو بدلوها، فإنه من البديهي القول إن أي دستور هو القانون الأساسي للبلاد والدولة على حد سواء، وأنه أهم وثيقة في الحياة السياسية لأي مجتمع، وطبيعي القول أنه مجموعة القواعد القانونية التي تحدد نظام الحكم وشكله في أي دولة، بما في ذلك تحديد السلطات ووظائفها وعلاقتها فيما بينها ومع المواطنين. وإن تعديل الدستور يعني إدخال تحويرات وتغييرات على نصوص مواده سواء بسبب ضغط شديد لإحداث ما ترقى لأن تكون أقوى من تلك النصوص، أو بغرض تيسير مسايرة التطور المتنامي لحياة الأمة، وسواء كان الدستور مرنا يحق للبرلمان أو السلطة التنفيذية تعديله أو كان جامدا يعدل وفق إجراءات وشروط صارمة. فالدستور الجزائري الذي يتصف بأنه دستور جامد معروف أنه يعرض مشروع تعديله عن طريق البرلمان بثلاثة أرباع أعضاء غرفتيه مجتمعتين، أو عن طريق استفتاء شعبي إذا ما تعلق أمر التعديل بالمبادئ العامة التي تحكم المجتمع الجزائري وحقوق الإنسان والمواطن وحرياتهما، ولا يمس كيفية التوازنات الأساسية للسلطات والمؤسسات الدستورية المادة 176 من الدستور الجزائري. إن الدساتير الجزائرية المتلاحقة المتتالية الشمولية منها اوالانفتاحية بما في ذلك التي طالتها يد التجميد، اتخذت في تعديلاتها تطورا سلسا وتدرجا هادفا وبخاصة ما يندرج ضمن تغيير النظام السياسي في الجزائري ,1989 وتميزت بأنها لم تقطع شعرة معاوية فيما بينها إذ كانت متممة لبعضها بعضا، وعلى الخصوص في الصلاحيات المخولة لرئيس الجمهورية بالرغم من اختلاف النظامين السياسيين المعتمدين الأحادي القديم والتعددي الساري المفعول الذي ينتمي في طبيعته القانونية إلى فئة الأنظمة الديمقراطية الحديثة، البرلمانية، الرئاسية، وشبه الرئاسية، وما تجسده من حريات فردية وجماعية. معلوم ان النظام السياسي الجزائري يندرج ضمن النظام شبه الرئاسي الذي يمزج بين الأخذ من خصائص النظام الرئاسي والنظام البرلماني حيث أخذ من الرئاسي تمركز السلطة التنفيذيةبصفة واضحة في يد رئيس الجمهورية، وعدم جواز الجمع بين العضوية في الحكومة والعضوية في البرلمان، أي تنافي الجمع بين السلطتين بالرغم من الأخذ بمبدأ التكامل بين السلطتين وتضامنهما. واستمد من النظام البرلماني مبدأ الفصل المرن بين السلطات مثل الثنائية في السلطة التنفيذية ومسؤولية الحكومة أمام البرلمان مع إعطائها الحق في التشريع وإمكانية حل البرلمان هذا من جهة. ومن جهة أخرى لم يأخذ بقواعد النظام الرئاسي عندما أقر بمسؤولية الحكومة أمام البرلمان، وأغفل من النظام البرلماني التنصيص على تعيين رئيس الحكومة قديما والوزير الأول حاليا من حزب الأغلبية صاحب البرنامج الواجب التطبيق الأمر الذي يخل بقاعدة جوهرية في هذا الاتجاه إذا ما استثنينا الوضع الذي يكون فيه المجلس الشعبي الوطني محل حل. اما الآن ونحن في انتظار التعديل الدستوري القادم الذي سوف يعكس لا محالة في أرض الواقع الحراك السياسي غير المسبوق الذي تعيشه البلاد بفضل الاصلاحات السياسية الجارية، والذي تاتي مسؤوليته الأولى على نظرة الأحزاب بواقعية إلى هذا الواقع الحي ودور البرلمان في تحقيقه ميدانيا. فإن الحديث عن تعديل الدستور يجب ان يسوده الاحترام للدستور أولا مهما كانت مواصفاته وخصوصياته، باعتباره القاسم المشترك بين الجزائريين بتنوعهم الفكري، وحيث أن الشعب ظل مصدرا للدستور، كونه مصدر كل سلطة، وأن السيادة الوطنية ملك له وحده، ويمارس السلطة التأسيسية بواسطة ممثلين له منتخبون من قبله محليا ووطنيا انتخابا مباشرا. أما من يرى نفسه ديمقراطيا ومتحررا ويتجاوز هذا الاحترام أو يتجاهله، فهو انفرادي استبدادي مجحف، وبخاصة إذا ما عمد إلى الحديث عن اللادستور، ونسي وجود الدستور مثل دعاة مجلس تأسيسي لإعداد دستور تأسيسي، وذاك ما يعني إلغاء جزائر الخمسين سنة وما انجزت وما أنجبت وما حققت، وينطلقون من ذواتهم، وكأن ميلاد الجزائر السياسي يبدأ فقط مع طرحهم، وهو ما يتطابق مع فكر خصوم الجزائر يستجيب لرغباتهم ويخدم مصالحهم، مع العلم أن الجزائر لم تصدر شعبها وتستورد عبر الحاويات شعبا آخر بديلا عن شعبها حتى تلغي مسارها العريق المعبر عن تجانس تاريخ شعبها وعمق تلاحمه بقوة، الشيء الذي أكدت عنه ديباجة الدستور الحالي. يبدو لي أن الحديث عن دواعي تعديل الدستور لا تقودنا إلى إلغاء الدستور، وأن الاختلاف في مناقشة تعديل الدستور رحمة أما الابتعاد عن الواقع والاعتماد على الالغاء فإنه نقمة، لأن دستورنا الحالي قد رسم الخرائط وحدد المعالم، لمنطلقاتنا وتوجهاتنا ومرامينا، فرفقا بمكتسبات خمسين سنة وإبعاد ما قبل الخمسين سنة التي يحصيها الدستور ويرعى عمقها أيها الناقمون...!؟