عادت أمس مجددا قضية بنك الخليفة أو ما اصطلح على تسميته إعلاميا بفضيحة أو احتيال القرن إلى مجلس قضاء البليدة الذي سبق وأن نظر في فصولها بداية سنة 2007 وأصدر أحكاما تراوحت بين البراءة والسجن مدى الحياة ضد 116 شخصا كانوا على لائحة الاتهام، ولعلّ المثير في الطبعة الجديدة لمحاكمة الخليفة أنها تأتي في سياق موسوم بتفجر عدة فضائح فساد اهتزّ لها الاقتصاد الوطني وغطّت من حيث حجم الأموال التي نهبت فيها عن الثغرة المالية لفضيحة الخليفة. أكثر من عشرية من الزمن مضت على تفجّر قضية الخليفة أو القضية الفضيحة التي اهتزّت لها الجزائر سنة 2003 وأثارت آنذاك الكثير من الجدل على جميع المستويات البسيطة والنخبوية عن ذلك »القولد بوي« أو »الفتى الذهبي« الذي سطع نجمه فجأة وهو يعتلي وفي فترة قياسية وسنه لم يتجاوز الثلاثين سوى ببضعة سنين إمبراطورية عملاقة تحصي مؤسسة مصرفية وشركة للطيران وقناة تلفزيونية وشركة لتأجير السيارات، وكيف تحوّل ذلك الملياردير في غضون سنوات قليلة لا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحد إلى أوّل متهم في أكبر قضية احتيال عرفتها الجزائر المعاصرة بعدما تهاوت إمبراطورية الورق واستيقظ كثير من الجزائريين الذين أودعوا مدخراتهم في بنك الخليفة والذين تخلوا عن مناصب عملهم في المؤسسات العمومية مقابل رواتب خيالية في مؤسسات الخليفة على وهم كبير اسمه »فضيحة الخليفة« التي خلّفت ثغرة مالية تتراوح ما بين 5,1 و5 مليارات دولار. المتهم الأول في فضيحة القرن فرّ إلى خارج الجزائر مخلّفا وراءه عشرات المتورطين في الاحتيال وآلاف الضحايا ليستقرّ به المقام في أحد السجون البريطانية في انتظار فصل القضاء البريطاني في طلبات ترحيله التي تقدّمت بها كلا من الجزائر وفرنسا، وفي غيابه وغياب بعض مساعديه على غرار عبد الوهاب كيرمان محافظ بنك الجزائر سابقا فتح مجلس قضاء البليدة ملف الخليفة في جانفي سنة 2007 في محاكمة مثيرة تجاوز عدد المتهمين فيها المائة متهما وعدد المحامين ال20 محاميا. وللمرة الأولى وجد عدد من المسؤولين والوزراء أنفسهم أمام القضاء سواء كمتهمين أو شهود للإدلاء بدلوهم وتفسير ما حدث وكيف نجح الشاب الثلاثيني في الاحتيال على مؤسسات الدولة وسلب ملايير الدولارات على طريقة سيناريوهات هوليود، وتضاربت التصريحات بين من حاول النأي بنفسه عن الفضيحة ومن اعترف بمحدودية الذكاء وانتهى الفصل الأول بأحكام تراوحت بين البراءة ل50 متهما وأحكام بالسجن من سنتين إلى المؤبد ضد بقية المتهمين، أحكام لم ترض الكثيرين تماما كما لم ترض النيابة العامة وبعد قبول المحكمة العليا للطعن المقدم في الأحكام عادت القضية الفضيحة مجددا إلى أروقة مجلس قضاء البليدة. النبش مجددا في فضيحة الخليفة تأجل أمس بقرار من رئيس المحكمة إلى الدورة الجنائية المقبلة ولعلّ اللافت في إعادة فتح ملف الخليفة أنه يأتي في ظرف يتميّز بالتحقيق في أكثر من ملف آخر للفساد ونهب المال العام، فضائح جديدة عرفتها الجزائر في السنوات الأخيرة على غرار فضيحتي سوناطراك 1 وسوناطراك 2 وفضيحة الطريق السيار شرق غرب وغيرها من انتهاكات لحرمة المال العام والتي كبّدت الجزائر والاقتصاد الوطني خسائر بعشرات الملايير من الدولارات، وهو ما سيقود حتما من وجهة نظر المتتبعين القضاء إلى إصدار أحكام ردعية ضدّ من يثبت تورطه في نهب المال العام بعدما استشرى فيروس الفساد والرشوة في السنوات الأخيرة في الكثير من المؤسسات الوطنية.