سميرة آيت محفوظ لم يسبق للجزائر المستقلة أن عرفت قضايا فساد مالي و أخلاقي كما أثيرت مؤخرا. على رأس هذه القضايا قضية سوناطراك 2 والتي خلفت ردود فعل كثيرة وأسالت الكثير من الحبر و جعلت الرئيس بوتفليقة يخرج شخصيا عن صمته ويبدي سخطه حول ما آلت إليه الشركة العلاقة. ومع تعدد القضايا التي تخص الفساد من شركة المختلطة الجزائريةالأمريكية إلى الطريق السيّار إلى سوناطراك وبنك الخليفة وغيرها. من الضروري أن الجزائر المصنفة في تقرير الشفافية الدولية في المراتب الأخيرة تعيش واقع سودي وما خفي كان أعظم. فضيحة سوناطراك ولدت ردود فعل كثيرة وأسالت الكثير من الحبر التحقيق في قضية "سوناطراك 02" كشفت عن تورط شخصيات سياسية ثقيلة الوزن، مثل وزير الخارجية السابق احمد بجاوي و وزير الطاقة السابق شكيب خليل في ملف القضية الأولى التي تم تفجيرها خلال 2010 "سوناطراك 01" لكن دون استدعائه لا كشاهد ولا كمتهم، وهذا في انتظار نتائج التحقيقات الأمنية في الجزائر، التي انطلقت بناءا على أمر بالتحقيق من النيابة العامة الجزائرية حول الصفقات المشبوهة التي أبرمتها سوناطراك مع الشركات الإيطالية المتابع مسيروها أمام القضاء الإيطالي. وباعتبار أن هذه القضية جد شائكة فالتحقيق فيها قد يطول ما بين القضاء الإيطالي والقضاء الجزائري. ومن المحتمل أن يتم استدعاء نفس المتهمين في قضية سوناطراك 01 الذين تولوا مناصب في سوناطراك، للاستماع إليهم كشهود بخصوص العقود والصفقات المشبوهة التي أبرمت مع الشركات الإيطالية خلال توليهم لمناصبهم. فقضية سوناطراك لها جذور عميقة تعود إلى ما قبل 2010 والتي عادت للتداول بعدما تم السكوت عنها سابقا. البداية كانت عندما أبرمت الشركة الوطنية للأشغال البترولية، فرع سوناطراك، صفقة اقتناء أجهزة حفر خاصة بالتنقيب على البترول والغاز مع الشركة الأمريكية ''نوف''، والتي كان معظمها عبارة عن ''خردة'' استعملتها الشركة الأم قبل أن تقوم بإصلاحها وإعادة بيعها إلى الجزائر بمليارات الدولارات. وتم الاتفاق على إرسال اثنين من أجهزة الحفر إلى سلطنة عمان في إطار شراكة بين سوناطراك و''بتروليوم'' العمانية. وقد وجدت الإطارات العاملة في مجال التنقيب والحفر والتقنيون مشاكل كبيرة مع الحفارات الأمريكية القديمة غير المطابقة للمقاييس، كون بعضها غير قابل للتشغيل في درجة حرارة عالية، ومن بينها أن برج الحفر من حديد غير نقي. وكان من المفروض أن يكون من الحديد الصافي 100 من المائة، كما أن رأس الحفر الأوتوماتيكي ''توب درايف'' قابل للانفجار فور ملامسته للغازات وهو غير مجهز بعازل الغاز، وهو ما يضع العاملين في الورشات تحت طائلة الخطر، إضافة إلى أن الإنارة في الأبراج غير صالحة. غير أن المشكل الكبير في أجهزة الحفر تلك، هو قدم مكابح محرك الإنزال والرفع الذي يزن 100 طن، حيث كادت أول حفارة أن تتسبب في كارثة في الورشة بعد تعطل المكابح لولا يقظة العمال، كما أن مردود أجهزة الحفر ضعيف، حيث تصل مدة حفر بئر واحد إلى 6 أشهر بدلا من شهرين في الأجهزة الأخرى. وبذلك تعطلت بعض الأجهزة المقتناة في إطار الصفقة المشبوهة، من بينها جهاز الحفر ''ت ب 208'' الموجود الآن في القاعدة الصناعية 20 أوت في حاسي مسعود، والذي تحوّل إلى هيكل حديد من قطع غيار ''خردة''. فضيحة بنك الخليفة :"الثراء السريع للخليفة ولد العديد من الشكوك والشائعات" ومن بين الفضائح التي أسالت هي الأخرى الكثير من الحبر، قضية بنك الخليفة هذه الأخيرة التي كان وراءها عدة خبايا، فالثراء السريع للخليفة ولد العديد من الشكوك والشائعات بشأن مصدر ثروته التي مكنته في غضون سنوات قليلة من التربع على عرش إمبراطورية متنوعة تملك استثمارات في القطاع المصرفي والنقل الجوي والبناء والعقارات والتلفزيون وتأجير السيارات الفخمة. وشكلت قضية "بنك الخليفة" الشق الأول من محاكمة طويلة يفترض أن تشمل شركة "طيران الخليفة" وفروعا أخرى للمجموعة. واتهم المحامون في مرافعاتهم السلطات، مؤكدين أن رفيق الخليفة لم يكن ليبني إمبراطوريته "من دون مساعدة السلطات التي غضت النظر على بعض تصرفاته".و بعد أشهر على بدء محاكمة قضية "بنك الخليفة" إحدى كبرى الفضائح المالية في تاريخ الجزائر الحديث، حكمت المحكمة الجنائية في البليدةجنوب العاصمة غيابيا بالمؤبد أمس على رفيق الخليفة المتهم الأساسي في القضية، ذاك الشاب المغامر المبذر الذي تمكّن في غضون سنوات قليلة من التربع على عرش إمبراطورية متنوعة توسعت استثماراتها في عدد من الدول. وأصدرت المحكمة برئاسة فتيحة ابراهيمي أحكاما بالسجن لمدد تراوح بين عشرين و15 عاما على 53 متهما آخرين بينهم تسعة فارون وبرأت 49 آخرين. وكانت المحكمة إيّاها أصدرت الدفعة الأولى من أحكامها على المتهمين الذين يحاكمون وجاهيا.. وحكم عليه بالسجن المؤبد، بينما حكم بالسجن عشرين عاما على ستة من المتهمين الآخرين الفارين في هذه القضية وبينهم الحاكم السابق للمصرف المركزي عبد الوهاب كرمان. وحكم بالسجن عشر سنوات على كل من زوجة رفيق الخليفة ووزير الصناعة السابق عبد النور كرمان وابنته ياسمين الممثلة سابقا لشركة "الخليفة ايروايز" في ميلانو (ايطاليا)، بعد أن طالبت النيابة العامة بحقهم بالسجن المؤبد. كما أمرت المحكمة بمصادرة أملاك كل المتهمين.وكان وراء هذه القصية كما قلنا مسبقا عدة خفايا منها ما علمته "الشروق اليومي"، من مصادر مؤكدة أن كلّ من وزير الصناعة الأسبق، عبد السلام بوشوارب، ووزير السكن الأسبق، عبد المجيد تبون بصفة متهمين وليس شهود في قضية مجمع الخليفة وقد تمّ السماع إليهما، من طرف القاضي المستشار المكلف بالتحقيق في ملف الخليفة. وهي المرة الأولى التي يمثل فيها وزراء في حكومات سابقة أمام القاضي المستشار لدى المحكمة العليا بصفة "متهم" في هذه القضية. فضيحة 'البنك الوطني الجزائري' تنتهي ب18 سجنا نافذا لعاشور عبد الرحمان من بين قضايا الفساد التي عالجتها المحاكم فضيحة 'البنك الوطني الجزائري حيث فصلت محكمة عبان رمضان في القضية التي شغلت اهتمام الجزائريين وشدت الرأي العام في الآونة الأخيرة، فبعد 11 جلسة استمعت خلالها هيئة المحكمة إلى مختلف الشهادات، تم إثبات تهمة اختلاس 3200 مليار سنتيم ضد عاشور عبد الرحمن الذي صدر في حقه حكم ب18 سنة سجنا نافذا، وهو الحكم الذي صدر ضد كل من كاتبته "حسيبة" وسائقه "م.مصطفى" في حين حكم على بقية المتهمين بأحكام تراوحت ما بين 14 سنة والبراءة. كانت نهاية هذا المسلسل الطويل، البنك الوطني وقضية اختلاس المبلغ الخيالي الذي فاق 3000 مليار سنتيم، حيث أدين المدير العام السابق له عاشور عبد الرحمان ب18 سنة سجنا نافذا بعد أن أثبتت هيئة المحكمة تورطه في هذه الجريمة على الرغم من كل المحاولات التي تم تبنيها من طرف دفاعه على مدار 11 جلسة، فبعد الفضيحة الكبيرة التي سببتها قضية بنك الخليفة سابقا والتي أصبحت حديث العام والخاص، عادت قضايا الاختلاس للظهور في أروقة المحاكم، فقد أصدر قاضي محكمة الجنايات بعبان رمضان "أعمر بلخرشي"، في جلسة علنية أحكاما قضائية في حق صهري المتهم الرئيسي عاشور عبد الرحمن في قضية الحال "س.بغداد" و"س.جمال" بالسجن 14 سنة نافذا، ونفس الحكم ضد المتهم المدعو "ب.مصطفى" مدير وكالة البنك الوطني الجزائري بشرشال، و"ع.محمد" مدير الاستغلال بذات البنك، كما أدانت أيضا المتهمة "م.عقيلة" مديرة وكالة بوزريعة و"خ.لقوس" نائب مدير وكالة شرشال بعقوبة 10سنوات سجنا نافذا، في حين حكمت ضد زوجة المتهم عاشور المدعوة "س.جميلة" بعقوبة سنتين حبسا غير نافذ، وعقوبة عاما حبسا غير نافذ ضد المتهم "ن.محمد" المفتش العام، فيما برأت محافظي الحسابات وهم "ع.عبد المجيد" و"ب.العربي" و"ك.محمد" و"ش.صالح"، وقد أصدرت نفس المحكمة حكما غيابيا ب 20 سنة سجنا نافذا ضد المدعو "ت.عمر" الرئيس المدير العام لوكالة بوزريعة، الذي يوجد في حالة فرار. وقد طالبت نفس الهيئة بدفع غرامة مالية قدرها مليار دينار، كتعويض للطرف المدني، في قضية اختلاس 3200 مليار سنتيم من البنك الوطني الجزائري، وقد توبع هؤلاء بجناية قيادة جمعية أشرار واختلاس أموال عمومية، وجنحة المشاركة في اختلاس أموال عمومية والنصب والاحتيال وإصدار صك بدون رصيد، إلى جانب التزوير في محررات مصرفية، وجنحة الإهمال الواضح المتسبب في ضياع أموال عمومية، مع العلم أن أطوار محاكمة المتهمين التي استمرت أكثر من أسبوع كشفت حقائق مثيرة تتعلق بكيفية الاختلاس، وتواطؤ مع موظفين بالبنك عن طريق تأسيس 24 شركة وهمية، وإصدار 1957 صك بدون رصيد حسب تحقيقات مصالح الأمن. وجاء الحكم بعد التماس النيابة العامة تسليط عقوبات شديدة ضد 26 متهما في القضية، تراوحت بين 20 إلى ثلاث سنوات، حيث التمس النائب العام عشرين سنة سجنا نافذا ضد عاشور عبد الرحمان وشركائه وأصهاره وزوجته وكاتبته، في حين تراوحت التماسات النائب العام بين عشر سنوات إلى ثلاث سنوات في حق مدراء الوكالات التابعة للبنك الجزائري، بتهمة المشاركة في تبديد أموال عمومية، وثلاث سنوات سجنا ضد المدير العام السابق للبنك الوطني الجزائري، ومحافظي حسابات ومفتش عام.وعليه، فإنه تم الفصل في قضية اختلاس 3200 مليار سنتيم من البنك الوطني الجزائري من طرف المدعو عاشور عبد الرحمان رياض بتواطؤ من عدة إطارات في هذا البنك، بيتهم مدراء وكالات القليعة، شرشال وبوزريعة، تمكن خلالها من إنشاء عدة شركات وهمية بعدما استفاد من قروض بنكية يقوم بتخليصها قبل وصول الإشعارات، حيث عرفت جلسة المحاكمة حضورا مكثفا بالنظر لثقل القضية، التي تعد من أكبر فضائح الاختلاس للأموال العمومية، بدليل أنه تأسس فيها 63 محاميا و56 شاهدا ويتابع فيها 26 متهما، بينهم 13 موقوفين، اثنين في حالة فرار و11 غير موقوفين. وتم اكتشاف خيوط القضية بناء على رسالة مجهولة الهوية تلقاها البنك الوطني الجزائري، تفيد بأن "عاشور عبد الرحمان"، تمكن من الحصول على صكوك بنكية دون خضوعه للمحاسبة منذ 2004 وبطريقة غير شرعية، وفتح حسابات تجارية على مستوى وكالات البنك الوطني الجزائري بكل من بوزريعة، شرشال والقليعة، وتمكن خلالها من اختلاس أموال عمومية بتواطؤ من مدراء الوكالات سالفة الذكر، ومدير وكالة عين البنيان، وأفادت ذات الرسالة من جهة أخرى أن عاشور عبد الرحمن استطاع شراء عدة عقارات ومنقولات هامة. وبناء على هذه المعطيات، وجه والي ولاية تيبازة رسالة إلى المصالح المختصة في التحقيق التي تحصلت على معلومات من طرف إطارات البنك الوطني الجزائري وكالات القليعة، شرشال وبوزريعة، تفيد بأن معاملات "عاشور عبد الرحمان رياض" قانونية ولا تشوبها أي شائبة، إلا أنه وبعد مرور فترة من الزمن، تم التوصل إلى أن قيمة الأموال التي تم اختلاسها من البنك تمثل مبدئيا 15 مليار دينار، وبأن المتهم تمكن من إنشاء عدة شركات وهمية في مجالات عدة، ضمنها شركة خاصة لسيارات الأجرة "طاكسي بلوس"، "شركة إفريقيا للطباعة"، "شركة مزفران للإسمنت المسلح"، "شركة مأمونة"، "شركة صناعة الآجر" وغيرها، حيث كان يقدم سجلات بأسماء مستعارة لعدد من التجار. وقد تبين خلال إحدى عشرة جلسة، بأن عاشور عبد الرحمن أنشأ بواسطة الوثائق المزورة عشر شركات وهمية، وهذا بعد ما ظل الملف يتأجل لمدة فاقت أربع سنوات، أي منذ 2005 السنة التي تفجر فيها الملف الذي عرف عدة تفرعات أثناء مجريات التحري، من ضمنها بروز التقرير المزور حول تعاملات المتهم التجارية، الذي أعده ضابطان من أمن ولاية تيبازة، واستشهد بدفاعه أمام السلطات المغربية، للحيلولة دون تسليم موكله للسلطات الجزائرية. وبحديثنا عن قضايا الفساد لا تسعنا صفحات الجريدة للتحدث عنها وإدراجها جميعا فعدة قضايا تناولتها المحاكم ومنها التي لازالت تعالجها المحاكم ليومنا هذا.