أكد المشاركون في الندوة التي نظمها قطاع الشؤون الاقتصادية والاجتماعية برئاسة عمار تو عضو أمانة الهيئة التنفيذية بحزب جبهة التحرير الوطني حول »إشكالية الفلاحة في الجزائر« أن القطاع الفلاحي بإمكانه أن يكون اقتصادا بديلا عن المحروقات التي تعتمد عليها الجزائر اليوم بنسبة 97 بالمائة، ومن هذا المنطلق أشار الخبراء إلى أهمية تبني استراتجيات فعالة لتطوير الفلاحة في الجزائر واستغلال التراكم المعرفي المسجل في هذا الميدان منذ مطلع الاستقلال لرسم خطط مستقبلية قادرة على إنعاش الاقتصاد الوطني. تتواصل الندوات الفكرية التي عكف على تنظيمها حزب جبهة التحرير الوطني في إطار التحضيرات الجارية للمؤتمر التاسع للحزب المزمع عقده في الثلاثي الأول من العام المقبل، حيث استضاف قطاع الشؤون الاقتصادية والاجتماعية سهرة أول أمس عدد من الخبراء الذين تحدثوا بإسهاب عن واقع الفلاحة في الجزائر، كما تطرقوا إلى تجارب بعض الدول في هذا الشأن، ليفتح المجال للنقاش الذي خاض فيه عدد من المناضلين ووزراء سابقون وخبراء وغيرهم من المتدخلين. استهل عمار تو عضو أمانة الهيئة التنفيذية الجلسة بالإشارة إلى أهمية القطاع الفلاحي بالجزائر، الأمر الذي استدعى التفكير في طرح إشكالية الفلاحة بصفة عامة ومن ثم إسقاط التجارب العالمية على الواقع الجزائري مع الخوض في كل المراحل التي مرت بها الفلاحة بالجزائر من خلال الحديث عن مختلف المخططات التنموية التي تبنتها الجزائر منذ الاستقلال، وذلك دون إهمال عاملين رئيسيين في معادلة التنمية الفلاحية وهما عامل العقار والمياه. بدوره الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني عبد العزيز بلخادم أكد في خطابه أن الهدف الرئيسي من هذه اللقاءات هو وضع أرضية تمهيدية تسمح للمناضلين والمناضلات من أن يتناقشوا حول عديد القضايا، فيما ستتكفل اللجنة المختصة في هذا الشأن بتحضير برنامج الحزب الذي سيساهم في تسحين أدبياتنا السياسية في هذا المجال بناء على ما عشناه وبناء على المستجدات. من جهته دعا الأستاذ سليمان بدراني على الاهتمام بالأراضي الصالحة للزراعة بهدف الحفاظ على العقار الفلاحي الذي يعرف ندرة كبيرة بالجزائر جراء سوء تسيير هذه الثروة، وقال إن المشكل الأساسي يكمن في مفارقة غريبة تجعل من الجهات المسؤولة تشجع استغلال الأراضي الصحراوية وتدعو إلى استصلاحها في وقت تتعرض فيه الأراضي الخصبة إلى اعتداءات صارخة في إطار البناءات الفوضوية التي لا تراعي الشروط البيئية، أما فيما يتعلق بمشكل المياه، فقد اكتفى الأستاذ بالتأكيد على ضرورة تمويل أجهزة الري التي يفترض أن تعطى مجانا للفلاحين. وعن دور التراكم المعرفي في قطاع الفلاحة قال الأستاذ مراد بوكلة إن الجزائر تزخر برصيد كبير من التجارب، وأشار في هذا السياق إلى مختلف النقاشات التي تم فتحها حول الفلاحة منذ بداية التسعينات والتي كانت تخرج دائما بتوصيات، وحسب ما أكده الأستاذ بوكلة فإن ما ينقص الجزائر اليوم هو تلك القدرة على تجميع المعارف فكل مرة ننطلق من الصفر. ولم يتردد الوزير السابق في الفلاحة بلعالية بولحواجب في الدعوة إلى تبني نمط اقتصادي فعال لتطوير القطاع الفلاحي يأخذ بعين الاعتبار خصوصيات البلاد انطلاقا من خمسة أنماط عالمية يستند إليها اليوم، وتأسف الوزير إلى الاعتداءات التي تعرضت إليها الأراضي الزراعية، حيث أشار إلى خسارة ما يقارب 150 ألف هكتار منها تحولت إلى منشآت ومباني. وتأسف الوزير السابق للطاقة والمناجم عبد المجيد عطار لعدم وجود إستراتيجية شاملة مسطرة على المدى البعيد في القطاع الفلاحين ودعا إلى خلق مؤسسات متخصصة لتطوير الفلاحة في الجزائر، مع أهمية ضرورة إشراك الباحثين والخبراء المختصين في العلوم الفلاحية للعمل وفق أطر علمية يمكنها أن تساهم في دفع عجلة البحث العلمي وتبني تجارب فلاحية أكثر دقة وعلمية. عبد الرحمن بلعياط وزير سابق قال إن الإشكالية المتعلقة بالفلاحة في الجزائر تتطلب الانطلاق من جانب نظري وأخر عملي، ليؤكد أن فتح النقاش حول إشكالية الفلاحة في الجزائر هو من صميم الوظيفة الحزبية، حيث أن الحزب يدرك ما هي مطالب المجتمع في الاقتصاد الوطني ويرتبها ويجد لها حلول، ومن ثم أكد أن الإشكالية تتضمن ثلاث نقاط أساسية خاصة بالوظيفة الاقتصادية، الوظيفة الاجتماعية والأخيرة تتعلق بتهيئة الإقليم، ففلاحتنا متأثرة بعاملين هما الهيمنة والاستعراض على حد تعبيره. كما أشار المناضل كمال رزقي إلى أهمية التكفل بالموارد البشرية التي طالما أهملت لا سيما في القطاع الفلاحي، وتأسف من جهة أخرى للإهمال الذي تعرضت له الأراضي الفلاحية التي كان يجب التكفل بها وحمايتها من البنايات الفوضوية، وعلى هذا الأساس تم التركيز على تسوية مشكل العقار الفلاحي وإصدار النصوص التطبيقية الخاصة بمختلف القوانين الصادرة حول القطاع الفلاحي. الأستاذ رابح زبيري تحدث في مداخلته عن إشكالية الفلاحة التي قال إنها تتعدد بتعدد المهام المنوطة بدور الزراعة والفلاحة على العموم في بناء الاقتصاد الوطني، حيث أشار في هذا الصدد إلى خمسة مهام رئيسية وهي توفير الاحتياجات الغذائية للسكان كما ونوعا، توفير مناصب الشغل لقوة العمل الريفية، توفير المواد الخام الزراعية للصناعات التحويلية، وكذا فتح أسواق لتسويق المنتجات الصناعية لدعم الزراعة، وفي الأخير خلق فائض اقتصادي قابل للتراكم. وأضاف الأستاذ أن مكونات المال الزراعي تقوم على عنصرين أساسيين أحدهما يتعلق بالرأسمال الإنتاجي والذي يرتكز على قوامة الأرض وقوة العمل والثروة الحيوانية، والأخر على عوامل الإنتاج المساعدة كالعتاد والبذور وغيرها من الإمكانيات. واعتبر الأستاذ محمد التهامي طواهر أن القطاع الفلاحي بإمكانه أن يساهم في بناء الاقتصاد الوطني بشكل فعال، واستشهد في هذه النقطة بما حدث في الولاياتالمتحدةالأمريكية بعد ظهور الأزمة المالية العالمية، حيث يؤكد الأمريكيون أن الفلاحة هي التي أنقذت الاقتصاد الأمريكي، وعليه يرى الخبير طواهر أن قضية الأمن الغذائي هي المحور الرئيسي والأساسي الذي يجب أن ننطلق منه لصياغة كل السياسيات الفلاحية اللازمة، مع التركيز على البحث العلمي الذي يعد حلقة رئيسية لضمان النجاعة.