إن العلماء هم ورثة الأنبياء ما في ذلك شك لوجود نص صريح صحيح سليم من المعارضة، لكن يحدث أحيانا أن بعض أفكار العلماء وفتاوى المشايخ تثير الجدل والنقاش أكثر مما تثير الشكوك حول قدرتهم ونزاهتهم وإخلاصهم. ومن ذلك أذكر القضايا السياسية التي أصدر بشأنها شيوخ الإسلام بعض الفتاوى، ففي عام 1991 أفتى بعض المشايخ بجواز مشاركة الجيوش العربية إلى جانب الجيش الأمريكي والجيوش الغربية في ضرب العراق. ومبررهم هو " احتلال العراق للكويت ". وقد ثارت أقلام عديدة ضد هذه الفتاوى، ومبرر المعارضة أنه لا يجوز التحالف مع الكفار ضد المسلمين. وحدث أيضا أن أفتى بعض المشايخ بتحريم العمليات الإنتحارية في العراق وفلسطين بحجة أنها تدخل في باب " قتل النفس التي حرم الله " ، وأثارت سخطا ولغطا وحركت الأقلام المعارضة، وبرر شيوخ آخرين جواز العمليات " الإنتحارية " في فلسطين والعراق لوجود احتلال أجنبي، يصبح بموجبه كل سلاح جائز شرعا، وألقوا على تلك العمليات تسميات " العمليات الإستشهادية " باعتبارها " جهاد في سبيل الله " . وغيرها من الفتاوى. وقيل حينها أن تلك الفتاوي مرتبطة بالبلاط، حيث يفتى الشيخ تبعا لموقف السياسة الخارجية لبلاده. ومؤخرا أصبحت الرياضة محل فتاوى، وقد أفتى قبل أيام مفتى مصر بجواز إفطار لاعبي الفريق المصري خلال شهر رمضان في مواجهة فريق رواندا في إطار تصفيات كأس العالم وإفريقيا 2010. وأثارت هذه الفتوى أيضا ما أثارت. وحجة الشيخ حسب الصحافة العربية التي نقلت الفتوى، أن " كرة القدم أصبحت أكل عيش " وبالتالي يجوز الإفطار. والسؤال المطروح الآن هل كل ما يتعلق بأكل عيش يجيز الإفطار ؟ رغم أنه لا يوجد نص شرعي صريح يجيز ذلك ؟ بمعنى آخر هل يجوز للعمال اليدويين الذين يشتغلون في الزراعة والبناء مثلا وفي ظل حرارة شمس عالية جدا أن يفطروا لأن ذلك أكل عيش ؟ هل يجوز للبدو في أدغال الصحاري العربية أن يفطروا أيضا لأن ذلك أكل عيش ؟ كان ممكنا لفضيلة الشيخ أن يناقش قضية السفر، ففي السفر يجوز الإفطار بنص قرآني صريح، لكن هل يعود المسافر للصيام مباشرة بعد الوصول، أم يظل فاطرا حتى يعود إلى داره ؟ هل يفطر ثلاثة أيام على طريقة تقصير الصلاة أم للصيام حكم آخر ؟ ورغم أن الله رخص للمسلمين الإفطار في بعض الحالات، لكنه قال أيضا أن الصوم خير " وإن تصوموا خير لكم " .. والسفر اليوم لم يعد مثلما كان عليه الحال قبل 14 قرنا ، فهو يتم في السيارات الفخمة والحافلات الفاخرة والطائرات النفاثة حيث لا قرّ ولا حرّ ومبردات الهواء ومكيفاته تضمن الراحة والجو الملائم والمناسب للمسافرين .. في رأيي كان يجب على شيوخ الإسلام وعلمائه أن يتطرقوا لهذا الموضوع ، لأنه مع الوقت يصيح " قياسا " وكل من يلعب كرة قدم " لأكل العيش " سوف يفطر لوجود سابقة أفتى بها مفتى مصر. ويقول القياس أيضا " إذا أجاز شيوخ الإسلام للصائم أن يفطر من أجل كرة القدم لأن ذلك أكل عيش، فإنه يجوز للمسلم أن يسرق إذا كان أكل عيش أيضا، ويجوز للأرملة واليتيمة أن تكسب المال بأي طريقة كانت إذا كان ذلك أكل " عيش أيضا".