ما زالت الأمور في مصر تتجه نحو المزيد من الانقسام والتوتر، إذ شكلت حادثة محاولة اغتيال وزير الداخلية محطة نوعية في مسار الأزمة المصرية التي أعقبت الانقلاب العسكري في 3 جويلية ,2013 وتميزت بتصاعد السطوة الأمنية وتغييب الحل السياسي. وبعد حادثة محاولة الاغتيال ببضع ساعات صرح وزير الداخلية المستهدف في المحاولة قائلا: ''محاولة اغتيالي بداية لموجة من الإرهاب''! ويحتار المرء أمام هذا التصريح عما كانت تعنيه قنوات التلفزيون المصري التي كانت بعد الفض الدموي لاعتصامي ''النهضة'' و''رابعة العدوية'' في 14 أوت الماضي تضع كلها على واجهات شاشاتها شعارا موحدا هو: ''مصر تحارب الإرهاب'' مكتوبا باللغة الإنجليزية، فهل بدأت موجة الإرهاب بعد 14 أوت الماضي أم بعد 5 سبتمبر الجاري؟! ولأن الإرهاب ما زال مصطلحا غامضا وملتبسا وغير متفق عليه، فإن السلطات المصرية الانقلابية تتعمد ربط الإرهاب بجماعة الإخوان وحلفائها من رافضي الانقلاب. لقد سبق للفريق عبد الفتاح السيسي أن اتهم جماعة الإخوان دون أن يسميها، بأنها تسعى إلى تدمير البلد إن لم تحكمه. وبعد حادثة التفجير الذي استهدف موكب وزير الداخلية طالبت مستشارة رئيس الجمهورية المؤقت بحظر جماعة الإخوان المسلمين ومصادرة أموالها لاستئصال الإرهاب ! كما سارع من تسميهم وسائل الإعلام المصرية ''الخبراء الأمنيين'' إلى إلصاق تهمة محاولة الاغتيال بجماعة الإخوان المسلمين لأنها في زعمهم المستفيد الأول من هذا الفعل الإرهابي، وذهب البعض منهم إلى المطالبة بعودة جهاز أمن الدولة الذي كان يعيث فسادا في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك مبررين ذلك بكون ضباط هذا الجهاز الرهيب هم الأقدر على مواجهة الإرهاب ! وفي المقابل فإن أنصار عودة الشرعية يعتبرون ''أن الانقلاب هو الإرهاب'' وذهب مراسل صحيفة الأنديبندنت، روبرت فيسك حسب مصادره إلى أن تدبير محاولة اغتيال وزير الداخلية هو مسرحية من إخراج وتنفيذ الجنرال عبد الفتاح السيسي ! وإذا كان من المفهوم أن تصدر التهم المتسرعة وحتى الملفقة من هذا الطرف أو ذاك من أطراف الصراع، وخصوصا من طرف السلطة الانقلابية ضد حركة الإخوان المسلمين أكبر خصومها السياسيين المنضوين في تحالف دعم عودة الشرعية وتجد المبررات لاستصدار حكم قضائي لحلها وتجريم نشاطاتها، وكذلك من المفهوم أن تصدر التهم ومحاولة شيطنة حركة الإخوان المسلمين من طرف من يسمون بالخبراء الأمنيين باعتبارهم ينتمون في الغالب إلى سلك ضباط الشرطة السابقين الذين بنوا مجدهم الوظيفي في عصر الرئيس المخلوع حسني مبارك على قهر وسجن وتعذيب والتنكيل بعناصر وقيادات الحركات الإسلامية، فإنه من الغريب، بل من المخزي أن يتبنى علماء الأزهر موقف الإدانة والترويج للإفك والبهتان ضد جماعة الإخوان المسلمين. فقبل أن تعلن أية جهة مسؤوليتها عن محاولة اغتيال وزير الداخلية، وقبل أن تصل جهات التحقيق في الحادث الإرهابي إلى تحديد هوية الفاعل أو الكشف عن الجهة التي تقف وراء محاولة الاغتيال، رغم الإدانة الصريحة لجماعة الإخوان المسلمين للعملية الإرهابية ونفي أية صلة لها بها، فإن خطيب ميدان التحرير المنتمي إلى جبهة ''أزهريون مع الدولة المدنية'' اتهم صراحة في خطبة الجمعة 6 سبتمبر، أي بعد يوم واحد من حدوث محاولة الانقلاب ''جماعة الإخوان بتدبير مؤامرة اغتيال اللواء محمد إبراهيم''.! كما ربط أحد أعضاء هيئة كبار العلماء الأزهريين جماعة الإخوان المسلمين بتنظيم القاعدة والعناصر التكفيرية واتهمهم بأنهم يريدون تركيع الدولة باسم الدين وطالب بردعهم بكل قوة. والمؤسف أن الأزهر بقيمته التاريخية ورمزيته الدينية يبدو مصرا على أن يكون طرفا متورطا في الأزمة بدلا أن يكون طرفا فاعلا في لمّ الشمل وتحقيق المصالحة الوطنية. ورغم مرور أكثر من شهرين على الانقلاب العسكري الذي أطاح بالرئيس المنتخب الدكتور محمد مرسي فإن المسيرات المطالبة بعودة الشرعية لم تنقطع، ولم تنحسر، رغم المضايقات والاعتداءات التي تتعرض لها من طرف البلطجية أو من طرف الشرطة الذين يتناوبون على تبادل الأدوار أو يتكاملون في قمع المسيرات وترهيب المتظاهرين، وتتراوح أساليب الاعتداء على المسيرات من محاولات تفريقها بالحجارة أو الغاز المسيل للدموع أو بطلقات الخرطوش وحتى بالرصاص الحي. ولا يبدو أن الفريق عبد الفتاح السيسي الذي اعتبر مسيرات واعتصامات المعارضين للرئيس المنتخب بمثابة تفويض له لعزل الرئيس محمد مرسي وتعطيل الدستور وتعيين رئيس مؤقت وفريق حاكم جديد يعطي أدنى قيمة لمسيرات ومظاهرات المدافعين عن عودة الشرعية، وكأن من حق جزء من الشعب المصري أن يعبر عن آرائه وتطلعاته بينما لا يحق للجزء الآخر من الشعب المصري أن يهتم بمصير وطنه ويسمع صوته. واللافت للانتباه أنه عندما تتعرض المسيرات الرافضة للانقلاب إلى اعتداءات من طرف البلطجية فإن وسائل الإعلام المصرية تتواطؤ على اعتبار ذلك بمثابة تصد من الأهالي لمسيرات الإخوان التي تثير الفوضى وتخل بالاستقرار، ولكن عندما يقوم المتظاهرون بالدفاع عن أنفسهم ورد الاعتداء بالدفاع عن أنفسهم وردع المعتدين على مسيراتهم تصف وسائل الإعلام نفسها ذلك التصرف بأنه بمثابة ممارسة للإرهاب من طرف الإخوان ضد الأهالي ! كما تقوم وزارة الداخلية بتفريق مسيرات المعارضين للانقلاب والتصدي لها بكل وسائل الترهيب والتخذيل، ويصل الأمر إلى إلقاء القبض على المتظاهرين وتقديم بعضهم للمحاكمة، ولكن عندما تكون المسيرات مؤيدة للجيش والشرطة فإن الوزارة تقوم بحمايتها وتوفير وسائل الدعم لها، وتقدمها وسائل الإعلام على أنها مثال لحب الوطن وتخصها بأوسع أشكال التغطية والإشادة. ومن الواضح أن السلطات الإنقلابية في مصر قد اختارت الحل الأمني رغم أن نتائجه تبدو منذ الآن كارثية على الانفتاح الديمقراطي والنهوض الاقتصادي.