أ نصحه العارفون بالطرق السالكة بين الجزائر العاصمة وبومرداس بأن يستغني عن الحافلة وسيارة الأجرة ويستعمل القطار السريع فهو بديل حقيقي لكل وسائل النقل، وفعلا فقد وجده سريعا أنيقا نظيفا وآمنا، يستعمله كل القاطنين على خط بومرداس بودواو الرغاية الرويبة الحميز السمار الحراش العاصمة، وهو محور ضاج بالأكواخ القصديرية والشاليهات التي أنتجها زلزال ,2002 ولأنه فضولي حتى النخاع فقد انتبه من خلال محادثاته الغزيرة مع شباب المحور إلى أن هناك قاموسا خاصا طرأ لدى هؤلاء، فيه ما هو شراكة مع باقي الجهات الجزائرية، وفيه ما هو مقتصر عليهم، قاموس أملته ظروف المعيشة في بيئة طارئة نتيجة الزلزال والأوضاع الأمنية وما ينتج عنها من عقليات ونفسيات راح يتساءل بخصوصها: هل هي مرصودة من المنظومات المعنية برصدها؟، من فنانين وكتاب وصحافيين وعلماء اجتماع أم هي متروكة طي الإهمال مثل عشرات الظواهر التي تطرأ بعيدا عن الانشغال والاشتغال كأعشاب الطرقات؟، ثم زاد منسوب حيرته حين لاحظ أن فنانين وصحافيين وروائيين يستعملون هذا القطار السريع الأنيق النظيف المكيف الآمن بحكم أنهم يقيمون في واحدة من محطات هذا المحور الضاج بالدبيب الإنساني الجدير بالانتباه على أكثر من صعيد. ب من الخدمات التي يقدمها قطارنا السريع الأنيق النظيف المكيف الآمن إعلام المسافرين بالمحطات التي يتوقف عندها بعربية وفرنسية صافيتين، وفي إحدى رحلاته سمع كهلا فرنسيا يقول لصاحبته: لماذا العربية، فكل الجزائريين يعرفون الفرنسية؟، تحرك دمه الجزائري كقطار سريع في عروقه فسأله: في حدود علمي أن معظم الفرنسيين يعرفون الإنجليزية، قال الفرنسي بعفوية: نعم، قال صاحبنا: فلماذا لا تكتفي محطات الميترو والقطارات والطائرات الفرنسية بها؟، قال الشاب الفرنسي: الفرنسية لغتنا القومية، رد صاحبنا ببرودة: وكذلك العربية عندنا، فلماذا تريد تجريدنا من حق ترفض تجريد نفسك منه؟، ثم دخل معه في نقاش محموم حول الهوية والاستعمار وغباء فرنسا في تعاملها مع مستعمراتها القديمة خاصة الجزائر، معرّجين على تدخلها الساذج مؤخرا في تحرير رهينتها المغتال في موريطانيا... كان صوتاهما يتموجان مع تموجات القطار حتى أن العربة التي كانا فيها صمتت كلها وراحت إما تسمع حوارهما وإما تشارك فيه... قلت في نفسي: على فرنسا أن تعد نفسها لمناقشة جيل جزائري محنك بخصوص هويته وهو لم يعد معقدا من الدخول في أي نقاش بخصوصها، وعلى كوشنير أن يعيد حساباته إذ اعتقد أن موت جيل الثورة سيفتح الطريق أمام أفق مختلف للعلاقات الجزائرية الفرنسية. ج فرحتُ كثيرا حين قرأت في الجرائد الوطنية أن وزير النقل صرح في وادي سوف أنه على الناقلين الخواص قبل أن يطالبوا برفع تسعيرة النقل تحسينُ خدماتهم للمسافرين ومنها احترام الوقت والالتزام بعدد الركاب الذي يحدده عدد المقاعد، وتوفير المكيفات وتجديد المركبات، فرحة بسيطة لمواطن بسيط يعاني يوميا مع حافلات النقل سواء تلك تشتغل داخل المدينة أو التي تشتغل ما بين المدن، ذلك أن هناك جشعا غير مبرر بات يحكم واقع النقل في بلادنا، إذ قليلة هي الحافلات التي تلتزم بالشروط التي اشترطها الوزير في تصريح وادي سوف، والذي نتمنى أن يبقى مصرا عليه فلا يذهب أدراج الرياح، تصوروا معي أن حافلة تشتغل ما بين تافورة في العاصمة وبودواو بمعدل ثمانين مقعدا بحساب أربعين دينارا للمقعد الواحد، أي أنها تربح في الرحلة الواحدة ثلاثة آلاف دينار، علما أن رحلاتها اليومية لا تقل عن أربع، أي أنها تربح في اليوم الواحد ما لا يقل عن عشرة آلاف دينار في اليوم، لكنها بلا مكيف وبلا كراسي محترمة وبلا نوافذ أحيانا وإن وجدت فلا تفتح، ما يجعل استعمالها عقوبة تسير في الطرقات، بل إن صاحبها لجشعه لا يقوم على صيانتها الصيانة الضرورية التي لا غنى عنها علميا ما يجعلها مع ذلك موتا متربصا بركابها في أية لحظة، مع هذا كله... لا يجد ناقلونا حرجا في أن يطالبوا الوصاية برفع التسعيرة، معالي الوزير... أرجوك.. لا تتراجع عن شروطك. رأس الخيط ركب الحافلة، لم يصدق أنه حصل على مقعد، تهاوى عليه ونام حالماً بحافلة سريعة وأنيقة ومكيفة، أصحاه القابض من حلمه: أهبط تعطلت الحافلة.