هل نحن بعيدون عن الله؟ تذكرت هذا السؤال كما تذكرت الإجابة عنه، وكلاهما السؤال والإجابة سيكونان من المكسيك. ¯ ذلك الشعب العريق سليل حضارة الأزتيك التي دمرها الإسبان، المكسيكيون يعبرون بخفة الروح وبالمرح الذي يتسمون به وهم يتحدثون عن حالهم ووضعهم أن ذلك يعود لقربهم من أمريكا وبعدهم عن الله!؟ ومرة أخرى هل نحن وأعني هنا الجزائر كبلد وكدولة وكشعب نشبه المكسيكيين؟ ما يحيط بنا شرقا وغربا وجنوبا، يجعلني أقول أن الشبه قريبا ذلك أن التطورات في هذه المنطقة المحيطة بنا توجد فيها أسماء ومسميات لكل شيء إلا للدول أو لشبه دول، أو ما كان دولا.. كل شيء فيها يتحرك ومستقر له فالمجموعات المسلحة فيها تنمو كالطحالب وأمراء الحرب فيها يتناحرون وليس لهم من هدف إلا البحث عن الثراء وعن الضحايا، كما عصابات الجريمة المنظمة والتهريب والخطف تزدهر تجارتها وتسوق بضاعتها لمن يدفع والذين يدفعون موجودون بدء من عصابات إنتاج وتهريب المخدرات وانتهاء بالتنظيمات الارهابية، هناك تكامل بين كل هذه الآفات والتقاء مصالح.. يدفعني إلى إعادة التذكير بهذه الحقيقة وهذا الوضع القرار الأخير للحكومة الليبية الاسم الذي ليس له في الواقع الميداني والسياسي والإداري والأمني أية صفة وأي وجود، أقول تذكرت قرارها التعاقد مع وكالات وشركات حراسة أجنبية لحماية حدودها!؟ مبرر ذلك التفرغ لإعادة بناء الجيش الليبي مع أن هذا البلد يتوفر على عشرات بل مآت من المليشيات التي كل منها يدعي أنه جيش ليبيا وأنه يحمي الثورة، وحتى الحكومة التي لا يعترف بها أحد تقول أنها تحمي الثورة.. وقد سبق للقوات الأمريكية حين دمرت العراق وأزالت دولته أن تعاقدت مع شركات الحراسة التي قتلت من العراقيين الآلاف بمبرر الحماية. وفي نفس الوقت قالت الحكومة الليبية أنها وقعت اتفاقات للتعاون العسكري مع النيجر ومع تشاد ومع السودان وهنا تقفز إلى ذهني تلك المقولة، غريق يستنجد بغريق. ما يعنيني هنا، أن هذا البلد مع الأسف الشديد الذي كان ''بثورته'' أول بلد في القارة يعيد الحلف الأطلسي إلى افريقيا بعد أن طردته منها ثورة الجزائر مع الاستعمار الفرنسي يضيف اليوم سابقة أخرى في إدخال وكالات هي أساسا جزء من الأنظمة الاستخباراتية الغربية إلى هذه المنطقة التي يشهد فضاءها عدم الاستقرار نتيجة وجود تنظيمات مسلحة وميليشيات متناصرة لديها دفاتر أعباء وشروط وعقود مع القاعدة وتفرعاتها، ومع دول في الخليج وغير الخليج ومع دول غربية دمرت ليبيا وتركتها فضاء للفوضى والتناحر وهي الحقيقة الوحيدة المعاشة.. مثل شعبي سائر عندنا يقول:''لا تترك ما في يديك وتتبع ما في الغار'' ذلك أن الغار قد تكون فيه أفعى أو عقرب أو أي حيوان قاتل سام إن لم يقضي عليك، فيتسبب لك في إعاقة أو جرح لا يلتئم بل سيزداد تعفنا وانتشارا.. إنه المآل الذي آلت إليه كل البلدان العربية التي انتشرت فيها '' الربيع العربي'' المبرمج والموجه، وهي حالة ليبيا، كما هو حال تونس وأقل مصر، وقبل ذلك اليمن، وهو الحاصل اليوم في سوريا، هل بإمكان أحد أن يشكك في ذلك؟ فقط أولئك الذين يستمرون في غيهم يعمهون. إنها ثورات تصدر الإرهابيين، وتصدر ''مجاهدات النكاح'' وتعبث بأمن الآخرين بعد أن فقدت أمنها وتمارس سياسة الهروب إلى الأمام بتبرير كل الفشل والإخفاق للأنظمة البائدة. أعتقد أنه من حقي بل من واجبي كمواطن جزائري أن أنشغل بتصرفات قد يكون، بل سيكون لها تأثيرا سلبيا على بلادنا يضاف إلى التأثير السلبي لانتشار السلاح والمسلحين في كل هذه الفيافي المحيطة بنا وغير الخاضعة لأية سلطة ولا مراقبة وهو العبء الذي تحملته وتتحمله الجزائر ليس فقط لضمان أمنها وحماية حدودها، إنما حتى لضمان بعضا من أمن هذه البلدان المجاورة التي لا تبذل أي جهد عقلاني أو أي مسار سياسي للخروج من الدوامة التي أوجدت نفسها فيها. لقد تحولت ليبيا إلى فضاء مفتوح لترسانة أسلحة تبدأ بالبندقية وتنتهي بكل أنواع القذائف والصواريخ والمركبات، كما تحولت إلى ميدان مكشوف لكل الحركات الإرهابية وكل تنظيمات الجريمة والتهريب وتسويق السلاح وأيضا ملجئا للتدريب وتصدير المقاتلين للمنطقة وخارج المنطقة ماذا بقي من البلد وثرواته النفطية التي كانت السبب لتدميره؟ سؤال ربما بعض الإجابة عنه تتمثل في واقعه طلب الحكومة الليبية قرضا من صندوق النقد الدولي؟ بعد أن سيطرت مليشيات مسلحة على موانئ التصدير وأصبحت تبيع النفط لزبائن هم أنفسهم الذين يشترون نفط سوريا من المجموعات الإرهابية. باراك أوباما في خطابه الأخير أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة افتخر بمشاركة واشنطن في تدمير ليبيا لكنه لم يشر بكلمة واحدة إلى حال ليبيا اليوم ولا حال وضعها الأمني والسياسي أو الديموقراطية وحقوق الإنسان وحماية المدنيين المبرر الذي سوقه الغرب والحلف الأطلسي حين هاجم هذا البلد. هل أدركتم مغزى ذلك المثل المكسيكي؟