عاشت مدينة بنغازي ثاني أكبر المدن الليبية يوما أسود منذ انتهاء الحرب ضد نظام العقيد معمر القذافي، بمصرع 31 ليبيا في مواجهات اندلعت فجأة بين متظاهرين ومليشيات الثوار في هذه المدينة التي شهدت اندلاع أول شرارة لثورة 17 فيفري سنة 2011. وساد المدينة هدوء حذر بعد تشييع جثامين قتلى المواجهات، مخافة تجددها بين سكان ثائرين ومسلحين رافضين تسليم أسلحتهم والعودة إلى مناطقهم الأصلية، كما يصر على ذلك سكان المدن الليبية الكبرى الذين تغير نمط حياتهم اليومية بفعل تلك المظاهر التي فرضتها الأسلحة المتداولة في كل مكان. وزادت حدة المخاوف من احتمال اندلاع مواجهات جديدة، بعد أن قرر شباب المدينة تنظيم تجمع في الساحات العامة احتجاجا على ما حدث، رغم نداء المجلس الوطني العام الذي ناشد الجميع ب«التعقل حرصا على المصلحة الوطنية". وانفجرت المواجهات، بعد أن خرج متظاهرون مناهضون للمليشيات المسلحة إلى شوارع المدينة، في مسيرة احتجاجية حاولوا خلالها طرد فرقة "درع ليبيا" المشكلة من الثوار السابقين في ثكنة كانوا يسيطرون عليها في المدينة، مما أدى إلى وقوع اشتباك بالأسلحة وخلف سقوط كل هذا العدد من الضحايا. وأكد المتظاهرون الرافضون لتواجد الثوار في مدينتهم، أنهم كانوا يريدون طرد عناصر المليشيات وتمكين القوات النظامية من العودة إلى الثكنة العسكرية التي كان الجيش النظامي السابق يحتلها. وتجهل إلى حد الآن الجهات التي حركت المتظاهرين للقيام بمسيرتهم الاحتجاجية، وخاصة أن إقامة الثوار في الثكنة المستهدفة كان بتزكية وموافقة من وزارة الدفاع الليبية، وقبول عناصرها العمل تحت إمرة الوزارة. وكان ما حدث مساء السبت متوقعا، بالنظر إلى مظاهر التسلح العشوائية التي أصبحت المشهد الطاغي في ساحة سياسية وأمنية ليبية غير مستقرة، وفتحت البلاد على كل الاحتمالات، وسط رفض الثوار العودة من حيث جاؤوا وتسليم أسلحتهم للجهات الأمنية المختصة. وقد زاد عجز السلطات السياسية والأمنية في هذا البلد من استعادة السيطرة على الأوضاع عاملا آخر في ديمومة الانفلات الأمني، بعد أن رفضت المليشيات الامتثال لكل النداءات التي ما انفكت توجهها الحكومة الليبية باتجاهها من أجل إرجاع ترسانة الأسلحة التي وقعت بين أيدي عناصرها من ثكنات الجيش الليبي المنهار. بل إن هذه المليشيات أصبحت رقما فاعلا لم تتمكن السلطات الليبية القفز عليه، لإعادة تكوين وتشكيل وحدات الجيش ومختلف الأجهزة الأمنية النظامية، بعد أن أصرت على أن تكون طرفا في أية ترتيبات أمنية، بدعوى أحقيتها في ذلك، لكونها كانت الجهة الفاعلة في الإطاحة بنظام العقيد معمر القذافي. وفي ظل هذا الفراغ الأمني الذي خلفته الحرب الأطلسية في ليبيا، فإن الحكومة الليبية وجدت نفسها في كثير من المرات مرغمة على العودة إلى هذه المليشيات لنجدتها كلما استعصى عليها أمر أمني طارئ. ويتذكر الجميع القبضة الحديدية بين سكان العاصمة طرابلس وهذه المليشيات التي حاصرت مقار عدة وزارات، وفرضت منطقها على الحكومة، بتمرير قانون العزل السياسي لطرد كل المسؤولين الذين تقلدوا مناصب مسؤولية طيلة سنوات حكم العقيد القذافي. وفي محاولة لتهدئة النفوس، بعد الأحداث الدامية التي عرفتها المدينة، أكد الوزير الأول علي زيدان أن عناصر مليشيا "درع ليبيا" غادروا الثكنة، وأن وحدة عسكرية نظامية حلت محلها في نفس الوقت، الذي أكد فيه عن فتح تحقيق لمعرفة أسباب وقوع تلك الأحداث الدامية. ولكن المشكلة بالنسبة للسلطات الليبية، أنها وقعت بين نارين، فهي من جهة فشلت في إدماج عناصر الميليشيات في الأجهزة الأمنية النظامية، بسبب رفض غالبية السكان لهذا المسعى، وبين عجزها عن تجريد هذه العناصر من ترسانة الأسلحة التي وقعت بين أيديهم. وهي المعضلة التي أبقت الأوضاع على حالها، في انتظار نتائج الشراكة الأمنية الموقعة قبل يومين بين السلطات الليبية وحلف الناتو لمساعدتها على تدريب جنودها، وتأهيلهم لاستعادة المبادرة الأمنية سواء في داخل المدن أو على الحدود الدولية، التي أصبحت أكبر تهديد لدول الجوار بسبب تنامي الأنشطة الإرهابية في كل المنطقة.