يركز البعض على اتخاذ بلد معين أو جماعة معينة هدفا للنكت، وهو ما نجده في أوربا بالنسبة للبلجيكيين وفي بريطانيا بالنسبة للإسكوتلانديين. ولسبب لا أعرفه، يعرف الوطن العربي مجموعتين مستهدفتين، الصعايدة في مصر وأهل معسكر في الجزائر، وكلاهما من أكثر الناس وطنية وذكاء واحتراما للآخر. ويروي لي صديق أن حاجا جزائريا كان يقف أمام البيت الحرام يدعو الله بصوت مرتفع، ويقول: يارب، سامحني على كل النكات التي أطلقتها على أهل معسكر ولن أعود لذلك أبدا. ويهمس له جاره قائلا: بارك الله فيك، أنا من معسكر، وأشكر لك جميل صنعك، ويتوقف لحظات، تقول النكتة، ثم يسأل الحاج الذي تتعلق عيونه بالكعبة المشرفة: قل لي يرحم والديك، أين اتجاه القبلة ؟ ويرفع الحاج رأسه إلى السماء وهو يهتف: يارب، إنهم يستفزونني لأنكت عليهم. طافت هذه النكتة في ذهني وأنا أتابع تعليقا لأخ مصري من أنصار الانقلاب على الرئيس محمد مرسي، فك الله أسره، ورحت أكتب بعد أن كنت قررت التوقف عن تناول الشأن المصري، لأريح وأستريح. كان المنصر يستعرض ما عرفته مصر منذ أحداث يناير ,2011 وهو يصر على أنها كانت أحداثا ولم تكن ثورة، وكان هذا من حقه بعد أن عرفنا أنه كان من أنصار حزب الرئيس مبارك. ثم تناول الأخ عطايا حشود 30 يونيو التي مهدت للانقلاب وأسماها ثورة لم يعرف التاريخ لها مثلا، ورأيت أن المقولة عادية، لأنها تتكرر على ألسنة كل الانقلابيين، مما يؤكد أن أحدا منهم لا يستطيع الخروج عن تعليمات الكاسكيطا. لكن المخلوق يضيف قائلا بأن التاريخ لن يعرف مثيلا لثورة يونيو المجيدة، هكذا، بفجور لم أعرف له سابقة. وواقع الأمر أن الفجور الذي يتصرف به كثيرون من أنصار الانقلاب يؤكد أنهم يكررون تعليمات لا يملكون مجرد تغيير كلماتها، حتى بمترادفات تثبت أن لهم بعض الاستقلالية، وكلهم، كما قال الصحفي المصري الرائع سليم عزوز، يبدءون كل مداخلة لهم على قناة الجزيرة باتهام القناة القطرية بأنها متحيزة ومتعصبة للتيار الإسلامي، ولا يقول لنا أي منهم لماذا يتعاملون مع قناة متحيزة، وقبل ذلك لماذا لا تفتح القنوات المصرية شاشاتها للمعارضين لتؤكد عدم تحيزها. ويقول عزوز: يسأل المذيع الدكتور حسن نفعي: ما رأيك فيما حدث في مصر يوم 3 يوليو؟، فيرد: إن قناة الجزيرة غير محايدة، ويسأله ثانية عن رأيه فيما جرى يوم 30 يونيه؟.. فيرد: إن قناة الجزيرة غير محايدة. ويسأله في لقاء آخر: وما رأيك في التغييرات المناخية، وأزمة ثقب الأوزون، فيبدأ الرد: إن قناة الجزيرة غير محايدة، وأخشى أن تسأله يوماً مقدمة برنامج الجزيرة الصباحي عن أكلته المفضلة، فيكون جوابه قبل أن يقول :الملوخية بالأرانب، إن قناة الجزيرة غير محايدة. ويبدو أن طريقة الدكتور صارت فرعا من فروع العلوم السياسية، فسار على نهجه كل مؤيدو الانقلاب، فما أن يظهر احدهم هذه الأيام على الجزيرة حتى يمسك في تلابيب المذيع قبل أن يبدأ كلامه، وعلى نحو بات يحتاج إلى تحقيق استقصائي لنقف من خلاله على من يوزع هذا المقرر الدراسي، ومن يقف وراء الصيغة الموحدة في التعامل مع مذيعي الجزيرة من قبل مؤيدي انقلاب العسكر في 3 يوليو. ويواصل سليم عزوز تعليقه على بعض مناقشات لجنة الدستور الجديدة المعينة من قبل الانقلابيين، ويتناول بعض ما قالته الفنانة ليلى علوي، قائلا: لقد أطربتنا المناقشة التي جرت داخل لجنة الدستور الوقورة، عندما أصرت الفنانة ليلي علوي إصراراً وألحت إلحاحاً على ضرورة النص في الدستور على أن مصر دولة عربية في القارة الأفريقية وتطل على البحر الأحمر والبحر المتوسط، ويبدو أن هناك من لقنها بأن مصر دولة متوسطية، فظنت أن الموضوع مرتبط بحديث البحار والترع والمصارف، وإن كان فاتها أن تطالب بالنص في الدستور على أنه يجري فيها نهر اسمه النيل. وطالب الفنان احمد بدير بوضع خريطة مصر داخل الدستور باعتبار أن هذا مهم جدا وقال بدير أن الدستور يجب أن توضع فيه خريطة سيناء وحلايب حتى لا تختطف منا أرضنا، وأضاف نكتة سمجة وكأنه في غرزة حشيش: وهضبة الأهرام أيضا، لأنني ساكن فيها ويواصل عزوز قائلا :أما الفنان مدحت صالح فاكتشف أن تعبير الإسلام دين الدولة وهو المادة الثانية من كل دساتير مصر قبل الانقلاب مقولة لغوية خاطئة، لأنه لا يصح أن يكون الإسلام دين حيطان، ويبدو أن هناك أيضا !!! من أفهمه بأنه لا يجوز النص على دين الدولة لان الدولة في النهاية هي *كيان معنوي * فلم تسعفه ثقافته الضحلة وقال: لا يصح أن يكون الإسلام دين حيطان.. جمع حائط طبعاً. ولعل عزوز نسي اكتشاف الفنانة يسرا بأن المبشرين بالجنة أربعة فقط، وكل هذا صورة من صور النفاق الفاجر تميزت به مرحلة ما بعد يونيو، وتشير إلى المستوى الذي وصلت إلي مصر العظيمة بفضل أنصار 3 يوليو. ويحتج مندوب الأنقاض على تعبير قاله صحفي الجزيرة، ويصحح له قوله بأن مصر ليست تحت حكم العسكر، ثم يسكت تماما عندما يشاهد العالم كله أن من قام بزيارة ضريح الرئيس جمال عبد الناصر للترحم عليه لم يكن رئيس الجمهورية المؤقت، أو حتى رئيس الحكومة الذي عينه الانقلاب، وإنما وزير الدفاع، في حين أن عبد الناصر كان رئيسا للدولة ولم يكن وزيرا للدفاع. وكان هدف من خطط للزيارة واضحا إلى درجة تخدش العفة. وعندما قال أوباما بأن الرئيس مرسي لم يستطع أن يكون رئيسا لكل المصريين اندفعت الجوقة كلها لتحتفل بمقولة الرئيس الأمريكي، الذي قيل عنه في أيام سابقة أنه يدعم الإخوان وأن أخاه عضو في تنظيمهم الدولي. ولم يتوقف أحد بالطبع لتحليل ما قاله أوباما، لمعرفة لماذا لم يستطع الرئيس المصري المنتخب أن يكون رئيسا لكل المصريين. بل إن كمال الهلباوي، وهو إخواني قديم منشق عرفته في باكستان ناشطا في تجنيد الشباب للحرب في أفغانستان لمصلحة المخابرات المركزية الأمريكية، يقول حرفيا في القدس العربي: جاء خطاب أوباما في نيويورك، موجعاً للإخوان المسلمين والحلفاء من أجل الشرعية، بعد أن أكد فشل الرئيس المعزول في إدارة البلاد، وأنه حكمها بطريقة إقصائية، ويكرر الداعية الإسلامي، حكاية : لا تقربوا الصلاة، فيتناسى استكمال بقية تصريح أوباما الذي ندد فيه بما يعانيه معارضو الانقلاب، وبضرورة فتح المجال أمام كل الآراء. ويضيف: تزامن كلام أوباما مع حكم المحكمة المستعجلة في مصر بحظر أنشطة تنظيم الإخوان المسلمين وجماعة الإخوان المسلمين وجمعية الإخوان المسلمين في مصر، وقد تضمن هذا الحكم تشكيل لجنة مستقلة من مجلس الوزراء لإدارة الأموال والعقارات والمنقولات المتحفظ عليها ماليا وإداريا وقانونيا، لحين صدور أحكام نهائية وقطعية، بشأن الاتهامات المنسوبة إلى الجماعة وأعضائها، وبعضها اتهامات جنائية تتعلق بالأمن العام (ولم يقل لنا كيف لا يذكر السلطة بأن المتهم بريء حتى تثبت إدانته، ولماذا يودعُ الناس في السجون باتهامات غير مؤكدة، وبدون ضمان أي حق من حقوقهم، وكذا يتجاهل عبد الدولار النفطي وجود رفاق سابقين له في السجن بتهم تثير سخرية كل الشرفاء) وتغضب الخارجية المصرية من دعوة ناشط حقق الإنسان الذي أصبح رئيسا للجمهورية التونسية، رائدة الربيع العربي، التي طالبت بالإفراج عن المعتقلين السياسيين، في حين لم نسمع تنديدا واحدا بتعليقات إسرائيلية تسيئ لمصر ولقيادتها، ذما بصيغة المدح، ولا قرأنا تكذيبا لادعاءات إسرائيلية تمس بسيادة مصر على سيناء، ولا توقف أحد عند تعبيرات الوصاية على المسيرة المصرية ممن يحقنونها بالبترودولارات. وفي كل هذا تتضح يوما بعد يوم عظمة الشعب المصري وتهافت ادعاءات الانقلابيين، من أن قيادات الإخوان هي التي تحرك الشارع ضد الانقلاب، حيث يتزايد غليان الشارع في حين وضعت في السجون قيادات الصف الأول والثاني وربما الثالث من الإخوان المسلمين. وتتأكد عفوية تحركات الشارع وتبدو نسبة الملتحين فيها محدودة، وتضم في معظمها شبابا في مقتبل العمر، فيردد الإعلام المرتزق بأنهم أقلية لا يمثلون شيئا، لكنه مع ذلك يصر على أنهم، رغم ضآلة عددهم، هم المسؤولون عن وقف حال البلد وتدهور الساحة وزيادة النزيف المالي واتساع ثقب الأوزون وسقوط النيازك على أرض سيبيريا. وفي الوقت نفسه، وفي ثاني بلد إفريقي عرف السكك الحديدية، تظل 1100حركة قطار موقوفة، خصوصا من الجنوب إلى الشمال، بحجة الحفاظ على الأمن القومي، ثم يسمح بحركة 19 قطارا ذرا للرماد في العيون، ويتواصل الادعاء بأن شعب مصر متحمس للانقلاب، وعدد المعارضين لا يكفي لملء قطار واحد. وقوم الإعلام لا يخجلون، ومن نددوا بالأمس باصطحاب الأطفال الصغار إلى الاعتصامات في رابعة وغيرها، والذي كان تأكيدا لإرادة المعتصمين السلمية، حيث لا أحد يعرض أبناءه لخطر محتمل، أولئك يستعرضون اليوم بحماس فاجر لقطات متلفزة تقدم أطفالا صغارا يتقافزون وهم يهتفون للانقلاب، ولا تحاول المذيعة المختفية وراء الكاميرا أن تحذف صوتها الذي يوجه الأطفال للهتاف. وتبدأ عملية مضحكة تذكرنا بفاتحة هذا المقال، وهي حملة توقيع استمارات تطالب وزير الدفاع بترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية، ويتولى الأستاذ هيكل تثبيط همة كل عسكري سابق يرغب في ترشيح نفسه قائلا: أن هناك من العسكريين من هم أوفر حظا. و....لك الله يا شعب مصر الأبي.