أصر البيت الأبيض على هذا التوضيح : الرئيس أوباما اتصل برئيس الوزراء الإسرائيلي قبل مهاتفته السيد حسن روحاني! وحتى لا أبسط، فإن المسألة هنا ليست طلب الإذن، إنما لطمأنة حليف بل الحليف الأوحد في المنطقة والباقي زبد، وحتى الإتفاق الروسي الأمريكي حول الكيميائي السوري كانت إسرائيل توضع في صورته أولا بأول كما الإتفاق على جنيف 2«. قارعو طبول الحرب في الرياضوأنقرة وباريز وبقية الخليجيات، أهملوا مثلهم مثل أدواتهم في المعارضة السورية الخارجية التي خلع رداءها العشرات من التنظيمات المسلحة والإرهابية التي كان هذا الكيان الأجوف يدعي قيادتها وقد ابتلع هؤلاء الإهانة كما تلقوا الصفعة دون أدنى رد فعل، بل سارع بعضهم على غرار أنقرة إلى إعلان تأييدها لاتفاق موسكو - واشنطن.. أكيد، أن المرارة، كما الإحساس بالضياع والمهانة، تكون قد أصابت دعاة التدخل العسكري الأمريكي الذين راهنوا عليه، في الصميم، لكنهم لا يملكون شيئا لتغيير الإتجاه الذي آلت إليه المعادلة لأن اللعبة الآن تجاوزت أدوارهم، وباعتبارهم مجرد أدوات، فإن الذي يحركهم رأى أنه لابد من حيادهم لأن هناك لاعبون جدد دخلوا على الخط، والأمر هنا يتعلق بإيرانوموسكو مما يستوجب إزاحة »وكالات تقديم الخدمات« والتعامل مباشرة مع الذين يملكون مفاتيح إما حل القضايا الكبرى أو تأزيمها، وقضايا مثل النووي الإيراني وأمن إسرائيل وحل القضية السورية أكبر من أن تترك لصغار أنقرة وباريز والرياض، وإن كانت الأخيرة ستبقى الجهة التي تدفع الأموال عند الحاجة، مجرد صندوق أسود للعلبة السوداء التي لا تمتلك مفاتيحها كما هي لا تطلع على محتوى محتوياتها.. أي بؤس وأي دور لدول تظن نفسها ذات شأن، فإذا بها تفتقد حتى أدنى حد من الكرامة إن كانت تتوفر عليها أصلا؟ ما حدث كان ضربة معلم من الثنائي بوتين وروحاني بالإضافة لدمشق التي تبنت الخطة الروسية، كما كانت لمبادرة أو بالأحرى مبادرات روحاني أن أعادت خلط الأوراق للخليجيين وأنقرة وباريز، وأكيد فإن مواقف واشنطن التي وجدت في الخطة الروسية مخرجا من حرج ''الخط الأحمر'' الذي حشر فيه أوباما نفسه وهكذا تحول كل شيء إلى لعبة كبار بين روسياوالولاياتالمتحدة بالإضافة إلى اللاعب الآخر الأكبر إقليميا وهو إيران وليس تركيا أو السعودية أو مصر. ومع أن الأمور لم تحسم بعد بشكل نهائي، لكن المؤكد أن الخاسر أو الخاسرين سياسيا وعسكريا وأخلاقيا هم أولئك الذين راهنوا على إسقاط النظام السوري وتفكيك أوصال هذه الدولة وإلحاقها بالعراق وليبيا واليمن والسودان وتونس إنما لعبة شيطانية امتزج فيها الإرهاب الدولي بالمال الخليجي وبالحلم الشرقي وبوهم الدولة الكبرى الذي يتحكم في ممارسات الديبلوماسية الفرنسية تجاه الأزمة في سوريا. الرئيس الإيراني الجديد أعرب عن أمله في تحسين العلاقات مع الرياض لأنه يرى أن لهذه المملكة النفطية ليس فقط التأثير على مجلس التعاون الخليجي الذي تقوده حسب هواها، إنما لعلاقة هذا البلد الجيدة مع واشنطن ومن ثمة وهو السياسي المحنك يرى أن الرياض محطة في مقارباته الديبلوماسية التي تستهدف واشنطن. ومعلوم أن إيران لها ديبوماسية نشطة وحيوية، وأيضا ديبلوماسية هجومية تمتلك الكثير من الأوراق التي قد تقايض بها الولاياتالمتحدة سواء تعلق الأمر بالخليج أو الشرق الأوسط أو أفغانستان وهي ملفات تسعى الديبلوماسية الأمريكية إلى التهدئة فيها مع ضمان بقاء مصالحها، وطهران لا تعارض ذلك إنما تسعى لتحقيق توازن هي أيضا في أن تقر واشنطن بمصالح إيران في منطقة تعتبرها مجالها الحيوي. في حين أن ديبلوماسية الرياض الجامدة تتسم بالانغلاق وزرع الفتن، وواشنطن لا تريد الولاء الأعمى كما تمارسها الرياض، إنما تريد كذلك تجنب إثارة القلاقل والفتن وهو الاختصاص الوحيد للملكة الهرمة وأكيد فإن واشنطن إن تكره النظام السوري وأيضا النظام الايراني، فهي أيضا تتعامل مع حقائق موجودة على الأرض ومن الصعب تغييرها بخلق توترات قد تعدي مناطق أخرى وتدخلها في دوامة من الحروب والصراعات المذهبية والعرقية والدينية التي إن تصيب هوى في نفس أمريكا فإن تبعاتها الآنية من الصعب تقدير ما ستسفر عنه. وربما ما كشفت عنه نيويورك تايمز مؤخرا عن مشروع أمريكي لإعادة رسم خارطة الشرق الأوسط وتفكيكها إلى كيانات تتماشى حسب مفهوم الرياض للصراع الشيعي - السني قد يشكل مكبحا للاندفاع السعودي ذلك أن الأمر هنا يدرج السعودية ضمن الدول المطلوب إعادة هيكلتها وتقسيمها لكيانات وهابية وشيعية وسنية، وستجد الرياض نفسها فيه كذلك الذي يحفر حفرة للغير فيتهاوى فيها. على الرغم أن مثل هذا المخطط ليس بجديد على دوائر التفكير الاستراتيجي في الولاياتالمتحدة حيث سبق أن طرح في السبعينات بعد حرب أكتوبر من قبل هنري كيسنجر وعلى نفس التصور الذي كشفت عنه نيويورك تايمز إلا أن الجديد فيه هو إضافة ليبيا، وأتساءل هنا عن ''الصدفة'' في تبني حكام ليبيا الجدد لعلم العهد الملكي كما تبني ''المعارضة'' السورية لعلم الانتداب الفرنسي؟'' في كل هذه التطورات المتسارعة للأحداث التي فرضتها الأزمة السورية فإن الخاسرين على الأقل في الوقت الراهن، هم الخليجيون وأنقرة وباريز، هذه الأطراف التي يبدو أنها لم تفهم جيدا ما سبق للرئيس الأسد أن أعلنه منذ أكثر من سنة أن التدخلات في سوريا والعدوان عليها سيصيب كل المنطقة، وعلى شاكلة من يزرع الشوك يجني الجراح فإن دلائل ذلك بدأت تتشكل في لبنان وفي تركيا التي هددت بعض التنظيمات التكفيرية المقاتلة في سوريا أردوغان بالهجومات الإنتحارية. الأزمة السورية منذ بدايتها كانت تتحكم في توجيهها التوازنات الدولية الكبرى التي تتعدى المنطقة وربما هذا ما لم تفهمه الخليجيات وأنقرة وباريز، فالأولى كانت تعتقد أن الشيكات التي تشترى بها الذمم تكفي والثانية كانت تظن أنه بسقوط سوريا فإن كل الشرق لأوسط سيصبح تحت هيمنة العثمانيين الجدد، أما باريز فتوهمت أنها ستتبوأ كرسي قوة دولية كبرى.. كل هذه المراهنات والأوهام تبخرت وأصبحت سوريا كابوسا لهؤلاء!