اتسم المشهد الإقليمي في الشرق الأوسط والمنطقة العربية مؤخرا بتطورات دراماتيكية تفتح المجال أمام سيناريوهات بالغة الخطورة فرضتها جملة من المعطيات برزت على الساحة في الأيام الأخيرة منها: 1 قرار الجامعة العربية تجميد مشاركة الوفود السورية في اجتماعاتها وفرض عقوبات سياسية واقتصادية على دمشق،والأخطر من ذلك التلويح بطلب رفع الملف السوري إلى الأممالمتحدة لاتخاذ الإجراءات الكفيلة بحماية المدنيين!
2 التقارير المتزايدة عن عزم الجامعة العربية في اجتماع الرباط القادم الطلب من تركيا فرض منطقة عازلة على الأراضي السورية بعمق 30 كلم تكون بمثابة ملاذ أمن للمنشقين من الجيش السوري، وقاعدة خلفية لإطلاق عملية تحرير سوريا على غرار عملية تحرير ليبيا انطلاقا من بنغازي·
3 اقتحام المتظاهرين السوريين للبعثات الدبلوماسية التركية والفرنسية والخليجية، ورد عواصم هذه الدول باستدعاء السفراء السوريين والتلويح بقرارات عقابية بالإضافة إلى إجلاء الموظفين الدبلوماسيين كما فعلت تركيا·
4 التهديد الإسرائيلي المتعاظم بضرب المنشآت النووية الإيرانية بعد تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية بأن لإيران جانبا عسكريا في مشروعها النووي·
5 التوتر الكبير في العلاقات الإيرانية الخليجية بعد إحباط محاولة اغتيال السفير السعودي في واشنطن واتهام إيران وحزب الله بالوقوف وراء العملية ومؤخرا، واتهام إيران بمحاولة تفجير السفارة السعودية في البحرية وتفجير جسر الملك فهد الذي يربط السعودية بالبحرين·
5 تهديد كل من الرئيس السوري بشار الأسد وزعيم حزب الله حسن نصر الله والمرشد الإيراني علي خامنئي في تصريحات متقاربة زمنية، بحرق الشرق الأوسط في حال الاعتداء على ضلع من أضلاع هذا المحور وأن دول الخليج وإسرائيل لن تكون بمنأى عن هذا الحريق·
6 تزامن هذه التطورات مع الانسحاب الأمريكي من العراق وما يمثله من تغير إستراتيجي قرأه البعض على أنه ضعف أمريكي فيما أرجعه البعض إلى سحب الإدارة الأمريكية ورقة مهاجمة القوات الأمريكية في العراق من يد الإيرانيين تمهيدا للمعركة الكبرى·
7 انفجار ثكنة الحرس الثوري في طهران ومقتل العشرات من بينهم جنرال إيراني مرموق، وهنا أوردت صحيفة ”نيويرك تايمز” أن الموساد الإسرائيلي وراء العملية التي تزامن أيضا مع العثور على جثة ابن قائد الحرس الثوري الإيراني السابق مقتولا في أحد فنادق دبي! أمام هذه التطورات يحذّر الكثير من المحللين أن مختلف الأطراف الفاعلة في المشهد الإقليمي العربي تلعب على شفير الهاوية وأن حجم الاستقطاب والتوترات والرهانات، قد تعطل كل معدات الإطفاء التي أبقت الصراع في الشرق الوسط باردا وتحت السيطرة طيلة السنوات الماضية· وفي جولة سريعة على السيناريوهات المتوقعة في الأيام والأسابيع يكمن القول إن كل الاحتمالات مفتوحة من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين· السيناريو الأول: البداية من سوريا
تعتبر سوريا بعد اندلاع الثورة ضد بشار الأسد الحلقة الأضعف في محور ما يسمى ”المقاومة والممانعة”، حيث أصبح النظام في دمشق فريسة جاهزة بعد أن أُنهك سياسيا واقتصاديا وعسكريا ودبلوماسيا في قمع الثورة التي تحيط به من كل جانب، لذلك يرجح المراقبون أن البداية ستكون من سوريا حيث تتقاطع الحسابات التركية والأمريكية والعربية في ضرورة إنهاء حكم بشار وإفساح المجال لرسم مشهد إقليمي في الشرق الأوسط بعد اندلاع الثورات العربية· وتبقى إسرائيل أكبر معارض لعمل كهذا خشية من المجهول ومن وصول الإخوان المسلمين إلى الحكم في دمشق· فالنظام السوري ورغم ادعائه الممانعة والمقاومة حافظ منذ عدة عقود على جبهة الجولان هادئة تماما، كما يؤيد تصريح مع بداية الثورة رامي مخلوف ابن خالة بشار الأسد أن أمن إسرائيل من أمن سوريا هذه النظرية· في حال اتخذ قرار بالبداية بسوريا سيكون أول تطور عسكري منتظر هو التحرك التركي بغطاء عربي غربي، لفرض منطقة عازلة بعمق 30 كلم في الأراضي السورية تحمي من خلالها المنشقين وتشجعهم على إطلاق حملة لتحرير سوريا من نظام الأسد، كما ستكون ملجأ آمنا للاجئين السوريين والمعارضة، وعلى رأسها المجلس الوطني الانتقالي للعمل انطلاقا من الأراضي السورية لإسقاط نظام الأسد· وهنا يتوقف المراقبون حول ردة الفعل السورية، فهل ستتصدى دمشق للقوات التركية وتفتح جبهة شمالية مع تركيا العضو المؤثر في الناتو؟ ومن هي أصلا في وارد تحمل حرب مع الأتراك أم أنها ستكتفي بالاحتفاظ بحق الرد كما فعلت مع الهجوم الإسرائيلي على موقع دير الزور سنة .2007 كما يتساءل المراقبون عن طبيعة ردة الفعل الإيرانية، فهل ستكتفي إيران بدعم سياسي لوجيستي للأسد كما فعلت مع حزب الله وحماس في حربهما مع إسرائيل عامي 2006 و 2008؟ أم أنها ستعتبر هذا الهجوم كمقدمة لضربها هي الأخرى فتربط مصيرها بمصير بشار· السيناريو الثاني: البداية من إيران عكس سوريا تعتبر الجمهورية الإسلامية في إيران رأس محور الممانعة كقوة عسكرية واقتصادية وسياسية عظمى إقليميا على الأقل، وهي الداعم الرئيسي لنظام الأسد ولحزب الله اللبناني والأحزاب الشيعية العراقية والمعارضة البحرينية وحركة حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين، لذلك يفضل بعض صناع القرار في الولاياتالمتحدةالأمريكية و إسرائيل البداية من إيران، من خلال تطبيق نظرية قطع رأس الأفعى، وهو ما سيجعل سقوط بشار الأسد وانحسار حزب الله وحماس والمعارضات الشيعية في الخليج تحصيل حاصل· وهنا يذكر المراقبون أن الحملة على إيران بدأت فعليا من خلال التسخين الإعلامي والدبلوماسي من خلال عدة محطات:
1 إعلان الإدارة الأمريكية مؤخرا إحباط محاولة لاغتيال السفير السعودي في المملكة· 2 إعلان دولة قطر إحباط محاولة لتفجير مبنى السفارة السعودية في البحرين ولتفجير جسر الملك فهد الرابط بين السعودية والبحرين واتهام العدالة البحرينية في وقت لاحق إيران بالوقوف وراء المخطط· تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية بأن إيران تطور أسلحة نووية وأن مشروعها النووي لا يتسم بالطالع السلمي كما تنص عليه معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية التي وقعت عليها إيران· قيام أركان النظام الإسرائلي بالتلويح بالخيار العسكري في وجه إيران لحملها على وقف طموحاتها النووية، وتزايد التقارير الإعلامية عن استعدادات إسرائيلية جادة لضرب المنشئات النووية الإيرانية· فرض المزيد من العقوبات الغربية على النظام الإيراني وتشجيع المعارضة ضد حكمه· فيما يتعلق بضرب إيران يبدي المراقبون حذرا أكبر، فإيران قادرة على زعزعة الأمن والاستقرار في العالم من خلال الترسانة العسكرية الهائلة التي تتمتع بها وموقعها الإستراتيجي المطل على أهم طريق نفطي في العالم ”مضيق هرمز”، والذي هددت إيران في أكثر من مناسبة بإغلاقه في حال هوجمت، كما هددت أيضا بتدمير القواعد العسكرية الأمريكية في الخليج وتركيا من خلال الصواريخ الباليستية التي تملكها· ولدى إيران أيضا القدرة على تحريك حزب الله اللبناني الذي يملك آلاف الصواريخ القادرة على إيلام إسرائيل، كما تستطيع طهران استثمار نفوذها في العراق وأفغانستان لتوتير الوضع في هاتين الدولتين· السيناريو الثالث: الاكتفاء بالضغوط الاقتصادية والدبلوماسية
يجزم الكثير من الخبراء بأن الحديث عن التدخل العسكري في سوريا أو إيران لا يعدو عن كونه حربا نفسية إعلامية ضد دول محور ما يسمى ”محور الممانعة والمقاومة”، حيث لا أوروبا ولا أمريكا في وارد فتح جبهة عسكرية جديدة بعد حربي العراق وأفغانستان، خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية التي تتخبط فيها هذه الدول، والمواقف الحازمة من روسيا والصين والتي تعارض أي عمل عسكري ضد هاتين الدولتين، وبالتالي تعطيل أي قرار دولي يسمح بالتدخل العسكري من خلال استخدام حق النقض في مجلس الأمن·
ويضيف هؤلاء أن الغرب سيكتفي بالعقوبات الاقتصادية وبتشديد العزلة الدولية، لدفع النظام الإيراني إلى الانكفاء داخليا ووقف طموحاته النووية والنظام السوري إلى وقف آلة القتل في سوريا والقبول بتنظيم انتقال سلس للسلطة كما تنص عليه المبادرة العربية·
كما أن قوة الردع والكثافة النيرانية التي تملكها دول وحركات محور الممانعة والمقاومة، كفيلة بلجم أي طموح لهزيمة هذا المحور خاصة بعد التجارب غير المشجعة لإسرائيل في لبنان وفلسطين ولأمريكا في أفغانستان والعراق· وهنا يمكن ذكر واقع الرئيس الأمريكي باراك أوباما المقبل على انتخابات رئاسية العام المقبل، والذي أتى إلى البيت الأبيض بوعد إنهاء الحروب التي أطلقها سلفه، فمن غير المنتظر أن يبادر بشن حرب جديدة وهو على أعتاب استحقاق رئاسي· من جهة أخرى يخشى صناع القرار الغربيون أن أي هجوم عسكري على إيران أو سوريا سيدفع بالاقتصاد العالمي إلى الركود المضاعف ويدخله في حالة غيبوبة، لأن هجوما مثل هذا سيرفع أسعار النفط ضعفين على الأقل وسيقيد طرق التجارة الدولية وسيدفع بالعديد من الدول إلى وقف برامجها الاستثمارية والاقتصادية لتمويل تكلفة الحرب· يمكن القول في الأخير إن قرع طبول الحرب في الشرق الأوسط في أكثر من ساحة وبسبب أكثر من ملف متفجر، يجعل المنطقة تعيش ترقبا وقلقا لم يسبق أن عرفته منذ حرب الخليج، ويضع كل الاحتمالات على الطاولة، بما ينذر بتغييرات إستراتيجية وديمغرافية تعيد رسم خارطة الشرق الأوسط من جديد لعقود قادمة.