إحباط، صدمة، خيبة أمل، ارتباك... هي بعض من الحالات، وليس حالة واحدة، التي أصابت الخليجيات وأنقرة، كما كانت حمى باردة على المعارضة السورية الخارجية.. هل هي ضربة معلم؟ ذلك الإقتراح الروسي المتعلق بالسلاح الكيماوي السوري الذي قبلته دمشق، بل أعلنت استعدادها الإنضمام للمعاهدة الدولية المتعلقة بإنتاج هذه الأسلحة وعدم استخدامها. الإجابة بالتأكيد، هي نعم، والخطة الروسية التي فاجأت قارعي طبول الحرب والعدوان كانت أيضا مخرجا ذكيا للرئيس الأمريكي باراك أوباما الذي وضع نفسه في خانة من الإحراج.. ورغم بعض التشكيكات ''الشكلية'' إلا أن سيد البيت الأبيض وجد فيها ما يمكن أن ينتشله من الورطة، وهكذا فإن بوتين انتشل أوباما من احتمال السقوط في المستنقع وحيدا و أجل عدوانا أمريكيا هدفه تدمير سوريا كما دمر العراق، وليس حماية الشعب السوري كما يردد السخفاء والسفهاء في الخليج والقرن الذهبي ومعهم جوق المعارضة التي تنتظر سقوط الثمرة لتلتقطها، مع أنها إن سقطت فسوف تتعفن وتندثر.. موسكو، كما واشنطن، هما اللاعبان الأساسيان منذ البدء، وأولئك الأعراب في الخليج ومعهم طورا في آسيا الصغرى وأبناءهم من المعارضة الخارجية كانوا مجرد بهلوانيين يؤدون أدوارا حددت لهم سلفا، والمأساة أنهم كانوا يظنون أنفسهم فاعلين في الأزمة وأن مصير سوريا سيحددونه هم وجندوا جامعة نبيل العربي الذي كان يقول منذ أكثر من سنتين ونصف الشيء ونقيضه إنه يسبح في ضبابية تامة وضد التيار ووراء الخليجيات التي وضعته في جيبها. واشنطن حققت أحد أهدافها الكبرى دون أن تطلق طلقة واحدة، ضمان أمن إسرائيل من خلال تحييد سلاح استراتيجي هدفه الأساسي الردع في مواجهة الترسانة النووية الإسرائيلية، وهو في هذه الحالة نوعا من التوازن ولايمكن أن يستعمل إلا في حالة اليأس واليأس هنا في مواجهة عدوان خارجي، باعتبار أن الوضع ميدانيا في عمومه في صالح الجيش السوري. أكيد، أن المسار هنا يشبه الوضع العراقي في تسعينات القرن الماضي حين حوصر نظام صدام حسين واستصلب بشكل تدريجي من خلال تلك الترسانة من القرارات الدولية التي كان مجلس الأمن يصدرها تباعا وأدت في النهاية إلى تجريد العراق من كل عوامل المقاومة أو الصمود أو الدفاع كان العراق وحده في مواجهة العالم أو بالأحرى الغرب بقيادة واشنطن بوش، غير أن الصورة تختلف نوعا ما حيث نرى اليوم روسيا بوتين وليس الاتحاد السوفياتي المترهل آنذاك بقيادة غرباتشيف، آنذاك كان قطبا واحدا يقود العالم ويلعب كما أراد أما اليوم فهناك قوى أخرى صاعدة بقيادة روسيا تسعى لإعادة التوازن في تسيير شؤون العالم وبالنسبة لهذه الحالة بالذات فإن موسكو مصممة ليس على المواجهة إنما على حصار واشنطن في خانة الشرعية الدولية مرفوقا بخطة ديبلوماسية ذكية تستهدف ترغيب واشنطن في زوال كل تهديد مستقبلي محتمل لحليفتها الوحيدة اسرائيل. حتى وهو يقدم خطته وتعهده أصر بوتين على أن يكون ذلك مقابل تخلي واشنطن عن خطة الهجوم على سوريا وليس تأجيله أو تعليقه، من خلال إعلانه أنه لا يمكن تحميل سوريا خسارة سلاح استراتيجي في مواجهة اسرائيل التي تمتلك ترسانة نووية دون ضمانات التخلي نهائيا عن تهديدها. لقد أخذ الكثير على حين غرة، ليس فقط ذلك الكم المهمل من الخليجيات وأنقرة، والمعارضة الرافضة لكل شيء منذ البداية، إنما حتى العواصم الغربية الكبرى أو هكذا، تحسب نفسها الحليفة التابعة لواشنطن وأساسا لندن وبرلين وباريز. ومع أن بريطانيا كما ألمانيا بلعتا الطعم وسارتا في الاتجاه إلا أن موقف فرنسا هو المثير ليس للدهشة إنما للسخرية ولعل تصريحات لوران فابيوس ومزايداته بعد إعلان لافروف عن الخطة تعكس الاحساس بالصدمة والصفعة معا من أوباما والإدارة الأمريكية التي لم تكلف نفسها عناء إعلامها بالطبخة الثنائية، رغم أن فرنسا كانت البلد الغربي الوحيد الذي أعلن ليس تأييدا إنما ولاءه الأعمى لخطة الهجوم الأمريكي على سوريا. لافروف أجاب فابيوس الذي راح يضع شروطا لخطة لم يشارك فيها أصلا واطلع عليها مثل عامة الناس عبر وسائل الإعلام، أجابه أن الفصل السابع الذي تحدث عنه فابيوس غير مقبول، هكذا ببساطة وببرودة قاتلة. تذكرت، وأنا أتابع تصريحات فابيوس ورئيسه هولاند وهما يتباكيان على ضحايا الاستخدام المزعوم للسلاح الكيماوي ضد المدنيين من قبل الجيش السوري أقول تذكرت أن فرنسا وجيشها هم أول من استعمل الغازات الخانقة والقاتلة ضد المدنيين في القرن التاسع عشر حتى قبل أن يخترع هذا السلاح، ألا تتذكرون مداخن خميس الخشنة والظهرة حين قتل الجيش الفرنسي آلاف الجزائريين والجزائريات الذين لجؤوا إلى المغارات فكان أن قتلهم خنقا بالأدخنة بعد أن أغلق عليهم كل المنافذ؟ مع أن المسألة لم تبلغ بعد مستوى خطورة أزمة صواريخ كوبا بداية ستينات القرن الماضي إلا أنها أول تصادم كبير في هذا القرن، بين الولاياتالمتحدةوروسيا وريشة الاتحاد السوفياتي وهو تصادم ستكون بعض نتائجه بداية بروز عالم ذو قطبين أو متعدد الأقطاب، مما يعني حدوث توازن في العلاقات الدولية ينهي عهد القوة الوحيدة التي استهترت على مدى ما يقارب الأربعة عقود بمصير العالم متجاوزة القوانين الدولية متجاهلة مصالح الدول والأمم والشعوب. الخطة الروسية ليس فيها أية اشارة لتنحية الأسد ولإزالة النظام ولا منح المعارضة المشتة السلطة وقبلتها واشنطن كما ابتلعتها الدول الغربية كخطوة للحل السياسي والديبلوماسي دون اشتراط ذهاب الأسد.. أية بهدلة للخليجيات وأنقرة؟ لقد انتهى دور الصغار، هكذا قالت واشنطنوموسكو للجوق الذي كان يسخن الطبل، عودوا إلى جحوركم؟