وحاول هارون أن ينبههم إلى خطيئة عبادة تمثال من دون الله فرفضوا وهددوه وكادوا يقتلونه، ويقول المولى عز وجل :قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ، ثم يقول:فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي. وما يقوم به اليوم في مصر بعض من كنا نظن أنهم النخبة لا يختلف كثيرا عن قصة السامري، حيث يتبارى القوم في تقديم فروض الولاء الذليل لنظام لم ينجح منذ أكثر من ثلاثة أشهر في إخفاء ارتباكه وتردده ودمويته، بعد أن قام، اعتمادا على القوة المسلحة، بعزل رئيس منتخب ديموقراطيا للمرة الأولى في تاريخ مصر. وتثبت النخبة الزائفة، بنفاقها الذي تجاوز كل حدود العفة، أن كل خطبها الحماسية عن الديموقراطية كانت بلاغيات ارتزاقية لضمان كرسي جانبي (strapentain) في جهاز السلطة الحاكمة، بعد أن أدركت أنها مجرد خضرة فوق عشا، ولا وجود لها في الشارع المصري. ويصل الأمر بأشباه المثقفين وعلماء السلطان إلى حد تبرير جرائم قتل جماعي سقط فيها خلال أربعين ساعة أكثر ممن سقطوا خلال أربعين سنة من الصراع المصري الإسرائيلي. وحقيقي أن الرئيس محمد مرسي ارتكب الكثير من الأخطاء، التي كان يمكن أن يتم تفادي الكثير منها لو كان بجانبه مستشارون أكفاء يضعون أمامه كل البدائل الممكنة لأي تصرف أو موقف أو تصريح. لكن ما تأكد اليوم هو أن قصر الرئيس كان مخترقا بأكثر من حصان خشبي، أستطاع من فيه أن يضللوا رجلا نظيفا لم يعرف ألاعيب السلطة ومكائد القصور. ومنذ اليوم الأول كان واضحا أن كل الذين فشلوا في انتزاع أقلية مؤثرة في المؤسسات المنتخبة ديموقراطيا سيواصلون مهمتهم التي تدربوا على أدائها، وجعلتهم مجرد ظاهرة صوتية استفاد منها نظام الحكم السابق، ومن هنا تكتلوا لتلويث الجو العام الذي يعمل فيه الرئيس الجديد. ولقد لاحظت هذا في اليوم الأول الذي ألقي فيه مرسي أول خطبه في ميدان التحرير، حيث كثرة عدد رجال الأمن حوله مظهرا مؤسفا لرجل فتح سترته قائلا أنه لا يرتدي قميصا واقيا من الرصاص، وهكذا أتيحت الفرصة لمن أراد أن يسخر من الرئيس الجديد مبرزا التناقض بين ما يقوله وبين عدد رجال الأمن حوله. وظاهرة وجود رجال الأمن بشكل سافر حول الشخصيات الكبيرة ظاهرة معروفة في العالم المتخلف، يريد بها رجال الحماية إثبات أهمية وجودهم، في حين أن أساس الحماية هو الفعالية والتستر (discrétion) ولعل أوضح مثال لذلك سخرية الصحف المصرية نفسها من الرجل الواقف وراء عمر سليمان، والذي لم يكن هناك أي مبرر أمني لظهوره في الصورة وراء نائب رئيس الجمهورية وهو يعلن تخلي الرئيس حسني مبارك عن منصب رئاسة الجمهورية. وكنت في حديث سابق، وفي إطار إبراز تعمد الإعلام المصري الإساءة للرئيس مرسي، كنت أشرت لخطاب الاعتماد الذي أرسل به الرئيس إلى رئيس الكيان الإسرائيلي بمناسبة تعيين سفير جديد لمصر، وأبرزت حجم التلاعب الذي قامت به أجهزة الإعلام المصرية، الحكومية والخاصة، للإساءة للرئيس المختطف، لكن زيارة الرئيس مرسي لباكستان كان فرصة جرى فيها التركيز على كل ما يمكن أن يعتبر إساءة للرئيس المصري. وكانت باكستان قد قررت إهداء درجة الدكتوراه الفخرية للرئيس مرسي، ومعروف في العالم أجمع أن الدكتوراه الفخرية تتطلب زيا خاصا وغطاء مميزا للرأس، وتختار كل بلد الشكل الذي تراه لزي الشخصية المكرمة، وهو ما حدث مع الرئيس مرسي، الذي ارتدي غطاء رأس متميز يشبه ذلك الذي ارتداه رئيس الجامعة الباكستانية. وقامت الحايحاية في مصر، وأنفقت أموال معتبرة لإعداد ملابس مشابهة وغطاء رأس مماثل استعمل للسخرية من الرئيس المصري، وكان في مقدمة الساخرين مرتزق محسوب على دنيا الفن هو أحمد آدم، الذي تابعناه خلال أزمة الكرة التي افتعلها النظام المصري، عندما قال أنه سيعتبر أن المغرب متصل مباشرة بتونس ولا يوجد شيئ اسمه الجزائر بينهما. أما قمة السخرية فقد تولى أمرها طبيب مرتزق، تمول برنامجه مؤسسات مالية مرتبطة بالنظام الذي أسقطه الشعب المصري في 25 يناير ,2011 كان يقدم برنامجا تخصص في السخرية الحادة من الرئيس ثم اختفي، أو أخفي تماما، في نظام الحكم الجديد الذي أتى به الانقلاب. ويقدم باسم يوسف برنامجا ساخرا وضع فيه على رأسه غطاء رأسٍ، حجمه أضعاف حجم غطاء الرأس الذي لبسه مرسي، وعندما استدعى أمام المحكمة متهما بالإساءة للرئيس ذهب إليها وهو يضعها فوق رأسه وسط جمع من المرتزقة المتقافزين كالقرود. وبالطبع فإن خطاب الرئيس مرسي في باكستان استقطب انتقادات كثيرة، كان من بينها انتقادات محقة يتحمل مسؤوليتها من حرر الخطاب الرسمي للرئيس، والذي قيل أن وجوده في الرئاسة لم يكن من اختيار مرسي، وهو ما لا أعرف مدى صحته، وإن كنت أعرف أن كثيرين لم يكن وجودهم بأمر من الرئيس، الذي ركز معارضوه على أنه مجرد مندوب لمكتب إرشاد الإخوان المسلمين في قصر الرئاسة، أي أنه كان يتلقى التعليمات من المرشد العام للإخوان المسلمين. وبرغم أن التنسيق بين رئيس منتخب وقيادة الحزب الذي كان ينتمي إليه ليس أمرا خارقا للعادة فإن ما رشح عن الموقف يؤكد أن مرسي كان ذا شخصية مستقلة، بحكم تكوينه العلمي واعتزازه بموقعه الذي كان نتيجة لانتخاب شعبي، لم يكن الإخوان المسلمون وحدهم من صوتوا لصالحه. غير أن قمة الاختراق السياسي كان تلك الثلة التي تنتسب إلى شريحة من شرائح الإسلام السياسي، تردد أنها تتلقى وحيها من اتجاهات مذهبية وسياسية غير مصرية، ويقول كثيرون أنها كانت من العناصر المرتبطة بالأمن السياسي، وكانت داخل مجموعة الإسلام السياسي صورة مماثلة لحصان طرواده. وكانت تصرفات هؤلاء من أبرز ما أساء للإسلام وللمسلمين وحسبت آثامه على الإخوان، وكان من بينهم من قتلوا شابا مصريا في السويس، كان يسير مع خطيبته، ومن بينهم من أجرى عملية تجميل لأنفه ثم ادعى أن هناك من هاجموه وشوهوا أنفه، وكان من بينهم من اختاره رئيس الجمهورية إرضاء لحزبه فاكتشف انه ملوث بالفساد وتخلص منه الرئيس على الفور، وكان من بينهم من رفض الوقوف تحية للعلم، والمساهمة في وقفة ترحم على زميل قضى نحبه بحجة أن هذا وذاك بدعة، وكل بدعة ضلالة. هذه الشريحة من أصحاب اللحى هي من طعنت الرئيس مرسي في ظهره وانحازت للانقلابيين، وقيل أن ذلك تم بناء على تعليمات داخلية، انسجمت مع توجيهات خارجية تفوح منها رائحة البترودولارات. والرائع هنا هو أن الشعب المصري أثبت دائما وعيه ووطنيته وذكاءه، ومن هنا تتزايد حشود تحالف دعم الشرعية رغم القمع والبطش والإرهاب. ومن هنا أيضا، ورغم مرور أكثر من ثلاثة أشهر، يفشل نظام الثالث من يوليو في انتزاع مباركة واضحة من الأغلبية الساحقة في العالم، بما فيها دول الاتحاد الإفريقي التي تلقى رئيسها من دول معينة، كما يقال، رجاء بعدم استعمال تعبير الانقلاب.