جاءت افتتاحية العدد السادس عشر من مجلة بونة للبحوث والدراسات التي كتبها الأستاذ الدكتور سعد بوفلاقة، تحت عنوان:« مجلة بونة تفقد أحد أعضائها المتميزين-الأستاذ الدكتور علي لغزيوي الفاسي المغربي-»،حيث ذكّر رئيس تحرير المجلة بجهود ومنجزات العلاّمة علي لغزيوي وخصاله،وقد افتتح مقاله بالقول: «علمنا بمزيد من الحزن والأسى نبأ وفاة المغفور له بإذن الله تعالى، الأستاذ الدكتور علي لغزيوي الفاسي المغربي، الأستاذ الجامعي المتميز المعروف بأخلاقه العالية، والكاتب الباحث، وعضو المجلس العلمي لمجلة بونة للبحوث والدراسات التي تصدر في مدينة بونة ''عنابة'' بالجزائر، وعضو رابطة الأدب الإسلامي العالمية. لقد التقيت الأستاذ الدكتور/علي لغزيوي رحمه الله أول ما التقيته منذ ثلاثين سنة تنقص قليلاً،كان اللقاء الأول سنة ثلاث وثمانين وتسعمائة وألف في الملتقى الدولي«النًقد الأدبي واللسانيات»الذي نظمه معهد الآداب واللغات بجامعة عنابة،بالجزائر،وشارك فيه نخبة من الأساتذة المغاربة المتميزين، ومنهم الدكتور علي لغزيوي الذي قدم محاضرة متميزة،وقد لقي المحاضر من الحاضرين جميل الثناء،ووفير الإعجاب بأفكاره العميقة،وذكائه الخارق،وأثناء ذلك تبادلنا التصافح،وتجاذبنا أطراف الحديث،وتجولنا في مدينة بونة(عنابة)وضواحيها،وأعجب بمدينة أبي مروان الشريف». وفي العدد نفسه كتب الدكتور سعد بوفلاقة مقالاً تحدث فيه عن جهوده في الأدب الأندلسي من خلال كتابه الموسوم ب«أدب السياسة والحرب في الأندلس»،حيث ذكر أن المؤلف تناول بالدراسة في هذا الكتاب مواقف الأدب من قضايا السياسة،والحرب معاً، لما بينهما من اتصال وطيد، وقد جمع مادة البحث من بطون المصادر الأساسية المخطوطة،والمطبوعة،ثم قام بدراسة ما جمعه من نصوص، ودراسة ما يتعلق بالفترة التي حدّدها من الناحية السياسية، والاجتماعية، والثقافية، والاقتصادية، والعمرانية. وقد جاء الكتاب - بعد التقديم-في تمهيد، وبابين، وخاتمة.ففي التمهيد تحدث عن المؤثرات العامة التي رآها شديدة الصلة بالموضوع، فتناول الحياة السياسية والاجتماعية، والثقافية منذ الفتح الإسلامي للأندلس إلى نهاية القرن الرابع الهجري، لعلاقتها المتينة بالموضوع، لتكون مدخلاً مساعداً على خلق الجو المناسب لفهم النصوص، وتمثل مضامينها. أمَّا الباب الأوّل فخصصه للشعر، وجعله في سبعة فصول، وهو القسم الأكبر في الدراسة. الفصل الأول: تحدّث فيه عن الشعر وقضايا الصراع بين العناصر الاجتماعية، وهو صراع اتخذ صبغة سياسية واضحة. الفصل الثاني: تناول فيه بالدراسة شعر الانتقاد السياسي، باعتباره تعبيراً عن موقف الرفض. الفصل الثالث: خصصه للحديث عن شعر السجن السياسي، وكان الكثير منه نتيجة للموقف السابق، أو التعارض في المصالح السياسية. الفصل الرابع: تناول فيه الشعر، وحركات التمرد في الأندلس، وبلاد العُدوة التي كانت تابعة لقرطبة، وهي حركات عديدة متفاوتة الخطورة بالنسبة للدولة الأموية بالأندلس. الفصل الخامس: درس فيه الشعر في مواكبة السياسة الخارجية في حالتي السّلم والحرب، وفي مواقف الانتصار، ومواقف الهزيمة، وعنونه بشعر الجهاد الخارجي في الثغور الشمالية، والعلاقات السلمية. الفصل السادس: خصّصه للشعر الأندلسي، وفي موقف الصّراع المذهبي والاحتجاج من خلال غرضين مناسبين لهذا الصراع،وهما:الفخر والمدح. الفصل السابع:خاص بالظواهر الفنية البارزة في هذا الشعر. أمَّا الباب الثاني، فقد جعله لدراسة النثر من خلال ثلاثة فصول،تناول في الأول:الخطابة والوصايا لما بينهما من صلة، وتحدث في الفصل الثاني عن الكتابة الديوانية من عهود ،وتوقيعات ،وكتب أمان،ومعاهدات،ومراسلات داخلية وخارجية. أمَّا الفصل الثالث، فخصّصه للحديث عن بعض الظواهر الفنية البارزة في النثر الأندلسي في هذا العصر. وأتمَّ البحث بخاتمة سجّل فيها أهمَّ النتائج، والحقائق التي توصل إليها، ولأهمية هذه النتائج رأيت من المناسب تسجيل أهمها هنا: 1-تضم هذه الدراسة عدداً من النصوص الشعرية والنثرية تتناول أبرز قضايا الصراع الاجتماعي، والسياسي في الأندلس،وتعبر عن المواقف المختلفة منها،وقد جُمعت هذا الجمع المكثف على هذه الصورة لأول مرة في دراسة مستقلة،وهو ما يتيح لنا أن نطلع على هذه الجوانب من حياة المسلمين في الأندلس،وعلاقاتهم الداخلية والخارجية ،وصراعاتهم،وطموحهم،وغير ذلك،كما تطلعنا على طرق تعبيرهم عن تلك القضايا،والمواقف. 2-كثير من هذه النصوص يرى النور لأول مرة، اعتماداً على مصادر مخطوطة مثل السفر الخامس من المقتبس لابن حيان، وتاريخ العلماء للخشني، وذكر بلاد الأندلس لمؤلف مجهول،وغيرها،ومن تلك النصوص أذكر على سبيل المثال:نص أمان عبد الرحمن الناصر لمحمد بن هاشم الثائر بسرقسطة، وتوقيعه على معاهدته مع ابن حفصون، ورسالة استعطافية من أحد السجناء للمنصور بن أبي عامر،وغير ذلك من النصوص الشعرية والنثرية التي جاءت في مكانها من هذه الرسالة. 3-يتعرف الدارس في هذه الرسالة على كثير من الأدباء المغمورين الذين وجدوا مكانهم في هذه الدراسة التي قدمت عنهم بعض الأخبار، واستشهدت ببعض النماذج التي سلمت من الضياع، ولاسيما تلك التي تتعلق بموضوع الدراسة، وقد كان كثير منهم يوصف في عصره بالبلاغة والبراعة، ولا شك أن ذلك سيدفع إلى مزيد من البحث والتنقيب عن أخبارهم، وآثارهم. 4- أتاح المنهج الذي اعتمدته الدراسة فرصة الاستفادة من كثير من النصوص ذات القيمة الوثائقية من الناحية الاجتماعية، والسياسية، وإن كانت قيمتها الفنية بسيطة، وبذلك تساعد هذه الوثائق التي تعتبر شهادة على العصر الذي تمثله، إلى جانب المادة التاريخية،على الوقوف على بعض الجوانب من حياة الأمة الأندلسية في جوانبها الاجتماعية والسياسية، والثقافية، وهو ما يسد بعض الثغرات في التاريخ السياسي والأدبي في الأندلس. 5 - أبرزت هذه الدراسة ظاهرة في الشعر الأندلسي تثير الانتباه،هي ظاهرة التشيع لدى شعراء الأمويين في الأندلس، فقد لجأ بعضهم إلى طريقة الاحتجاج للأمويين على غرار شعراء الشيعة في المشرق، وعند الفاطميين، واستغلوا إطار التشيع، ووظفوا بعض مبادئه خدمة للأمويين اعتماداً على سلاح خصومهم نفسه .وهناك نتائج أخرى عديدة مبثوثة في ثنايا هذه الدراسة التي أتمنى أن أكون قد أسديت، من خلال الجهد المتواضع الذي أبديته فيها، بعض الخدمة للأدب العربي في بيئة عزيزة على النفس حبيبة على القلب. وبالنسبة إلى القيمة العلمية والأدبية والتاريخية للكتاب،فالدكتور سعد بوفلاقة يرى أن كتاب «أدب السياسة والحرب في الأندلس» للدكتور علي لغزيوي يعد أوّل دراسة تُخصَّص لهذا الموضوع في الأندلس، درس فيها المؤلّف نصوصاً شعرية، ونثرية، يرى بعضها النور لأول مرة، ويستمد قيمته العلمية والأدبية والتاريخية من كونه يعالج موضوع تاريخ الأدب العربي في الأندلس من خلال موضوع أدب السياسة والحرب في فترة هامة زخرت بالأحداث السياسية الكبرى، وظهرت فيها روح العروبة، والإسلام قوية، وخاصة بعد تأسيس الدولة الأموية بالأندلس بزعامة عبد الرحمن الداخل، صقر قريش ،فهو يعتبر مرجعاً أساسياً عن أدب السياسة والحرب بالأندلس من الفتح الإسلامي إلى نهاية القرن الرابع الهجري، وقد صدق شيخنا الأستاذ الدكتور عبد السلام الهراس حين قال: «وتحتل هذه الدراسة التي اضطلع بها الأستاذ علي لغزيوي موقعاً مرموقاً يتّسم بالمغامرة، والجرأة، والجدة. يتبع