اختتمت، أول أمس بقصر الثقافة الإمامة، أشغال الملتقى الدولي “تلمسان أرض استقبال بعد سقوط الأندلس”، وعرفت المداخلات تركيزا على البعد الحضاري بين تلمسان والأندلس، ونظرة الأدب الأندلسي بعد النزوح الذي عرفته منطقة شمال إفريقيا في فترة سقوط الأندلس في قبضة الإسبان الذي تضمن رؤى مناظرة للأفكار الذهنية. وصف الدكتور بن داود إبراهيم الأوضاع العصيبة التي شهدها سكان الأندلس لحظة سقوط موطنهم بالاستثناء الذي لم تعرفه البشرية جمعاء، وقال إن الأندلسي الذي نشر الإسلام الحنيف بكل قيمه الراقية والنبيلة في أوربا وغيرها لابد أن يعاد له الاعتبار من خلال الدراسات والبحوث، وإعادة بعث تلك الحضارة التي نشرت عديد القيم الإنسانية وميزتها عن غيرها من الحضارات الأخرى القائمة على الأبعاد المادية الصرفة، داعيا في نفس الوقت إلى الاهتمام بالحضارة التلمسانية المتميزة. وكانت الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والإنسانية لأهل الأندلس بالجزائر بين القرنين السادس عشر والتاسع عشر هو موضوع مداخلة الدكتورة فلة موساوي، أستاذة بجامعة الجزائر2، حيث أكدت أن الأرشيف الوطني يحوي العديد من الوقفيات أو الحبوس التي يعود أمدها إلى العهد الأندلسي، مستعرضة أبعاد الحياة الاجتماعية والاقتصادية للأندلسيين في فترة تواجدهم بالأندلس وبالجزائر، مضيفة أنه بالإمكان استنطاق تلك الوثائق للولوج إلى ذلك العهد من خلال استقراءات عن الأوقاف أوالحبوس الموقعة أغلبها من المحاكم الشرعية، منها وقفيات تصف هبات للعائلات المحتاجة والمعوزة بالأندلس وبالجزائر على سبيل المثال “الحاج البشير الأندلسي وقف أو حبس خروف للحاج إبراهيم”، وطالبت في ذات الصدد بالاهتمام بهذا المجال معتبرة تلك الوثائق وسيلة مهمة لكتابة التاريخ لأنها بمثابة مرآة تعكس النمط المعيشي للأندلسيين. من جهته تحدث الدكتور المغربي، محمد خرماش، حول رؤية العالم في أدب النزوح الأندلسي، معتمدا في مداخلته على قصيدة الرندي كنموذج، مضيفا أن بعض المنظرين للنقد الأدبي أو المفكرين لا يمكنهم بأي حال من الأحوال تكوين رؤية للعالم إلا بالاعتماد على معلومات مستقاة من واقع طبقة أو مجموعة اجتماعية تشترك في الظروف والإحساسات وكذا الطموحات، ذاكرا أن الأدب الذي ظهر بعد نزوح الأندلسيين إلى الضفة الجنوبية من البحر الأبيض المتوسط بعد سقوط وطنهم الأم في قبضة الإسبان تضمن رؤية مأساوية تمثل رسوخ الوعي الشقي لدى الشعب الأندلسي المضطهد، كما مثل أقصى درجات الحقد الديني والظلم الاجتماعي وأعتى عمليات الغبن والتطهير العرقي، مستخلصا كل ذلك من البنيات الدالة لنماذج شعرية ونثرية مناظرة للبنيات الذهنية القائمة. كما قدمت الباحثة نهلة شهاب أحمد من العراق محاضرة بعنوان “المقاومة الموريسكية في مملكة غرناطة (ثورتي البازين والبشرات)”، حيث تضمن تدخلها ثلاثة محاور عرفت من خلالها الموريسكيين وثورة البشرات، وكذا الدعم الذي قدمه المسلمون لهؤلاء بعد فشل مقاومتهم للاسبان. كما تطرق الباحث الإسباني جورج جيل هيرير، في محاضرته “تلمسان والأندلس: البعد الحضاري والإنساني العالمي”، إلى هجرة مسلمي الأندلس إلى شمال إفريقيا وتعاملات المملكة الاسبانية آنذاك مع هذه الحركة. من جهته تناول الأستاذ جميل عيساني، في محاضرته “عالم الرياضيات الأندلسي “الكلاسيدي” (1412\ 1486): مدينة تلمسان والتقاليد العلمية المغربية”، هجرة العلماء إلى المغرب العربي، وأخذ كنموذج العالم أبو الحسن علي بن محمد بن علي القرشي البسطي الشهير بالقلصادي (1422-1487) رياضي مسلم أندلسي وفقيه في المذهب المالكي. كما أكد الأستاذ دلبي محمد، من خلال تدخله “بيبلوغرافيا الدراسات الموريسكية الأندلسية في التراث العربي الإسلامي”، أن الدراسات الموريسكية أو الموريسكلوجيا في العقود الأخيرة هي علم قائم بذاته لأنها ألمت بكل الفروع واعتمدت مصادر ومناهج تاريخية معينة. وقد أجمع المشاركون في الملتقى على ضرورة تنظيم لقاءات مماثلة بالمدن الجزائرية التي استقبلت الأندلسيين، مثل بجاية وقسنطينة ووهران والجزائر، وتسليط الضوء على الحضارة الإسلامية.