ارتفعت حالات الخلع في الجزائر خلال الخمس سنوات الماضية بشكل جنوني. حيث انتقلت من 3 آلاف إلى 10 آلاف حالة تسجلها المحاكم الجزائرية سنويا حسب إحصائيات وزارة العدل للعام .2012 مما يعكس تدهور منظومة الزواج والأسرة بشكل عام في بلادنا. إذ بعد أن كانت الجزائريات من أحرص النساء في الحفاظ على عش الزوجية من الانهيار، تكتظ قاعات المحاكم اليوم بالآلاف من طالبات الخلع من أزواجهن بأي ثمن كان. رغم أن حق المرأة في خلع زوجها كفله الإسلام منذ قرون، إلا أن أغلب الجزائريات كن يجهلن ماهية الخلع لعدم حاجتهن إليه ربما في السابق. أما اليوم فكلهن يعرفن جيدا حقهن في الخلع إذا ما استحالت العلاقة الزوجية. إلى درجة صار هذا الأخير ورقة في أيدي النساء تلوحن بها من حين لآخر تماما كما يفعل الرجال دائما بسلطة العصمة و الطلاق. وإذا كان حدوث الطلاق مرهون بأسباب مقنعة في نظر الشريعة وأمام القانون، فللخلع أيضا أسبابه وحيثياته المرتبطة أساسا بوقوع الضرر الذي لا تطيق المرأة تحمله. هنا يمنحها الإسلام ورقة الخلاص بأن تدفع للرجل فدية مقابل الخلع ز فلا جناح عليهما فيما افتدت بهس. العنف، الشذوذ والهجران أهم أسباب الخلع تم تسجيل 256 قضية خلع خلال الثلاثي الأول من السنة الجارية لنساء قررن التخلص من ميثاق الزواج بمحض إرادتهن، الأمر الذي تعتبره الكثير من الجزائريات والحقوقيات خاصة بمثابة نقلة نوعية في تاريخ النساء الجزائريات ومكسبا يكفله قانون الأسرة صراحة إذا ما تعنت الرجل في منح المرأة الطلاق أو تركها معلقة كما كان يحدث في الماضي كنوع من العقاب لها فيه استغلال غير مقبول للعصمة التي منحها له المشرع استطلعنا بعض الحالات التي تقدمت بطلب الخلع بقاعات المحاكم الجزائرية، فكانت أول ملاحظة أن طالبات الخلع قد وصل بهن الأمر إلى استحالة استمرار العلاقة الزوجية واستقرار الكراهية والنفور بينهن وبين أزواجهن لأسباب شتى أدت في الأخير إلى نفس النتيجة. مروة 33 سنة التقينا بها في قاعة المحكمة رفقة محاميتها وعلمنا أنها تنتظر أن تفصل المحكمة في دعوتها ضد زوجها عبد النور 37 سنة، مهاجر يعمل ببلجيكا طول السنة، فيما تنتظره هي وابنها الذي لا يتجاوز عمره ال4 سنوات. وضعية استمرت حسب مروة 6 سنوات رغما عنها :''حينما تقدم زوجي الحالي لخطبتي اتفقنا على أن يحملني معه إلى الخارج، لكنه بعد الزواج عدل عن قراره ليخبرني بأنه لن يحتاج إلى ذلك لأنه قرر العودة للاستقرار في الجزائر، اطمئنت نفسي وهدأت ساعتها لاعتقادي بأن الأمر لن يطول ، لكنه كما يقول المثل الشعبي عندنا ''عام يضمن عام'' وأنا لوحدي أربي ابني وأخدم والديه وأتحمل مشاكل الأسرة الكبيرة التي لا تنتهي ، وحتى المال الذي يرسله باسم والده الذي لا ينفق علي أنا وابني إلا في المأكل والمشرب، ولولا أنني موظفة وأعيل نفسي وابني لكنا ضعنا، واجهته بالأمر فتعسف وأكد لي أنه لا ينوي أن يعود ونصحني بأن اسكت وأربي ابني بدون مشاكل. أشعر أنني غير متزوجة فأنا لم أر من الزواج غير الأعباء التي ألقيت على رأسي دون وجه حق حتى حضور الزوج الذي يواسي سائر الزوجات ويمنحهن الدعم والقوة أفتقده، والد زوجي يمنعني حتى عن زيارة أهلي إلا في المناسبات وكأنني جارية اشتروها بعقد زوج أهم ركن فيه غائب. والحمد لله أنني عندما شرحت للمحامية ظروفي وهجر زوجي لي أكدت أنني سأحصل على الخلع بسهولة لتوفر الأسباب هجران الزوج لغيابه وعدم إنفاقه علي وعلى ابني. وقد أخبرتني بأنني مضطرة لأن أعيد له المهر الذي دفعه لي فقبلت وأنا مستعدة لأن أزيد عليه لأحصل على حريتي من زوج أقابله مرتين في السنة وأسرة يتحكم في كل أفرادها. أما حياة البالغة من العمر 27 عام، فقصتها مؤثرة فعلا تزوجت منذ سنة تقريبا من أحد أقرباء العائلة، زواجي كان تقليديا فأنا لم أتعرف عليه بل ضمنته لي العائلة الصديقة التي توسطت في الموضوع، مواصفاته كانت مثالية فهو ميسور الحال، وسيم ومثقف، لكن ومنذ اليوم الأول من زواجنا أدركت بأنني في ورطة فزوجي لا يقترب مني أبدا، ظننت في الأيام الأولى من الزواج أنه الإرهاق، لكن الوضع استمر طويلا، وكلما كنت أفاتحه في الموضوع أو أنصحه بأن يذهب إلى الدكتور يقوم بضربي وتعنيفي حتى أسكت، كما وصل به الأمر إلى تهديدي بالقتل إذا ما أفشيت سره. صارحت والدتي بالموضوع فنصحتني بالصبر وأقنعتني بأنه حال الكثير من النساء لكن الزوجة الصالحة هي من تصبر على زوجها، لكن زوجي العزيز نسي أمري تماما وفي نفس الوقت بدأت تظهر عليه علامات التخنث فهو لا ينسى وضع الكريمات على وجهه ليلا كما ينزع كافة شعر جسده، حينما اكتشفت ذلك صعقت وأدركت بأنني في ورطة أكبر مما تصورت. خاصة وأنني كلما واجهته يقوم بضربي ضربا مبرحا، ساعتها أخبرت والدي وأشقائي بالأمر وكان قد مر على زواجي قرابة سنة وحينما طلبت الطلاق أقسم بأنه لن يطلقني وسيتركني معلقة، وبعدما سأل والدي المحامي أكد له بأن إجراءات الطلاق تطول في المحاكم، خاصة إذا تعنت الزوج ونصحه بأن أرفع قضية أخلعه فيها من جلسة واحدة. وأنا في انتظار قرار المحكمة. الخيانة الزوجية تطغى على قضايا الخلع زوجة أخرى أكدت لها محاميتها أنها ستخلع زوجها من جلسة واحدة هي وردة 41 سنة والتي أصيبت بانهيار عصبي حاد استلزم دخولها المستشفى لعدة أيام، وهو ما وثقته محاميتها في ملفها أمام القاضي. وردة متزوجة منذ 13 سنة، أدركت بعد سنتين على الأكثر من الزواج أن زوجها محمد 45 سنة زير نساء من الدرجة الأولى، أنجبت منه ابنتين , فقررت أن تصبر على بلائها لكنها كلما صبرت كلما أمعن في إهانتها إلى أن أصبح يعاملها وكأنها غير موجودة إطلاقا، فكل مرتبه يصرفه على صديقاته كما قالت، كما أنها في البيت مجرد مربية لبناته وخادمة لا أكثر لأنه نسي منذ سنوات كونها زوجته، كل هذا لم يفقدها صوابها إلى أن تمادى كثيرا وصار يجلب صديقاته إلى البيت ينام معهن في غرفة وهي وبناتها في غرفة أخرى وإذا صرخت أو احتجت يوسعها ضربا، تقول وردة:'' كان يضطرني لأطهو لهما العشاء، كنت أسمع ضحكاتهما وكأنني أنا الغريبة إلى أن أصيبت بانهيار عصبي حاد. لقد طلبت منه الطلاق مرارا وتكرار لكنه رفض وتعسف وليس لي أب أو إخوة يخاف منهم، لذا لم أجد غير طلب الخلع وأكدت لي المحامية أنني سأحصل عليه من جلسة واحدة لوقوع الضرر''. القانون يبيح خلع الأزواج دون موافقتهم يعتبر المشرع الجزائري الخلع طلاق ويكون في ذلك مصيبا لأن الفسخ سببه وجود عيب يشوب العقد، بينما الخلع يرد على علاقة زوجية صحيحة، لا يشوبها أي عارض يعيب العقد وإنما نتيجة ظروف وعناصر خارجة عنه مست العلاقة الزوجية، والتي لا يمكن حلها إلا بالطلاق و قانون الأسرة الجزائري لم ينص على شروط الخلع بل اكتفى بالإشارة إلى جواز الطلاق بالخلع مقابل مال يتفق عليه الزوجان أو يحدده القاضي عند خلافهما على مقداره، بحيث لا يتجاوز صداق المثل. حتى أن المادة 54 (الأمر رقم 0205 المؤرخ في 27 فبراير سنة 2005 بنصها على أنه زيجوز للزوجة دون موافقة الزوج أن تخلع نفسها بمقابل مالي. إذا لم يتفق الزوجان على المقابل المالي للخلع، يحكم القاضي بما لا يتجاوز قيمة صداق المثل وقت صدور الحكم. لكن المشكل الذي يطرحه أغلب الحقوقيين ويتخوفون منه هو التماطل الذي يحدث بعد قرار الخلع في انتظار توثيق الطلاق النهائي الذي يبقى مرهونا بعدم طعن الأزواج في القرار. الأستاذ المحامي بوجمعة غشير ،رئيس الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان هو أحد الحقوقيين الذين تدخلوا في قضية منح حق الخلع للنساء المتضررات من الرابطة الزوجية، حيث توجه برسالة إلى وزير العدل حافظ الأختام ملتمسا منه التدخل العاجل لوضع حد لمعاناة نسبة معتبرة من السيدات اللائي حصلن على أحكام بالخلع أو التطليق يعتبرها المشرع نهائية ،لكنها تبقى معلقة، حيث يصطدمن لدى توجههن للمحاكم لتسجيلها بالرفض و الإقصاء طالما لم يتمكن من إحضار وثائق رسمية تثبت عدم الطعن أمام المحكمة العليا من طرف الأزواج، و اعتبر هذا الشرط منافيا للمادة 57 السالفة الذكر و يجعل حق المرأة في إنهاء الزواج عبارة عن حق مؤقت قابل للانتزاع و التعليق. كما أنه يفتح أمام الرجل المخلوع أو المطلق سبل الانتقام و التعسف باستعمال الطعن كورقة ضاغطة لمضاعفة الألم و المعاناة.