منذ الانقلاب على الشرعية الانتخابية في مصر في 3 جويلية 2013 سادت مصر حالة من ''السيسي مانيا'' أو موجة الهوس بالفريق أول عبد الفتاح السيسي قائد حركة الانقلاب وأصبحت صوره تملأ واجهات الصحف ويطلق إسمه على المواليد الجدد والرضع وترسم صوره أو تنقش عبارات الشكر والتأييد له في مختلف أنواع الملبوسات والمأكولات وحتى في الحلويات المثلجة وقطع الشكولاتة والساندويتشات والحلي والمجوهرات وكلمات الأغاني، وباختصار في أغلب ما يمكن أن تقع عليه العين أو يلتقطه السمع في ساحات مصر ومحلاتها التجارية ووسائل إعلامها المسموعة والمكتوبة والمرئية، حالة من التمجيد والتبجيل لقائد عسكري خطف الأضواء بانقلابه على الرئيس المنتخب الذي اختاره من بين القادة العسكريين ذوي الرتب السامية ليكون وزيرا للدفاع ومحل ثقة الحكم الجديد بعد ثورة 25 يناير 2011 . وذهب البعض إلى تشبيه الفريق أول عبد الفتاح السيسي بالبطل التاريخي محرر القدس الشريف وقاهر الصليبيين صلاح الدين الأيوبي، أو بالجنرال الأمريكي دوايت إيزنهاور قائد جيوش الحلفاء في الحرب العالمية الثانية الذي انتصر على القوات النازية والفاشية وفتح الطريق أمام أمريكا لتصبح سيدة العالم المعاصر، بل ان بعض المفتونين بشخصية السيسي يعتبرون أن إنجازه في الإطاحة بالرئيس الأخواني محمد مرسي هو أكبر من إنجازات صلاح الدين وايزنهاور! ومازالت مبادرات الدفع بالجنرال عبد الفتاح السيسي للترشح إلى رئاسة الجمهورية واحتلال المنصب القيادي الأسمى في مصر تتلاحق وتتصاعد فمن حملة ''كمل جميلك'' التي تنشط منذ شهور لجمع ملايين التوقيعات لترشيح السيسي إلى حملة ''انزل'' التي وصل بها الأمر إلى حد رفع دعوى قضائية لإجبار السيسي على الترشح للرئاسة إلى حملة ''اخترناك'' التي تطالب بتنصيب السيسي رئيسا دون اللجوء إلى الانتخابات. ومقابل هذا الهوس الذي يحرك فئة كبيرة من المصريين هناك موجة من العداء والتحريض على جماعة الاخوان المسلمين التي تصل إلى حد الإخوان فوبيا. ولم يعد الأمر يقتصر على قتل المئات من جماعة الاخوان المسلمين والمتعاطفين معهم في الميادين والساحات العامة وتكديس الناشطين منهم في السجون والمعتقلات وتشويه صورهم وتحركاتهم في وسائل الإعلان وحرمانهم حقوق المواطنة، بل تعدى ذلك إلى تجريم ومحاكمة كل من يرمز إلى الانتماء لهم أو يشير إلى التضامن معهم. فبعد تجريد البطل محمد يوسف من ميداليته الذهبية التي حصل عليها في رياضة الكونغ فو ورفع بها علم مصر عاليا في روسيا تمت إحالته إلى التحقيق بسبب رفعه لشارة ''رابعة'' في منصة التتويج، وبعد ذلك بأيام قليلة فقط، جاء دور هداف فريق النادي الأهلي لكرة القدم اللاعب الموهوب أحمد عبد الظاهر صاحب الهدف الثمين الذي نيل فريقه لبطولة إفريقيا وأدخل طعم الانتصار على نفوس الجماهير المصرية بعد هزيمة المنتخب المصري الثقيلة أمام فريق غانا في تصفيات كأس العالم. ولم يسلم حتى اللاعب المتألق والنجم الكروي المتخلق محمد أبو تريكه قائد المنتخب الأهلي والمنتخب المصري من الإهانة واللوم بسبب رفضه الصعود إلى منصة التتويج. وهكذا أصبح الأبطال والشرفاء من أبناء الشعب المصري هم الذين يشمتون ويتلذذ سفهاء الإعلاميين بالقدح في وطنيتهم والطعن في أعراضهم وأكل لحومهم وتسفيه إنجازاتهم بسبب التعبير عن مواقفهم وإظهار تعاطفهم مع ضحايا مجازر الانقلابيين في ميداني ''النهضة'' و''رابعة العدوية«! وأمام هذا الوضع المخزي يتساءل المرء عن السبب الذي يجعل أركان السلطة الانقلابية وأذيالهم في الكتيبة الإعلامية يصابون بكل هذا الذعر والهلع من مجرد رسم شارة ''رابعة'' في أية مناسبة رسمية؟ هل يخشون أن تبقى ذكرى مجزرة رابعة العدوية التي اقترفها الانقلابيون يوم 14 أوت 2013 حية في أذهان العالم وفي قلوب المصريين؟ وهل يعتقدون فعلا أن جريمة بتلك البشاعة والدموية يمكن أن تنسى أو أن تسقط بالتقادم! لقد وصل الأمر إلى حد رفع دعوى قضائية ضد لاعب النادي الأهلي أحمد عبد الظاهر بتهمة تهديد الأمن القومي وتكدير السلم العام بسبب رفع شارةرابعة! ولعل الكاتب المصري محمود سلطان قد أصاب كبد الحقيقة عندما تساءل لماذا لا تبادر السلطة بتقديم اقتراح قانون يجرم رفع شارة رابعة؟! ومما قاله :»إن سلطة 3 يوليو لم تفلح في شيء - حتى الآن - إلا في صنع الرعب والخوف.. واختراع القوانين القمعية المقيدة للحريات.. فأية دولة تلك أو أية سلطة يمكن الاعتماد عليها، في حل أزمات مصر الطاحنة وهي ''مرتعشة'' من رفع شارة بيد لاعب أو متظاهر؟ السلطة تعلم جيدا أن رفع شارة رابعة ليس تأييدا لسياسات الإخوان المسلمين وإنما احتجاجا على استرخاص الدم واستباحة أرواح الناس وعلى الوحشية في فض اعتصام رابعة«. ربما يكون الفريق عبد الفتاح السيسي غارقا في عسل كلامات المدح وإطراء المتملقين ولكن ماذا لو كان هذا القائد المدلل يملك جهازا لكشف النفاق وفرز النوايا الحقيقية لكل من يساندونه ويدفعونه إلى واجهة المسرح السياسي المغشوش، هل سيبقى ثابتا على موقفه مطمئنا على مستقبله وراضيا بتحمل وزر دماء الضحايا ودعوات الثكالى! »... ومن سره زمن ساءته أزمان«.