يحملنا المصور الايطالي فيرانت فيرانتي عبر 25 صورة فوتوغرافية التقطتها عدسته في الفترة ما بين 2008 و 2001 إلى الجزائرالعتيقة من خلال مواقعها الأثرية التي تميز عدد كبير ومهم من المدن القديمة الأثرية العريقة، منها جميلة ،تيمقاد ،عنابة وتيبازة وغيرها، نظرا لما تكتسيه مختلف هذه المدن من أهمية تاريخية وثقافية عالمية، منها ما هو مصنف ضمن التراث العالمي المحمي من قبل منظمة اليونسكو، وهي الآن شواهد قائمة على تاريخ منطقة شمال إفريقيا . يعتبر معرض الصور الفوتوغرافية الذي يحتضنه رواق» بينيا« ببئر مراد رايس إلى غاية 19 ديسمبر الجاري فسحة إلى مختلف المدن الأثرية التي تتمتع بها الجزائر و التي تعتبر شاهد على جزء هام من الحضارة الإنسانية العالمية، وكانت الجزائر بفعل موقعها الاستراتيجي الهام والمتميز، مكانا تلاقت وتقاطعت فيه مختلف الحضارات قبل ألف سنة قبل الميلاد. وعبر 25 صورة فوتوغرافية اختارها فيرانت فيرانتي إلى عشاق الصور و التاريخ من كتابه الذي رأى النور مؤخرا ، حيث يتوقف زوار معرض » رحلة إلى الجزائر العتيقة« هذه المرة عند مرور الحضارة الرومانية والفينيقية على الجزائر ، في إطار الغزو الذي شهده العالم القديم آنذاك، والذي كان يأخذ طابع التوسع تارة وطابع الهجرة والتوطن تارة أخرى، إلى تأسيس مدن كبيرة ذات أنماط متميزة هي الآن مشتركة في عدد من المواقع، منها مدينة تيمقاد وجميلة وبونا وتيبازة وشرشال، وتصف منظمة اليونسكو عددا من هذه المواقع بالشواهد القائمة المدعمة للدراسات المرتبطة بموجات الغزو التي عرفتها وشهدتها منطقة المتوسط خلال القرن السادس قبل الميلاد. من خلال هذه الصور التي تكاد ان تنطق يكتشف الزائر للمعرض ما تحمله مختلف المدن الجزائرية التاريخية مواصفات المدن الأخرى التي تم تشييدها بعدد من الدول الواقعة على ضفتي المتوسط، خاصة في الجهة الغربية منه ومنطقة شمال إفريقيا، وتحول العديد منها إلى تراث عالمي مصنف ومدرج ضمن قائمة المواقع العالمية الأثرية. فمدينة تيبازة هي إحدى هذه المدن، التي التقطتها عدسة المصور ،حيث عرفت مجدها أيام حكم الملك النوميدي يوبا الثاني، وحسب منظمة اليونسكو فإن موقع تيبازة يضم أكبر وأعظم المركبات الأثرية التاريخية لمنطقة المغرب العربي، وهي تحمل أكثر الدلالات والشواهد المتميزة التي تسمح بدراسة الاحتكاك والتعاملات التي كانت قائمة آنذاك بين مختلف الحضارات المحلية، وموجات الغزو التي شهدتها المنطقة خلال القرن السادس قبل الميلاد. وكانت المدينة مرفأ فينيقيا، ثم تعرضت للغزو الروماني، وهي الآن مصنفة في قائمة التراث العالمي منذ 1982 . شرشال التابعة حاليا إداريا إلى ولاية تيبازة، مدينة أثرية رومانية، عرفت قديما بمملكة موريطانيا القيصرية وسميت قديما »ايول»، كانت من أهم المدن الرومانية في شمال إفريقيا، تحوي الضريح الموريطاني الذي هو الآن مقصد سياحي ذو صيت عالمي. مدينة جميلة هي الأخرى أثارت فضول المصور فيرانت فيرانتي كمعلم أثري بارز في تقع على بعد 50 كيلومترا من مدينة سطيف، هذه الأخيرة التي كانت تعرف آنذاك بمدينة ستيفيس، أسسها الإمبراطور نرفا بين سنوات 96 و98 بعد الميلاد، وتعد أجمل الآثار الرومانية في العالم على الإطلاق، يؤمها العديد من السياح وهي الآن تحتضن سنويا مهرجانا فنيا عالميا. تيمقاد هي كذلك مدينة أثرية بالشرق الجزائري تضمن المعرض عدد من الصور التي تحمل أهم المواقع الاثرية التي تتمتع بها في ولاية باتنة عاصمة الأوراس، صنفتها منظمة اليونسكو إرثا ثقافيا في قائمة التراث العالمي، والمدينة الأثرية تمثل في شكلها المعماري، مستعمرة عسكرية رومانية تم تأسيسها في القرن الأول للميلاد، وتعد شاهدا على حقبة هامة من تاريخ العمارة الرومانية، وهي في أوج مرحلة لها، ومن جملة ما تضمه هذه المدينة، مسرح روماني يتسع ل3500 مقعد، وسوق، ويصف تقرير اليونسكو حولها الصادر في ,1982 بالمستعمرة الرومانية القوية العامرة والمزدهرة، وهي تعطي صورة بارزة لعظمة الحضارة الرومانية على الأراضي النوميدية، وفي القرون الأربعة التي تلت ميلاد سيدنا عيسى عليه السلام تحولت تيمقاد إلى مقر للأسقفية التي كانت مشهورة خلال القرن الرابع للميلاد، وتعرضت المدينة للتخريب على يد الوندال أواخر القرن الخامس بعيد عن عنابة التقط المصور فيرانتي الذي استغرقت مدة عمله على مشروع كتابه حوالي 4 سنوات صورا من مدينة مادور، وهي مدينة تقاطعت بها الحضارات القديمة، اشتهرت بجامعاتها وفلاسفتها، ومن الشخصيات التاريخية المعروفة في العهد القديم أبوليس والقديس الجزائري أوغسطين وليد مدينة سوق أهراس، الذي عرف بعلمه وزهده ومعارفه وتعد الكنيسة التي تحمل اسمه والواقعة بمدينة عنابة مزارا مسيحيا وموقعا يؤمه الولوعين بتاريخ المنطقة. ولا تعدو المدن التي استلهمت عدسة فيرانت فيرانتي إلا شواهد تاريخية في قائمة طويلة من المعالم والمدن التاريخية التي تزخر بها الجزائر، والتي منها ما تعرض للتخريب والهدم خلال فترة الاحتلال الفرنسي للجزائر بين 1830 و.1962 الجدير بالذكر، أن معرض» رحلة إلى الجزائر العتيقة« من تنظيم المعهد الفرنسي بالجزائر بالتنسيق مع رواق » بينيا« ،ولد صاحبه الايطالي فيرانت فيرانتي بالجزائر سنة 1960 ، ألف العديد من الكتب الخاصة بالفن الفوتوغرافي على غرار كتابه » قراءة في الفن الفتوغرافي« عن منشورات بريال« و» روح الآثار« ، اشرف على العديد من الورشات التكوينية في الفن الفتوغرافي ، شارك في العديد من المعارض في مختلف المتاحف في العالم . في صيف 2013 قام بأكبر معرض له في باريس الذي شهد مولد كتابه »itinerrances « عن منشورات » أكت سود«.