لا أعتقد أنه من قبيل الصدف، أن تخصص صحيفتان، من كبرى الصحف الفرنسية الأسبوع الماضي، مقالات حول تنامي العنصرية، تحي عنصرية الرجل الأبيض القديمة، والتي كانت وراء مآسي عاشها العالم، ليس آخرها الحرب العالمية الثانية، ونظرة الاستعلاء التي سكنت الجنس الآري ! ويتعلق الأمر أولا بمقال، نشرته صحيفة "ليبيرسيون"، واختار له كاتبه عنوانا لا يخلو من دلالات، اختار له "أمريكا العنصرية تستيقظ"، والعنصرية الأمريكية في حق السود، ما تزال أعوادها خضراء، إذ امتدت إلى سنوات الستينيات من القرن الماضي، ولذلك رأى كثير من الملاحظين في وصول الرئيس أوباما إلى حكم الولاياتالمتحدةالأمريكية، نوعا من التكفير عن ذنب طال أمده في حق السكان من أصول افريقية.. وحول الرئيس أوباما، دار المقال الذي كتبه مراسل ليبرسيون في أمريكا، فالهجوم العنصري طال شخص الرئيس في أصوله الإفريقية وفي لون بشرته، فهو تارة "المشعوذ الإفريقي" أو رجل في "إيهاب قرد يأكل موزة"، ووصل الأمر إلى استعداء السكان البيض على السود، ففي فيلم مركب بث الأسبوع الماضي، ظهر في حافلة نقل طفل أسود يضرب طفلا أبيض، وجاء التعليق على الصورة: "هذه أمريكا عصر أوباما، أطفال بيض يضربون الآن في حافلات مدرسية"، وقال الناطق باسم اليمين المتطرف بأن أوباما "أسود يبحث عن العراك"، وبحسب قلين بيك "Glenn Beck" المعلق بقناة فوكس التلفزيونية فإن أوباما "شخص يحمل حقدا دفينا على البيض أو لثقافة البيض".. وذهب آخرون التشكيك حتى في جنسية الرئيس، وذهب بعضهم من على قناة سينان CNN يطالب اوباما بإظهار الوثائق التي تثبت أنه مواطن أمريكي، وهل ولد في كينيا أم في هاواي.. وهذا القصف المركز جعل من الرئيس الأسبق جيمي كارتر يقرر بوضوح أن " سهما كبيرا من العداوة المعلنة على الرئيس أوباما مردها إلى لونه الأسود، وأنه أمريكي من أصل إفريقي"، وأضاف "لقد عشت في الجنوب، ورأيت الجنوب يعاني، لكن هذا الاتجاه العنصري ظل حاضرا، وأنه بعث للسطح من جديد بسبب شعور مشترك بين كثير من البيض، ليس في الجنوب فقط لكن في البلاد كلها، ومفاده أن الأمريكيين من أصول افريقية لا يصلحون لقيادة هذا البلد الكبير". المقال الثاني، نشرته يومية لومند بقلم أحد صحافييها من أصل جزائري، وعنوان المقال "أنا مصطفى قسوس، صحافي لومند وضحية العنصرية"، وقد أورد الصحافي العديد من القصص التي تنم عن روح عنصرية، جعلته يخفي اسمه في كثير من الأحيان، حتى لا يتعرض للإقصاء وللكلمات النابية.. بدأ المقال بحادثة وقعت يوم الخميس 24 افريل 2008 عندما استقبله بريز هرتفو وزير الهجرة والهوية الوطنية، بصفته صحافي من يومية لومند، للحديث عن إضرابات العمال في المؤسسات دون وثائق إقامة رسمية، وعندما حضر الوزير سأل الصحافي: "هل معك وثائقك"؟ كنت أظن أن "صفتي" صحافي لومند تحميني من نقائصي: كوني عربي، ولون جلدي ليس فاتحا، ومسلم، كنت أعتقد أن بطاقتي المهنية ستعصمني من تعليقات يقذف بها مرضى بأصول الناس وبألوانهم، ولكن مهما كان الموضوع، والمكان والمجتمع، فإن الأفكار المسبقة عفنة.. ويصف مصطفى معاناته مع هذا التمييز العنصري "الساكن في الأذهان"، والتي يجد صعوبة في إقناع زملائه بحقيقتها، سواء عند قيامه بالتغطية الإعلامية أو في الحياة العامة، وكيف أن بعض من يستجوبهم يتصل بالصحيفة ليتحقق: "أن مدعو مصطفى بزعم أنه صحافي لومند"! هذا ما جعله يحجب اسمه عندما يتصل بالهاتف: "أنا السيد قسوس"، فقسوس امضي بسلام، والبعض يظن أن الصحافي يهودي، إلى درجة أن حاخام ليون الأكبر ريشارد ورتنشلاغ أسر له: "كنت أظنك من جاليتنا".. كان عليَّ أن أقتطع جزءا من هويتي، يقول مصطفى، كان لزاما أن أمحو خذا الاسم العربي من محادثاتي، أن ألفظ اسم مصطفى معناه أن احتمل خطرا محدقا بأن ينصرف عنك محدثك، اتهم نفسي أحيانا بالمبالغة والخطأ، لكن هذا الأمر يتكرر.. وذات يوم من شهر جويلية 2004، قصدت جزيرة برتيلاس، لتغطية حدث قتل طفل بالفأس من قبل مغربي، وعند وصولي لمسرح الحادث، طرقت الباب، وخرج شخص في الخمسين من عمره، هو قريب الضحية، قال لي: "لا أحب العرب"، وانتهى الأمر بأن استقبلني في بيته.. ولأن الجاني كان يعتقد أنه فر من مستشفى الأمراض العقلية، كلمت المديرية بالهاتف، وقالت المسؤولة أنها تتشرف بمقابلة موقد لومند، وبعد وصولي خرجت سيدة من المكتب تسأل عن مراسل لومند، هي المديرة فلما رأتني ودون تحية قالت: معك بطاقتك المهنة وبطاقة التعريف؟ فقلا لها: في المرة القادمة، أطلبي أن يرسل لك بطاقة الحالة المدمية ربحا للوقت، وانصرفت غاضبا، وكانت المفاجئة أن الشرطة أوقفتني بعد أمتار على أنني أحد المشابه بهم؟ قصة مصطفى طويلة ومحزنة، وتتصل حلقاتها إلى حد يحرمه من تأجير مسكن مما اضطره إلى مصاحبة زميلة له، ليقنع المؤجرين بجدوى الإيجار له، ولكن مصطفى ما هو إلا عينة فتحت صحيفة لومند الشهية لآخرين، أن يسترسلوا في سرد حوادث مشابهة وغريبة لعنصرية الرجل الأبيض..