يبدو أن اسطوانة تأميم حزب جبهة التحرير الوطني وإحالته إلى المتحف ما تزال تستهوي بعض الأصوات النشاز التي أصبح يقلقها ويزعجها وجود الحزب العتيد في الواجهة السياسية، فلا تفوت موعدا حزبيا أو سياسيا دون السعي إلى النيل من الحزب وتوجيه سهامهما نحوه من خلال إذكاء الفتن والعزف على وتر الخلافات والصراعات التي بات مؤكدا أن لا وجود لها إلا في بعض الكتابات الصحفية. تحول المؤتمر التاسع إلى فرصة ذهبية بالنسبة للمتربصين بالأفلان لتوجيه سهامهم نحو قيادة الحزب، وكما جرت العادة لا يجد هؤلاء أفضل من طريقة اختلاق الصراعات والأجنحة المزعومة والذهاب إلى حد افتراض وجود أزمة سياسية وتنظيمية ستقود حتما الحزب العتيد ومثلما تمنيهم نفوسهم إلى نقطة النهاية حتى تخلو لهم الساحة السياسية التي لا يجدون مكانا لهم فيها في وجود حزب من حجم الأفلان بتجذره الشعبي ورصيده الثوري ومكاسبه التاريخية والمعاصرة. المتعارف عليه في الأبجديات السياسية والديمقراطية أن الاختلاف في الرؤى والأفكار هو ثراء وقوة تحسب لأي تشكيلة أو تيار سياسي، إلا أنه وفي حالة الحزب العتيد يستغل في الاتجاه المعاكس، فكل حوار أو نقاش أو حتى خلاف بين مناضلين داخل قسمة أو محافظة يتحول إلى أزمة حزبية وسياسية وتضع الأفلان على حافة الانهيار، رغم أن الخلاف والاختلاف هو ظاهرة صحية ودليل على حيوية الحزب السياسي خاصة إذا ما تعلق الأمر بحزب من حجم الأفلان الذي يضم في صفوفه خزان إطارات وخبرات لا تعد ولا تحصى. ولا يفوت هؤلاء الذين يزعجهم وجود الأفلان ويقض مضاجعهم السياسية فرصة أو مناسبة دون السعي إلى إحياء أزمة طواها المؤتمر الجامع والحديث عن أجنحة مزعومة لا وجود لها في القواعد النضالية ولا صوت لها إلا من خلال بيانات توجه إلى قاعات التحرير بدلا من المناضلين، رغم إجماع المتتبعين للشأن السياسي الوطني أن أزمة 2003 التي عاشها حزب جبهة التحرير الوطني عشية الاستحقاق الرئاسي لسنة 2004 لو أنها عصفت بتشكيلة سياسية أخرى غير الأفلان لكانت نهاية هذا الحزب، فلم يكن من السهل أن ينقسم الحزب جناحين من القيادة إلى القاعدة، بيد أن الأفلان وبفضل إرادة مناضليه وإطاراته استطاع تجاوز الأزمة ولملمة الصفوف مجددا حول قيادة واحدة اتسعت للجناحين واستوعبت جميع الغاضبين تحت سقف واحد، وحتى وإن استغرقت مهمة تسوية الخلافات وإنهاء الصراعات وقتا طويلا من وجهة البعض امتد لما يقارب 4 سنوات لكنه كان ضروريا لأن الأزمة كانت عميقة. أما دعاة تأميم الأفلان وإحالته إلى المتحف كملكية تاريخية مشتركة فقد غاب عنهم وتناسوا الفاتورة الباهظة التي دفعها الشعب الجزائري لأكثر من عشرية كاملة ثمنا لإبعاد حزب جبهة التحرير الوطني عن السلطة، ورغم كل ما يقال عن الفترة التي تولى فيها الحزب العتيد ومنذ الاستقلال شؤون الحكم وما يسجل عليه فيها من مآخذ فلا أحد بالمقابل ينكر أن الأفلان كان صمام الأمان لجزائر فتية تحررت لتوها من استعمار استغرق ما يزيد عن قرن من الزمن، والحقيقة الثابتة اليوم أن الأفلان هو حزب سياسي يحصي مئات الآلاف من المناضلين وأثبت قدرته على التعبئة الشعبية في مختلف المواعيد السياسية، بينما الحديث عن استرجاع الحزب وتأميمه هو مجرد محاولات يائسة يبحث أصحابها عن الظهور الإعلامي.